كالزهور الجميلة في ازدهارها تتألق موهبة هؤلاء الفنانات الأربع (يسرا حفض، وكيندا عدلي، وغيداء أشرف، وسارة طنطاوي) اللاتي يضم أعمالهن الآن معرضٌ جماعي بغاليري «سفر خان» بالقاهرة، لا سيما أن «صدق التعبير الأنثوي» الذي تدور حوله أعمالهن يجسّد بدوره فكرة تعكس مشاركة المرأة المصرية وحضورها البارز في المجتمع على مر السنين.
من جهة أخرى، يأتي التقاء الفنانات الشابات في معرض واحد رمزاً ونموذجاً حياً لاستمرارية هذا الحضور، إذ إنهن يشكّلن معاً امتداداً للتشكيليات الرائدات في مصر منذ بدايات القرن العشرين، ومنهن جاذبية سري، وتحية حليم، وإنجي أفلاطون، وعفت ناجي، وغيرهن ممن شاركن الفنانين الرجال في وضع المشهد التشكيلي المصري في مكانه الصحيح من تاريخ الفن وعطائه في المنطقة.
في حديثها لـ«الشرق الأوسط» قالت شيرويت شافعي، مديرة غاليري «سفر خان»: «يضم المعرض أعمالاً تقدِّم فناً جميلا ًلافتاً تتراوح أفكاره ما بين القراءة المتعمقة للمرأة والقضايا المُلحّة في المجتمع، والعلاقات المتشابكة بين البشر، ورغم انتمائهن إلى مدارس واتجاهات مختلفة، فإنه يجمع بين أعمالهن نضج التناول، وبراعة التكنيك، والوعي بتغيرات العالم حولهن، وفي الوقت ذاته اللجوء إلى مفردات مستعارة من البيئة المصرية». وأوضحت: «أمام موهبتهن التي تتفتح اخترت للمعرض كلمة (ازدهار) عنواناً له».
«جوهر الأنوثة» هو العنوان الدقيق الذي يمكن أن تطلقه على أعمال يسرا، التي استوحت فكرتها من الربط بين المرأة والبحر، وإذا كنت قد قُدِّر لك أن تعيش طويلاً في مسكن يطل مباشرةً على البحر فإنك حتماً ستتفاعل سريعاً مع هذا التناول، إذ تلتقي في لوحاتها مع امرأة تتشابه مع البحر في هدوئه وثورته، ووضوحه وغموضه، واستقراره وتقلبه. فهي ترى دوماً أن البحر عند الناس غامض ويُخفي أسراراً وحكايات لا تنتهي، وهكذا هي المرأة أيضاً. ومثلما يُعد البحر بريئاً من الربط بين الغموض وتوجيه الاتهام إليه بـ«الغدر» في الذاكرة الشعبية المتوارثة لدى الكثير من المصريين، فإن غموض المرأة لدى يسرا لا صلة له أيضاً بأي أفكار عن «كيد النساء» أو النيات الخبيثة، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط»: «غموض المرأة جزء من مفردات جمالها».
ومن هنا فإن المتلقي الرجل حين يراقب نساء يسرا في اللوحات يجدهن ساحرات وجذابات ليس بجمالهن الأخّاذ في المقام الأول، وإنما بغموضهن وبأحاديثهن الخفية التي يقمن بتبادلها، فيبقى مشدوهاً محاولاً التلصص عليهن ومعرفة مشاعرهن وحكاياتهن، بينما ترى المرأة نفسها جزءاً من اللوحة -أو بمعنى أدق إحدى شخصياتها- إذ نجحت الفنانة ببساطة أن تدلف إلى جوهر الأنوثة لتعبر عن المرأة في كل مكان وزمان بعيداً عن ثقافة ما أو حضارة بعينها أو حقبة زمنية مقصودة.
تأثرت يسرا بالحضارة المصرية القديمة التي تحيط بها في كل مكان، حيث تقيم في مدينة الأقصر (جنوب مصر)، فجاءت شخصيات لوحاتها تشبه الملكات الفرعونية في شموخهن وقوتهن، والأكثر من ذلك تمتعهن بدقة تشريحية مفرطة في اللوحات كأنهن منحوتات أو تماثيل فرعونية، وليست شخصيات مرسومة على مسطح، وساعدها على ذلك براعتها الفائقة في استخدام الضوء وتوظيفه وتوزيعه، فجاءت مناطق فاتحة وأخرى غامقة ما يؤدي إلى ظهور الشخصيات بشكل مجسم.
ومن الأنوثة الغامضة إلى الأنوثة الضائعة بين الأحلام والإخفاقات والآلام ما تجسدها الفنانة الشابة سارة طنطاوي، التي تخرجت في كلية الفنون الجميلة عام 2017، وربما تصل المرأة إلى ذروة الافتقار للاتزان في لوحتها «الدعسوقة - ladybug» التي حاولت فيها التعبير عن هذا الإحساس من خلال امرأة تلقي بجسدها الثقيل المحمل بالهموم على عود من نبات الصبار مرتكزةً في ذلك على أطراف أصابعها، مستعيرةً وضع جسدها من الدعسوقة التي تعيش دوماً في جماعات حتى تشعر بالأمان والدفء والاستقرار، «في رمز إلى الاحتياج الدائم من المرأة إلى الشعور ذاته» حسب تعبير سارة.
وترى كيندا عدلي أن مشاركتها في المعرض تمثل لها علامة مهمة في مسيرتها الفنية: «لأن لوحاتي تُعرض إلى جانب فنانات موهوبات». تعيش كيندا بين مصر وسويسرا، ولذلك تسكن لوحاتها ذات الاتجاه التجريدي شغب زحام المدينة وزخمهـا من جهة، وهـدوء الطبيعة وجمالهـا الآسر من جهة أخرى، ويستوقفك المزج المتقن بين الطبيعة والأشكال الهـندسية والخطوط، في حركة ناعمة ومحسوسة.
إلى ذلك، تنطلق أعمال الفنانة السكندرية الكيمائية غيداء أشرف، في المعرض، من اهتمامها بما لا نهاية له، تأثراً بنشأتها في بيت ذي طراز معماري مميز يطل على البحر الممتد «كنت أتأمله وأتساءل: من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟».
«ازدهار»... رؤى تشكيلية مصرية تُبرز غموض الأنوثة وإخفاقاتها
«ازدهار»... رؤى تشكيلية مصرية تُبرز غموض الأنوثة وإخفاقاتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة