مصارف لبنان مقفلة لليوم الرابع ومخاوف من نفاد السيولة من الصرّاف الآلي

TT

مصارف لبنان مقفلة لليوم الرابع ومخاوف من نفاد السيولة من الصرّاف الآلي

لليوم الرابع على التوالي تقفل أبواب المصارف في لبنان، نتيجة المظاهرات التي عمّت البلاد منذ يوم الخميس الماضي، وشارك فيها مئات الآلاف، رفضاً لقرارات الحكومة فرض ضرائب جديدة في بلد يشهد أزمة اقتصاديّة خانقة.
يأتي ذلك في وقت أمهل فيه رئيس الوزراء سعد الحريري شركاءه في الحكومة مهلة 72 ساعة لدعم «الإصلاحات»، تنتهي مساء اليوم (الاثنين)، لكن المتظاهرين الّذين افترشوا الشوارع رفضوا الاستجابة لطلب المهلة محمّلين النخبة السياسية مسؤولية دفع الاقتصاد نحو الهاوية، رغم محاولات تهدئة غضب المحتجين، إذ شبه الحريري، العمل الجاري في بيت الوسط كـ«خلية نحل» لحل الأزمة، فيما أعلن وزير المال علي حسن خليل أن الموازنة النهائية «لا تتضمن أي ضرائب أو رسوم إضافية».
ولكن، في ظل استمرار الأوضاع المضطربة في البلاد، اختارت جمعية المصارف في لبنان أمس الأحد، الإعلان عن إبقاء أبواب المصارف مقفلة اليوم، مؤكدة أنّ «القطاع سيحرص على صون مصالح العملاء وتلبية حاجات الزبائن فور عودة الاستقرار»، وفق ما أكدت مصادر الجمعية لـ«الشرق الأوسط»، علما بأن هناك دعوات لإضراب عام في البلاد، يستمر إلى حين استقالة الحكومة. وقال وزير الاقتصاد السابق رائد خوري لـ«الشرق الأوسط» إنّ إعادة فتح أبواب المصارف وعودة الحياة الطبيعية إليها، مرهون بمدى الاستجابة لمطالب المتظاهرين المحقة. وبالتالي فإنّ احتمال إقفال المصارف لأيام مقبلة أمر وارد».
وأضاف خوري «هناك ضرورة لتفهم وجع الناس ومعاناتهم ويجب السعي من قبل الفرقاء السياسيين من أجل إجراء إصلاحات تكون على مستوى آمال وتطلعات اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «تداعيات المشهد في الساحة اللبنانية على القطاع المصرفي ستتبلور حتماً في الأيام المقبلة، وذلك يرتبط ببقاء الناس في الشارع أو قراره الخروج منه»، آملاً أنّ تستتب الأمور في الأيام المقبلة. وقالت جمعية المصارف اللبنانية في البيان الذي نقلته الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام: «مع استمرار التحركات الشعبية في أنحاء عدة من البلاد، وحرصا على أمن العملاء والموظفين وسلامتهم، ومن أجل إزالة آثار الأضرار التي أصابت بعض المراكز والفروع المصرفية، تعلن الجمعية أن أبواب المصارف ستبقى مقفلة يوم الاثنين». وأعربت عن أملها في أن «تستتب الأوضاع العامة سريعا في ضوء المساعي الحميدة والدؤوبة التي تبذلها مختلف السلطات لإشاعة الطمأنينة والاستقرار ولاستئناف الحياة الطبيعية في البلاد».
من جهته، ينفي الخبير المالي والاقتصادي غازي وزني في حديث مع «الشرق الأوسط» ما يتمّ تداوله عن ارتباط قرار إقفال المصارف بتهافت المودعين على سحب أموالهم، نتيجة ما آلت إليه الأمور في الأيام القلية الماضية، قائلاً إن « قرار الإقفال اتخذ لأسباب أمنية ليس أكثر أو أقل، وذلك بسبب الاحتجاجات في الشوارع، إذ تخاف المصارف من حدوث أي تعد عليها، من قبل المندسين الّذين يقومون بأعمال شغب خلال المظاهرات». مسألة أخرى، تحدث عنها وزني، وترتبط بمدى إمكانية توافر الأموال لدى البنوك في الصراف الآلي الـATM، إذ في طبيعة الحال «ستنفد هذه الأموال في حال استمرت البنوك في الإقفال خلال الأيام المقبلة»، الأمر الذي سينعكس بصورة، ولو غير مقصودة، على الناس الّذين يحتاجون لإجراء عمليات سحب أموال.
وإلى حين استئناف الحياة الطبيعية في البلاد، أكد وزني «عدم وجود أي تأثير للأوضاع الراهنة، ولا سيما لجهة استمرار إقفال المصارف أبوابها، على المصارف نفسها». ووفق ما يراه وزني فإنّه «ليس هناك مبرر لدى المودعين لسحب أموالهم من المصارف»، مؤكداً أنّ «التهافت عليها (أي المصارف) ضئيل جداً وغير مقلق ولن يكون هناك أي طوابير ولا سحوبات بحسب ما يحاول البعض ترويجه، بحجة تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد». وقال وزني: «بالمقابل لن يكون هناك أي تضييق من قبل المصارف على المودعين، إذ «في نهاية المطاف هناك استحقاقات ستلبيها الأولى، وهي لن تسعى لتغيير سياسة تثبيت سعر النقد التي يحددها مصرف لبنان». وأضاف وزني: «في حال تمّ التوافق على ورقة التفاهم السياسي، التي يجري الحديث عنها، وقرر المتظاهرون الانسحاب من الساحات، فإنّ سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في سوق الصيرفة سيعود كما قبل الأزمة، وفي حال لم يتم التوافق على الورقة سيرتفع سعر الدولار في سوق الصيرفة بسبب ارتفاع الطلب عليه».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».