الجدل حول ارتداء الحجاب في فرنسا يستعر

اليمين واليمين المتطرف يستغلان المسألة لأغراض سياسية والحكومة تسعى لتوحيد رؤيتها

TT

الجدل حول ارتداء الحجاب في فرنسا يستعر

الشرارة انطلقت من مدينة ديجون (جنوب شرقي فرنسا) بمناسبة انعقاد جلسة للمجلس الإقليمي لمنطقة بورغوني - فرانش كونتيه، التي دُعيت إليها مجموعة من التلامذة مع مرافقيهن من الأمهات لنقاش حول موضوع «الجمهورية ونحن». والمشادة بدأت عندما دعا جوليان أودول، رئيس مجموعة «التجمع الوطني» «اليمين المتطرف»، «باسم مبادئ الجمهورية والعلمانية» ماري غيت - دوفي، رئيسة الجلسة، والمنتمية إلى الحزب الاشتراكي، أن تطلب من سيدة مسلمة ترافق التلامذة، ومن بينهم ابنها، أن تنزع الحجاب الذي ترتديه، مضيفاً أن السيدة المعنية «لها كامل الحق في ارتداء الحجاب في الخارج، ولكن ليس في الداخل هنا. هذا قانون الجمهورية».
وبعد هرج ومرج، رفضت رئيسة المجلس الاستجابة، وأكدت أن السيدة المعنية لها الحق في ارتداء الحجاب، وأن القانون لا يمنعها من ذلك، ما دفع بمجموعة «التجمع الوطني» إلى ترك الجلسة. وسارعت ماري غيت - دوفي إلى نشر تغريدة دعت فيها إلى «وضع حد لمشاعر الحقد»، ومنددة بـ«الأقوال والتصرفات» التي «تنم عن تشدد تخطى الحدود كافة». وختمت تغريدتها بالتهديد بتقديم شكوى أمام القضاء. وسارعت مارلين شيابا، وزيرة الدولة لشؤون المساواة بين الرجل والمرأة، إلى الوقوف إلى جانب غيت - دوفي، معتبرة أن إهانة أمّ أمام أولادها هو ما يدفع إلى الانطواء، ومؤكدة أن قانون العام 1905 الخاص بمبدأ العلمانية والقوانين اللاحقة لا تمنع السيدة المشار إليها من أن تغطي رأسها بحجاب. هذه الحادثة أثارت جدلاً واسعاً في فرنسا حول الحجاب والشارات الدينية وحول المسموح به أو الممنوع. وبالطبع شكلت مادة دسمة لليمين المتطرف واليمين التقليدي ليوجها سهامهما إلى الحكومة. لكن الجديد أن أعضاء الحكومة انقسموا على أنفسهم بين متشدد ومتسامح. والحقيقة أن هذا الجدل ليس جديداً، إذ يعود للعام 1989 عندما انطلق بعد منع مدير مدرسة 3 تلميذات من الدخول إلى صفوفهن بسبب ارتدائهن الحجاب. وطال النقاش حتى العام 2004 عندما صدر قانون يمنع ارتداء الشارات الدينية البينة داخل الصفوف المدرسية. لكن لم يأت القانون على وضع الأمهات اللواتي ترافقن التلامذة في نشاطات خارج المدرسة. وبعد ذلك اندلع الجدل بصدد ارتداء النقاب حيث صدر قانون آخر يمنع ارتداءه في الفضاء العام في العام 2010 والقانون يغرم المرأة المخالفة، ويلزمها بدفع 150 يورو. وأخيراً، حلّ جدل جديد صيف العام 2016 مع إثارة موضوع ارتداء «البوركيني» (أي لباس البحر للمسلمات).
في كل مرة يثار فيها هذا النوع من الجدل، يطرح موضوع موقع الإسلام في المجتمع الفرنسي. ولأن النشاطات الإرهابية التي عرفتها هذه البلاد منذ بداية العام 2015 ترتبط بمجموعة منحرفة من مدعي الدفاع عن الإسلام، فإن مسلمي فرنسا، في غالبيتهم العظمى، يسعون للاندماج في المجتمع الفرنسي، وهم يعانون أكثر من غيرهم من «الخلط» بين الدين وبين أعمال منحرفة تسيء بداية للمسلمين. وترتبط هذه الإشكالية، إضافة إلى الإرهاب، بملف الهجرات وبموضع الضواحي، وما تعرفه من أعمال عنف وتجارة مخدرات ومشكلات اجتماعية واقتصادية متنوعة. والخلاصة أن أي حادثة كتلك التي حصلت في مدينة ديجون، تعيد طرح الإشكاليات كافة دفعة واحدة، وتفتح الباب واسعاً أمام الاستغلال السياسي والمزايدات.
وما يزيد من وقع الحادثة الأخيرة أنها جاءت بعد فترة قصيرة على الحادث الإرهابي الذي ضرب مديرية شرطة باريس وأوقع 4 قتلى في قلب عرين يفترض به أن يكون حامي المواطنين من أعمال العنف والإرهاب. وما زاد من فداحته أن مرتكبه ميكاييل هاربون، الذي قتل في الحادثة، كان موظفاً في المديرية وقد اعتنق الدين الإسلامي وتبنى، وفق ما بيّنت التحقيقات اللاحقة، نهجاً إسلاموياً راديكالياً.
في كلمته التأبينية، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى محاربة «الوحش الإسلاموي». لكنه نبه من الخلط بينه وبين الإسلام كدين. وخلال الأيام الأخيرة، سمعت أصوات تدعو ماكرون للتدخل وحسم الجدل الخاص بارتداء الحجاب. وأمس، استفاد ماكرون من مقابلة مع القناة الإخبارية «بي إف إم» لتجديد الدعوة للفرنسيين للوقوف «سداً واحداً بوجه الراديكالية (التشدد) والانطوائية». كذلك عبّر عن قناعته للحاجة إلى فتح باب النقاش حول هذه المسائل، ولكن «بصورة هادئة»، محذراً في الوقت عينه من الخلط بين العلمانية من جهة والإسلام من جهة أخرى، وداعياً إلى الامتناع عن التسبب بانقسامات داخل المجتمع الفرنسي. وقال ماكرون: «إنني بحاجة لكل المواطنين الفرنسيين، أياً كانت ديانتهم أو قناعاتهم الفلسفية والسياسية، من أجل محاربة الراديكالية والانطوائية». لكن الرئيس الفرنسي رفض الخوض في المسألة موضوع الجدل، ربما لاعتباره أن اللحظة غير ملائمة، أو لأن إطلاق مثل هذا النقاش سيتسبب بما يسعى إلى تفاديه، أي إحداث شرخ داخل المجتمع، خصوصاً قبل شهور قليلة على الانتخابات البلدية في شهر مارس (آذار) المقبل.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».