دعوات مراجعة تقارير «حرب غزة» تجدّد نقاش معايير الإعلام

وجهها أكثر من 50 أستاذاً وباحثاً أميركياً في مجال الصحافة

مبان مدمرة بعد القصف الإسرائيلي (أ ف ب)
مبان مدمرة بعد القصف الإسرائيلي (أ ف ب)
TT

دعوات مراجعة تقارير «حرب غزة» تجدّد نقاش معايير الإعلام

مبان مدمرة بعد القصف الإسرائيلي (أ ف ب)
مبان مدمرة بعد القصف الإسرائيلي (أ ف ب)

على الرغم من تجاوز الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثامن من دون توقف، يستمر الكلام الحديث عن المعايير المهنية للإعلام في تغطية الأزمات، لا سيما حرب غزة، وسط اتهامات متكررة للمؤسسات الغربية بـ«انتهاك تلك المعايير، وعدم التزامها بالدقة والحياد في التغطية».

وكان الجدل قد تجدد، أخيراً، بشأن «انحياز» الإعلام الغربي للرواية الإسرائيلية في تغطية «حرب غزة»، عقب دعوة وجهها أكثر من 50 أستاذاً وباحثاً في مجال الصحافة في جامعات أميركية بارزة عدة، طالبوا خلالها صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية بإجراء مراجعة خارجية شاملة للقصة الاستقصائية التي نشرتها الصحيفة في وقت سابق على صفحتها الأولى، والتي زعمت حدوث «عنف جنسي» ارتكبه مقاتلو حركة «حماس» خلال هجومهم على غلاف قطاع غزة إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

جيفري غيتلمان (النيويورك تايمز)

الأكاديميون الموقّعون على الدعوة، ينتمون إلى جامعات مرموقة، بينها جامعات نيويورك NYU، وبنسلفانيا، ونورثوسترن، وتكساس -أوستن، ولقد طالبوا الصحيفة بـ«تكليف مجموعة من خبراء الصحافة إجراء تلك المراجعة الشاملة والمستقلة للقصة، وإصدار تقرير بالنتائج». وهذا الأمر، عدّه خبراء تواصلت معهم «الشرق الأوسط» بمثابة إعادة إحياء لمفهوم رقابة المواطن على أداء المؤسسات الإعلامية، داعين إلى «تكاتف إعلامي عربي لمواجهة الرواية الإسرائيلية بشأن حرب غزة».

يُذكر أن «النيويورك تايمز» كانت قد نشرت خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحقيقاً مطوّلاً بعنوان «صرخات بلا كلمات: العنف الجنسي في 7 أكتوبر»، أعدّه المراسل الدولي جيفري غيتلمان واثنان من الصحافيين المستقلين، وزعم، بشيء من التفصيل، حدوث اعتداءات جنسية ألصقها بـ«حماس» خلال هجوم السابع من أكتوبر. ولكن المزاعم جوبهت بتساؤلات وشكوك حول دقتها أو صحتها، لا سيما مع نفي عائلة إحدى الضحايا «تعرّضها للاغتصاب»، إضافة إلى «تناقضات» قدمها أحد الشهود في تحقيق الصحيفة. من جهة ثانية، وفق صحيفة أميركية ثانية، هي «الواشنطن بوست»، أرسل الأكاديميون الخمسون رسالة إلى ناشر «النيويورك تايمز»، وأضافت أن «الرسالة جاءت بعد أشهر من الانتقادات وإثارة القلق، حتى بين فريق النيويورك تايمز نفسه، بشأن صدقية مصادر الصحيفة وعملية تحرير ذلك التحقيق». ونقلت «الواشنطن بوست» عن ناطقة باسم «النيويورك تايمز»، قولها إن «الصحيفة راجعت العمل الذي أُنجز بشأن تلك القطعة الصحافية، وكان هناك رضا بشأن وفائها بالمعايير التحريرية». ولكن، بحسب رسالة الأكاديميين الأميركيين، «تستحيل كتابة مسوّدات دقيقة تماماً للتاريخ في الوقت الفعلي... وبالتالي، يتوجب على المؤسسات الإعلامية أن تكون على استعداد لمراجعة عملها».

