هجومان متزامنان ضد الجيش في بوركينا فاسو

TT

هجومان متزامنان ضد الجيش في بوركينا فاسو

شن مسلحون مجهولون هجومين متزامنين، في شمال دولة بوركينا فاسو، أسفرا عن مقتل 5 عسكريين وإصابة 11، ما يعمق جراح جيش هذا البلد الفقير الواقع في قلب القارة الأفريقية، والذي يتعرض لهجمات إرهابية متصاعدة منذ 2015، تشنها جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، وتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى».
وأصدرت قيادة أركان الجيش في بوركينا فاسو، أمس، بياناً أكدت فيه وقوع الهجومين، وقالت إنهما وقعا في وقت مبكر من فجر أول من أمس، وأضافت: «عند نحو الساعة الثالثة فجراً، كانت المفرزتان العسكريتان في مدينة باهن (مقاطعة لوروم) ومدينة يينسيه (مقاطعة ياتينغا) هدفاً لهجمات إرهابية في الوقت نفسه تقريباً».
وأثنت قيادة أركان الجيش على شجاعة الجنود الذين قالت إنهم تصدوا بقوة للمهاجمين، ونجحوا في صدهم وإرغامهم على الانسحاب، مع وصول تعزيزات عسكرية إلى مكان الهجوم، قبل أن تضيف قيادة الجيش: «للأسف كلَّفنا هذان الهجومان أرواح خمسة من أفراد المفرزتين، بينهم شرطي، بينما أصيب أحد عشر عسكرياً بجروح».
ولم توضح قيادة أركان الجيش في بوركينا فاسو إن كانت قد وقعت خسائر في صفوف منفذي الهجوم، بينما كانت أضرار مادية وبشرية كبيرة قد لحقت بالمفرزة العسكرية التي تقع في مدينة يينسيه، وفق ما أكد مصدر أمني فضل حجب هويته، خلال حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية.
وتواجه بوركينا فاسو، المستعمرة الفرنسية السابقة، منذ بداية 2015، هجمات إرهابية متصاعدة، تتركز بشكل أساسي في مناطق من شمال وشرق البلاد، غير بعيد من الحدود مع مالي والنيجر، وهي الهجمات التي تشير الإحصائيات إلى أنها أوقعت أكثر من 600 قتيل، وأكثر من نصف مليون نازح، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إن بوركينا فاسو تواجه «أزمة إنسانية» خانقة، تؤثر على حياة 1.5 مليون من سكان البلد الأفريقي الفقير، بسبب تصاعد الهجمات الإرهابية التي أرغمت كثيراً من سكان القرى الصغيرة على مغادرتها، وترك مواشيهم ومزارعهم، بينما أغلق الإرهابيون كثيراً من المدارس في قرى الشمال.
وتستهدف الجماعات الإرهابية في هجماتها الثكنات العسكرية وعناصر الجيش، وكان أكثر هجوم دموية ذلك الذي وقع شهر أغسطس (آب) الماضي، وأسفر عن مقتل 24 من عناصر الجيش، ولكن الإرهابيين يستهدفون أيضاً المدنيين، مسيحيين ومسلمين؛ حيث قتلوا الأسبوع الماضي 16 مدنياً في هجوم استهدف أحد المساجد في شمال البلاد.
ويبدو الجيش وقوات الأمن في بوركينا فاسو عاجزين عن وقف الاعتداءات، بينما بات التهديد الذي كان يتركز في الشمال يطال مناطق أخرى كثيرة في شرق البلاد وغربها، ما دفع السلطات إلى تمديد حالة الطوارئ السارية في معظم مناطق البلاد، منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتنص حالة الطوارئ على منح صلاحيات إضافية لقوات الأمن، بينها عمليات دهم للمساكن في أي وقت من النهار أو الليل.
وتنخرط بوركينا فاسو في مجموعة دول الساحل الخمس، وهي مبادرة أطلقتها دول الساحل (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو) لمواجهة خطر الإرهاب الذي يجتاح المنطقة، وذلك عبر مقاربات أمنية وعسكرية وفكرية، ولكن هذه المقاربات لا تزال عاجزة عن الحد من الهجمات الإرهابية.
ففي دولة مالي لا تزال الهجمات الإرهابية تقع بشكل شبه يومي، وهي الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام الأممية، البالغ قوامها 15 ألف جندي، كما تستهدف الجنود الفرنسيين في عملية «برخان» البالغ عددهم 4500 جندي، هذا بالإضافة إلى عناصر الجيش المالي وقوات الأمن.
في غضون ذلك، تسعى دول الساحل الخمس إلى الاعتماد على قوة عسكرية مشتركة من أجل محاربة الإرهاب، يصل قوامها في المرحلة الأولى إلى 5 آلاف جندي، ولكن هذه القوة لا تزال تعاني من مشكلات في التمويل والتجهيز والتدريب، مع أنها استأنفت عملياتها على الأرض مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، على الحدود بين النيجر وتشاد، وتمكنت من العثور على مخبأ أسلحة كبير، واعتقال بعض المهربين القادمين من جنوب ليبيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