نغولو كانتي... أكثر من مجرد أفضل لاعب وسط في الدوري الإنجليزي

في مثل هذا التوقيت من العام الماضي كان الجميع يتحدث عن سوء توظيف النجم الفرنسي نغولو كانتي من قبل المدير الفني السابق لنادي تشيلسي ماوريسيو ساري، حيث كان المدرب الإيطالي يدفع بمواطنه جورجينيو في مركز محور الارتكاز، وهو الأمر الذي أدى إلى تغيير مركز كانتي عن مركزه الأصلي.
وكان ساري يحث كانتي على التقدم للأمام والقيام بأدوار هجومية أكبر، لكن كان من الواضح تماماً أن هذه الأدوار لا تناسب القدرات والإمكانيات التي يتحلى بها النجم الفرنسي الذي يجيد استخلاص الكرات والوقوف كمانع صد بوسط الملعب.
وكان الجميع يشعر بالغضب بسبب تغيير مركز كانتي، وظهر ذلك واضحاً خلال الأحاديث التي تدور في البرامج الإذاعية، والمقالات التي تكتب في الصحف، والآراء التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان الجميع يتبارى للدفاع عن النجم الفرنسي، ولم يَلُمْ أي شخص كانتي على تراجع مستواه في بعض المباريات.
ومع نهاية ذلك الموسم، قاد ساري تشيلسي لاحتلال المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، وحصل على لقب الدوري الأوروبي، ومنح اللاعب الصاعد كالوم هودسون أودي الفرصة للمشاركة في 26 مباراة مع الفريق، وكان يتعامل بمنتهى الاحترام مع كل الانتقادات التي كانت توجه إليه فيما يتعلق بالدفع بجورجينيو وكانتي معاً في خط وسط تشيلسي.
ويجب التأكيد على أن كانتي وجورجينيو يتسمان بالذكاء الكروي، وهو الأمر الذي مكنهما من تقديم أداء جيد مع الفريق الموسم الماضي. وبعد مرور عام كامل على ذلك، تزامن تحقيق تشيلسي لأفضل انتصارين له هذا الموسم - خارج ملعبه أمام ليل ثم أمام ساوثهامبتون - مع عودة الاعتماد على لاعبين اثنين في خط الوسط. وبالتالي، فإن الأخبار التي تفيد بأن كانتي قد يغيب عن المباراة القادمة لتشيلسي بسبب إصابته في أوتار الركبة خلال مشاركته مع منتخب فرنسا تبدو أكبر عقبة تواجه الفريق خلال المرحلة المقبلة.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الأخبار الأخرى في هذا الصدد هذا الأسبوع، حيث سمح ريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي بنشر تقارير، من خلال القنوات المعتادة، تفيد بأنهما مهتمان بالتعاقد مع كانتي. ومع ذلك، هناك بعض الأمور التي تعيق انتقال كانتي إلى ريال مدريد، أولها أن تشيلسي لن يتخلى عن خدمات نجمه الفرنسي. وثانياً، فإن المقال المنشور على موقع «دي ماركو» الإلكتروني يؤكد على أن كانتي «يحلم بارتداء اللون الأبيض وترك تشيلسي، لأنه يعتقد أن الفريق الإنجليزي لا يمكنه الفوز بلقب هام مع المدرب فرانك لامبارد».
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل هذا هو نغولو كانتي الذي نعرفه؟ وماذا عن التزامه بالاستمرار مع تشيلسي؟ ليس من المستغرب على الأقل أن نسمع أن العديد من الأندية ترغب في التعاقد مع كانتي، لأنه قدم مستويات رائعة في إنجلترا وتأقلم سريعاً في اللعب بالدوري الإنجليزي الممتاز الذي يتسم بالقوة والسرعة.
ومن الناحية التاريخية، لم تكن كرة القدم الإنجليزية تعطي التقدير اللازم للاعب الذي يلعب محور ارتكاز في خط الوسط، لكن الوضع يختلف تماماً مع كانتي، الذي يتلقى إشادات مستمرة بفضل أدائه الدفاعي القوي والطاقة الهائلة التي يظهرها داخل المستطيل الأخضر، في الوقت الذي تعرض فيه ساري لانتقادات كبيرة بسبب رغبته في تغيير مركز كانتي داخل الملعب بالشكل الذي يرى كثيرون أنه يحد من قدرات النجم الفرنسي.
لكن من الإنصاف أن نسأل عن سبب تعرض ساري لهذه الموجة من الانتقادات، في الوقت الذي تألق فيه كانتي في مركزه الجديد أيضاً، والدليل على ذلك أنه كان اللاعب الأكثر قطعاً للكرات في الدوريات الأوروبية خلال الموسمين الماضيين على التوالي. وحتى خلال الموسم الماضي، عندما كان الفريق يلعب بطريقة تعتمد على الاستحواذ على الكرة أكبر وقت ممكن، كان كانتي لا يزال هو اللاعب الأكثر قطعاً للكرات بين جميع لاعبي خط الوسط في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويجب التأكيد على أن نقطة القوة الأكبر في أداء كانتي تتمثل في القدرة على قراءة أفكار لاعبي الفريق المنافسة والتحرك في المساحات التي تمكنه من قطع الكرات. ومع ذلك، لا يقتصر الدور الذي يقوم به كانتي على هذا الأمر، فخلال المباراة التي خسرها تشيلسي أمام برشلونة على ملعب «كامب نو» في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، قدم اللاعب الفرنسي أداءً استثنائياً وشاملاً في خط وسط الفريق أمام لاعبين مثل إيفان راكيتيتش وسيرجيو بوسكيتس وأندريس إنييستا.
ولم يلعب كانتي خلال الموسم الحالي سوى ثلاث مباريات فقط مع تشيلسي في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنه في هذه المباريات كان أكثر لاعبي الفريق تسجيلاً للأهداف وقطعاً للكرات في نفس الوقت، وهو ما يثبت أنه لاعب شامل ولاعب خط وسط نموذجي في الدوري الإنجليزي الممتاز.
إن القصة التي يتم تداولها من أن كانتي كان يعمل جامع قمامة في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس عندما كان طفلاً تغذي الانطباع السائد عن كون كانتي يتسم بالتواضع الشديد. لكن يجب أن نعرف أيضاً أن كانتي حاصل على مؤهل دراسي يُمكنه من العمل محاسباً، وقد أثبت أكثر من مرة أنه يفهم ممارسات التنظيم المالي والمحاسبة أفضل من معظمنا.
وبالمثل، فإن الفكرة المنتشرة بأن كانتي يُخدم على النجوم هي فكرة تقيد من قدراته في حقيقة الأمر. وقد سمعنا أن كانتي قد «سمح لبول بوغبا بأن يتألق» في كأس العالم، وأن وجوده في الملعب يسمح للاعبين باللعب بحرية أكبر، لكن ربما ما يحدث حقاً داخل الملعب يؤكد على أن كانتي لاعب شامل من طراز رفيع، والدليل على ذلك أنه حصل على مدار أربع سنوات على أربعة ألقاب كبرى من بينها كأس العالم مع المنتخب الفرنسي.
لقد صنع كانتي لنفسه تاريخاً يستحق الفخر به، منذ أن بدأ يلعب الكرة مع نادي بولوني، قبل الانتقال إلى كاين في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، ومنه إلى ليستر سيتي عام 2015 مقابل مبلغ قدره 5.6 مليون جنيه إسترليني، حيث كان عنصراً رئيسياً في تحقيق الإنجاز الأهم في تاريخ النادي بالفوز بالدوري الممتاز.
في العام التالي، اشتراه نادي تشلسي مقابل مبلغ قدره 32 مليون جنيه إسترليني، وفاز معه بالدوري مرة أخرى في أول موسم له. كما فاز بلقب لاعب العام. وأصبح كانتي أيضاً أول لاعب يحصل على ألقاب متتالية في الدوري الإنجليزي مع أندية مختلفة بعد الفرنسي إريك كانتونا في عامي 1992 و1993 مع ليدز ثم مانشستر يونايتد. وحجز كانتي أيضاً مكاناً أساسياً في منتخب فرنسا الذي حصد فضية بطولة أمم أوروبا عام 2016. والتتويج بكأس العالم عام 2018.
والآن، ربما يتعين علينا أن نستمتع به قدر الإمكان، ولتكن البداية من مباراة تشيلسي المقبلة أمام أياكس أمستردام الهولندي يوم الثلاثاء المقبل في دوري أبطال أوروبا، لكي ندرك أن كانتي أكثر من مجرد لاعب خط وسط جيد.