والرسالة ذكرت أيضاً أنه «سبق أن اعتمدت النيويورك تايمز وصحف عدة أخرى طريقة المراجعة ذاتها التي يطالب بها الأكاديميون». ولفتت إلى أنه في عام 2004 استعرضت «النيويورك تايمز» تغطيتها للفترة التي سبقت غزو العراق، واعترفت في مذكرة للقراء بأن صحافييها «حدّدوا قصصاً إشكالية استندت إلى روايات مصادر عراقية أصبحت مصداقيتها موضع نقاش عام متزايد».

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال خالد القضاة، عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، معلقاً على خطوة الأكاديميين الأميركيين، «إنها خطوة مهمة، وعلى الصحافة أن تعي أن هناك رقابة من القراء تسهم في تقويمها، وتمنع انفلاتها، وتناشدها تعديل أو حذف محتوى لا يتماشى مع المعايير المهنية»، مضيفاً أن «القراء قادرون على مقاطعة الصحف ومحاسبتها إن أخطأت».

وتابع القضاة أن «أي جهد حقيقي يمارس في الفضاء المفتوح قادر على كشف زيف ما سبق تداوله بشأن الحرب في قطاع غزة من جانب الإعلام الغربي». ومن ثم «هناك ضرورة لمراجعة ما نُشر في هذا الشأن، ومخاطبة الجهات المعنية لتعديله والتدقيق في المعلومات... كون ما ينشر يبقى مسجلاً ومحفوظاً على الشبكة العنكبوتية للأجيال المقبلة، لذا من المهم أن يكون دقيقاً منعاً لتزييف التاريخ».

ومن ناحية ثانية، شدّد القضاة على «ضرورة أن تعمد المؤسسات الإعلامية إلى مراجعة ما كتبته وتدقيقه، والانحياز إلى الفئات المهمشة»، معرباً عن أمله في أن «يمتد حراك الأكاديميين الأميركيين إلى الجامعات العربية لحصر التقارير المسيئة عن الحرب في غزة، ودعوة وسائل الإعلام لتعديلها التزاماً بالمعايير المهنية».

وللتذكير أثار الأكاديميون الأميركيون في رسالتهم «مخاوف بشأن ترتيبات إعداد مثل تلك التقارير»، مشيرين إلى «تعليق أدلى به مراسل التايمز، غيتلمان في مقابلة بعد نشر تحقيق الاعتداء الجنسي، رفض خلالها استخدام كلمة (دليل) لوصف تفاصيل معي في التحقيق لأن الكلمة تشير إلى محاولة إثبات ادعاء أو قضية في المحكمة». وقال الأكاديميون في رسالتهم «تتناقض هذه اللغة بشكل صارخ مع القصة نفسها التي تستخدم كلمة (دليل) في العنوان الفرعي»، في إشارة إلى المعلومات نفسها التي كان غيتلمان يناقشها على ما يبدو في المقابلة.

وجاء في الرسالة أنه «في مارس (آذار) الماضي، ذكرت النيويورك تايمز أن أدلة الفيديو الجديدة تقوّض بعض التفاصيل في تحقيقها الأولي، لكنها لم تُصدِر تصحيحاً أو تراجعاً عن القصة المنشورة في ديسمبر»، ما عدّه الأكاديميون «قراراً غير مألوف». ومن جانبها نقلت «الواشنطن بوست» عن الأستاذ في جامعة ريتشموند، شاهان مفتي، أن «الظروف غير العادية تتطلب استجابة من أساتذة الصحافة... فنحن في تعليم الصحافة لا نهدف عادة إلى تعليم العاملين في المهنة كيفية القيام بعملهم». ولفت مفتي إلى «أن النيويورك تايمز غالباً ما تضع معايير المعايير الصحافية في أميركا، وإذا بدأت في خفض المعايير الأخلاقية، فيمكنك التأكد من أن الآخرين سيفعلون ذلك أيضاً».

