تعميم الشعارات في جنوب لبنان لا يلغي انتفاضه على «الثنائي الشيعي»

جانب من الاحتجاجات في لبنان (رويترز)
جانب من الاحتجاجات في لبنان (رويترز)
TT

تعميم الشعارات في جنوب لبنان لا يلغي انتفاضه على «الثنائي الشيعي»

جانب من الاحتجاجات في لبنان (رويترز)
جانب من الاحتجاجات في لبنان (رويترز)

لم تحل المقاطع الصوتية المحذرة التي يتبادلها سكان جنوب لبنان عبر مجموعات «واتساب» دون نزول الناس إلى الشوارع، وإقفال الطرقات والاعتصام في مدينتين رئيسيتين، للمرة الأولى منذ عام 1992. تحاول تلك المقاطع الصوتية المجهولة المصدر، ثني الناس عن المشاركة في الاحتجاجات، زاعمة أن «جهات دولية» تقف خلف الحراك، وهو ما يرفضه كثيرون ممن يجدون الاحتجاج وسيلة رفض لواقع معيشي يزداد صعوبة.
وانفجر جنوب لبنان الذي تسكنه غالبية شيعية، بوجه «الثنائي الشيعي» الذي يحتكر تمثيل الطائفة في البرلمان والحكومة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة العام الماضي. وللمرة الأولى، ترتفع شعارات غير سياسية ضد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. ولم يخلِ الناس الشوارع منذ الخميس الماضي، رغم تفاوت الأعداد. وحتى أمس، كان الناس يلازمون الشوارع في كفرمان في النبطية ومحيط السراي الحكومي في النبطية ومداخل مرجعيون. أما في مدينة صور، كبرى المدن الجنوبية، فبدأت تتزايد أعداد المحتجين بعد الظهر.
ويقول ناشطون يشاركون في مظاهرة النبطية، إن «هناك محاولات كثيرة لإخراج الناس من الشارع، لكنها لم تفلح». ويتحدث هؤلاء عن أن أجمل ما في المشهد أن نسبة الشباب العشريني هي الطاغية، و«لا تعنيهم الشعارات الكبرى ولا الحروب الإقليمية. هم شباب منطلق يطمح لوظيفة وأمان ومستوى عيش جيد».
ولا يلغي الهدوء وعدم تسمية المسؤولين في المظاهرات، نقمة شعبية، حتى ضمن البيئة المؤيدة سياسياً للثنائي الشيعي. إذ يتحدث أحد المعتصمين في النبطية، رفض الكشف عن اسمه، عن أن الاعتصامات التي تنفذ «يشارك فيها مناصرون لحركة أمل وحزب الله»، قائلاً: «جعنا... يريدون منا انتخابهم، وفي الوقت نفسه لا يعملون على تحسين الاستثمارات وتقديم محفزات لتأمين فرص العمل لنا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن بعض المسؤولين «كانوا يسهلون وصول أقربائهم إلى الوظائف دون غيرهم من الناس الذين انتخبوهم... في النهاية كانت الانتفاضة لنقول لهم إن ما قمتم به طوال الفترة الماضية هو الدافع للاعتراض عليكم الآن».
ويعيش الناس تحت ضغوط اقتصادية ناتجة عن ثلاثة أسباب، أولها توقف الوظائف في القطاع العام منذ عام 2017، عملاً بأحكام قانون سلسلة الرتب والرواتب، والثاني مرتبط بعودة مئات المغتربين الذين كانوا يحولون أموالاً لذويهم من الخارج، فانعدمت تلك المساهمات إثر اهتزاز مصالحهم في الخارج. أما الثالث فيعود إلى تصاعد العقوبات الأميركية على «حزب الله» والبيئة الموالية له، ما فرض قيوداً على التحويلات، وضغوطاً على متمولين يخافون من أن تتأثر مصالحهم بفعل العقوبات. وساهمت الأسباب الثلاثة في زيادة نسبة البطالة بشكل غير مسبوق وتراجع القدرة الشرائية، وهو ما دفع الناس للانتفاض على ممثليهم في السلطة.
