الإعلام الأميركي و«داعش»: نعم في العراق.. وربما في سوريا

بينما سار الإعلام الأميركي على خطى الشعب الأميركي متحمسا لقرار الرئيس باراك أوباما بضرب تنظيم داعش في العراق (ما بين 70 و80 في المائة من الأميركيين أيدوا، حسب استطلاعات صحافية)، يبدو أنه يتردد في قرار أوباما بضرب «داعش» في سوريا. ربما لأن تأييد الأميركيين لضرب سوريا أقل من تأييدهم لضرب العراق.
في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «هافنغتون بوست» نتيجة استطلاع أكد ذلك. رغم أن نسبة الفارق قليلة. في العام الماضي، كانت نسبة 20 في المائة من الأميركيين أيدت، في استطلاع أجرته نفس الصحيفة، ضرب سوريا. كان ذلك وقت تردد أوباما: هل يضرب أم لا يضرب. وكان الموضوع عن تدمير أسلحة سوريا الكيماوية. (لم يكن عن ضرب «داعش»، التي لم تكن توسعت كما توسعت الآن. ولم يكن عن تأييد المعارضة العسكرية السورية، التي كانت تريد من أوباما أن يضرب قوات الرئيس السوري بشار الأسد).
في العام الماضي، أيدت ضرب سوريا نسبة 20 في المائة، وعارضته نسبة 60 في المائة. هذه المرة، حصل العكس. ويبدو أن السبب هو نفس سبب ضرب «داعش» في العراق: فزع الأميركيون، وخوفهم، وغضبهم، لذبح «داعش» صحافيين أميركيين. ويبدو أن سبب الفارق بين العراق وسوريا هو قلق على ضرب دولة عربية، أو إسلامية، جديدة، لم تضربها أميركا في الماضي (في سلسلة الحروب ضد الإرهاب).
ولهذا، جاءت تغطية الإعلام الأميركي لضرب سوريا مختلفة قليلا. ولهذا، كان عنوان كلمة «لوس أنجليس تايمز» هو: «ضرب دولة مسلمة جديدة» (إشارة إلى ضرب: أفغانستان، العراق، اليمن، الصومال). وجاءت التغطية مختلفة، أيضا، لأنه، كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، كانت الهجمات الجوية على «داعش» في سوريا مفاجئة، وأكثر كثافة، وأوسع مدى، من تلك التي على «داعش» في العراق. في كل الحالات، هل يتأثر الإعلام الأميركي بآراء الشعب الأميركي؟ أم هل يتأثر الشعب الأميركي بآراء الصحافيين (والسياسيين، والخبراء)؟ سألت مجلة «نيشن» الليبرالية هذا السؤال في وقت سابق. ولاحظت أن الإجابات تختلف حسب الموضوع:
في جانب، إذا الموضوع داخلي، وله علاقة بالحرية والمساواة، تقود النخبة الشعب. مثلا: زواج المثليين، التفرقة ضد الزنوج، التسامح مع المهاجرين غير القانونيين. في الجانب الآخر، إذا الموضوع خارجي، خاصة في مواجهة «الأعداء»، يقود الشعب النخبة، ولكن اعتمادا على خطب السياسيين، وإثارات الصحافيين. وذلك لأن الشعب الأميركي، مثل كل الشعوب، لا يتابع تفاصيل العلاقات الخارجية. لكنه، ينفعل (ويخاف) إذا سمع أن هناك «أعداء» يهددون الوطن. ومنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، صار «الإرهابيون» هم «الأعداء». ومنذ ظهور «داعش»، صارت «العدو الذي يذبح الأميركيين».
ومثل تأييد ضرب «داعش» في العراق، هرع صحافيون منحازون ضد العرب (ومؤيدون لإسرائيل)، وأيدوا ضرب «داعش» في سوريا. مثل:
أولا: جفري غولدبيرغ، في مجلة «أتلانتيك».
ثانيا: نيكولاس كريستوف، في صحيفة «نيويورك تايمز».
ثالثا: ليون ويسلتير، في مجلة «نيوريبابليك».
لكن، اقترح آخرون، وسط النخبة، وخاصة وسط أساتذة الجامعات والخبراء الليبراليين (في آراء كتبوها في صحف أميركية) التأني. مثل:
أولا: فيجاي براشاد، أستاذ في كلية: ترينيتي» المسيحية (ولاية كونيتيكت). قال إن الولايات المتحدة يمكن أن «تحث حلفاءها لتصور استراتيجية إقليمية لنزع فتيل الحرب في سوريا.. ».
ثانيا: فيليس بنيس، خبير في معهد دراسات السياسة (إي بي إس) في واشنطن. اقترح أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب «دورا بناء» بتأسيس حظر أسلحة شامل، وبالضغط على حلفائها العرب «لوقف تسليح وتمويل المتطرفين والمقاتلين الآخرين».
لكن، مثل استطلاعات الشعب الأميركي، تظل صيحات التأني والتعقل صيحات الأقلية. وتظل صيحات القتل الأكثر. مثل ويسلتير، السابق الذكر: قال إن الضربات الجوية الغربية «ستفيد الناس في المنطقة، وتريحهم من (داعش)».
وهكذا، يظل الصقور في الإعلام الأميركي يفضلون أي عمل عسكري، حتى يصل هذا العمل مرحلة أن يكلف كثيرا: مالا، وناسا. يركزون على حقوق الإنسان، وبالتالي يزيدون المشاعر المؤيدة للحرب، في أميركا، وفي بقية الدول الغربية. وبالتالي، يشجعون الشعوب الغربية للضغط على حكوماتهم لاتخاذ سياسات القتل. ولأن القتل من السماء هذه المرة، يزيد التشجيع، ويزيد القتل.