وحول الموضوع نفسه، قال الإعلامي الكويتي وأمين عام «الملتقى الإعلامي العربي» ماضي الخميس، إنه «لا توجد معايير ثابتة وواضحة في الإعلام الآن». وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه «لا يوجد حياد إعلامي... فالإعلام العربي يتعامل بعاطفية مع قضايا المنطقة خصوصاً فلسطين، في حين تحكم المصالح الإعلام الغربي، ولقد بدا واضحاً في حرب غزة حجم مصالح الإعلام الغربي مع إسرائيل».

أيضاً، لفت الخميس إلى «مناقشة الروايات المضللة التي نقلها الإعلام الغربي عن حرب غزة خلال الملتقى الإعلامي العربي الماضي». وقال إن «المشكلة تكمن في اعتماد الإعلام العربي على الخطاب العاطفي، وعدم إيصال صوته إلى الخارج، في حين تتواصل إسرائيل بفاعلية مع الإعلام الغربي الذي يعتمد على تل أبيب بشكل أساسي مصدراً للمعلومات». وأكد الإعلامي الكويتي من ثم على «ضرورة العمل إلى إيصال الصوت العربي للغرب والصين وأفريقيا، وتوفير معلومات كافية بلغات مختلفة لدحض الرواية الإسرائيلية المغلوطة»، كما لفت إلى «تبني الأصوات العربية المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسهم في نشر الرواية العربية والدفاع عنها»، إلى جانب «تكاتف وتكامل الإعلام العربي، والعمل معاً في مواجهة منظومة الأكاذيب الإسرائيلية».



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحد من «المعلومات المضللة»؟

شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحد من «المعلومات المضللة»؟

شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحد من انتشار «المعلومات المضللة». يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مررتها المنصة الأشهر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة رغم تقييد الإعلانات.

وأعلنت «فيسبوك» نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» «غير متمرسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، الدكتور حسن مصطفى، عدّ قرار «ميتا» «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «(ميتا) تخشى من الاتهام بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع خلال الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما أنه تم اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحد من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال (المعلومات المضللة) تحدياً قائماً رغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار (الأخبار الكاذبة)». وعدّد دور الشركة في هذا الصدد بقوله: «قامت (ميتا) بتعزيز التعاون مع جهات خارجية للتحقق من صحة الأخبار؛ حيث تعتمد الشركة على منظمة (FactCheck) وشبكات من المؤسسات المستقلة للتحقق من الأخبار التي يتم تداولها عبر المنصة».

واستشهد أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»، «حيث تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرف على بعض الأنماط المتكررة للمحتوى المسيء وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر». غير أنه عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، وأشار إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة أو فهم السياقات الثقافية المعقدة، ما يجعل من الصعب وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص (خطاب الكراهية)».

وكانت المنظمة الدولية «جلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرة على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضللة الضارة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنة بمنصة مثل «تيك توك»، غير أن التقرير لم ينفِ التورط في نشر «معلومات مضللة» رغم القيود، وذكر التقرير أن «(فيسبوك) وافق على واحد من بين ثمانية إعلانات اختبرت بهم المنظمة قيود المنصة للحد من (المعلومات المضللة)»، ما عدّته المنظمة «تحسناً ملحوظاً مقارنة بأداء المنصة السابق»، ومع ذلك قالت إن هذا التحسن لا يزال غير كافٍ.

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية» إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، خالد عبد الراضي، علّق على قرار «ميتا»، بالقول إننا بصدد محاولات عدها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهي مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادة في الحد من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدية من خلال تقييد أي منشور موجه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضللاً وزائفاً تمت صناعته بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي لـ«الشرق الأوسط» أن «(ميتا) لم تقم بفرض قيود على الإعلانات بشكل عام، بينما على نوع واحد فقط، وهي الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام». ودلل كذلك على عدم جدية «ميتا»، بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادة من بينها توظيف (فرق السلامة) والمعنية بمراجعة النصوص للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن هذه (الفرق) تم (إنهاء عملها) لاحقاً، ما يشير إلى عدم جدية ادعاءات المنصة».