ويرجع النائب عن «حركة أمل» هاني قبيسي الأزمات الاقتصادية التي تفاقمت في الجنوب أخيراً إلى العقوبات الأميركية. ولا يخفي في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «حركة أمل تسدد فاتورة العقوبات الأميركية» التي طالت «حزب الله» وشخصيات وكيانات في الطائفة الشيعية، وأدت إلى ارتفاع الصوت. وأوضح أن «وجع الناس انفجر في الشوارع. نحن نقدر صرخاتهم ومعاناتهم، لكن الجميع يدرك أننا نعيش تحت حصار خارجي، وثمة أشخاص في الداخل يشاركون في الحصار أيضاً، وهو ما أدى إلى انكماش السوق وعطل مصالح الناس». وإذ أعلن تقديره لتحركات الناس، أشار إلى أن «البعض استغل وجع الناس لتوجيه سهامه ضد حركة أمل، سعياً للانتقام منها وانطلاقاً من أحقاد على الحركة، وسيسوا حركة الناس الاعتراضية ليبتعد الحراك عن أهدافه».
وقال قبيسي، وهو عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري: «نحن ندعم الصرخة الحقيقية التي أطلقها المواطنون، لكن عندما يخرج الأمر باتجاه تسييس، ويصبح الحراك مسيساً، فإنه سيكون لنا موقف آخر»، مشدداً على أن «الجميع الذين يستهدفوننا الآن يدركون أننا ضد الفساد ونواجهه، ونتحدث عنه منذ وقت طويل». وأضاف: «من الغريب أن توجه أصابع الاتهام إلى الحركة، والكل يدرك أننا لا علاقة لنا بملفات الفساد في الدولة، من خطة الكهرباء إلى بواخر الطاقة إلى ملف الاتصالات والمرفأ وغيرها. لكن هناك توجيهاً سياسياً باتجاهنا لتحميلنا المسؤولية، وهو تسييس لمطالب الناس وحركتهم البريئة التي ندعمها والتي لم تعد مطالب بريئة بل مدروسة».
ورأى أن «الحصار المفروض على لبنان بفعل العقوبات تأثرت به الطائفة الشيعية بالتأكيد»، مطالباً الأفرقاء السياسيين اللبنانيين بـ«وقفة بوجه هذا الحصار». وأشار إلى أن هذا الحصار «حرك الشارع أخيراً... وعلى قاعدة العقوبات الأميركية التي تفرض الحصار، سنواجه تسييس المطالب».
ومنذ اليوم الأول للحراك، مثّلت مظاهرات جنوب لبنان حدثاً مفاجئاً، جرى التعبير عنه بعبارات مثل «الجنوب يكسر حاجز الخوف». غير أن المفارقة في الاحتجاجات في الأيام الأولى وأمس أن مؤشرات الشعارات تبدلت إلى حد ما. ففي صور، ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية أن «الهتافات كانت ضد الحكومة وضد الورقة الإصلاحية». أما في النبطية فانحسرت موجة تسمية المسؤولين، واكتفت الهتافات بإطلاق شعارات عامة أسوة بالشعارات التي تطلق في المناطق الأخرى.
ويقول الباحث السياسي عماد قميحة إن مجرد خروج مظاهرة في الجنوب بمثابة «صفعة للثنائي الشيعي». وأضاف في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن المحتجين «قالوا إنه يمكن أن تُستغل التسمية لاعتبارنا نستهدفهم سياسياً، وهذا غير صحيح، لذلك استبدلنا الشعارات القديمة بالتعميم، وفي التعميم فإنه جزء من الطبقة الحاكمة، وهي خطوة ذكية وليست خطوة تراجعية يمكن تصنيفها ضمن خانة التكتيك». ورأى أن «هذا تحول تاريخي. الشعب الجنوبي اعتبر أنه جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني المنتفض، والخيار المتخذ هو القول: كفى».
ولم يسقط قميحة، وهو أحد معارضي «حزب الله» في الجنوب، الأسباب الثلاثة التي دفعت الجنوب للانتفاض، وتتمثل في توقف التوظيفات وتراجع تحويلات المغتربين والعقوبات الأميركية، قائلاً: «الأسباب صحيحة، لكن قبلها وبعدها يقف فساد النظام وحجم السرقات. لدينا نظام مهترئ، وصار الوضع حزيناً بما يكفي. ففي الجنوب ثمة عائلات تنام بلا عشاء. أمام الجوع لا نتحدث عن خيارات كبرى مثل المشاركة في الحروب الخارجية والإقليمية. الأزمة الحقيقية هي ما أنزل الناس إلى الشوارع».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».