يبدو أن البريق قد غاب عن «الأيام الدافئة» لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وبدأت سحب الغموض تُلقي بظلالها على فرصته في أن يعيد تشكيل حكومة أغلبية عقب الانتخابات المقررة في البلاد، غداً (الاثنين).
ويعمل ترودو الذي تطارده الفضائح، وزلّات سياسية باهظة التكلفة، من أجل الاحتفاظ، ولو على الأقل، ببعض المكاسب التي حققها الليبراليون عندما وصلوا إلى سدة الحكم قبل نحو أربع سنوات. وقد تقاربت فرص الفوز بالانتخابات الاتحادية بين «الحزب الليبرالي الكندي» بزعامة ترودو، وحزب المحافظين بزعامة آندرو شير. لم يكن من المتوقع أن تصل الأمور لهذه الدرجة من التقارب: فكندا، رغم كل شيء، تملك اقتصاداً مزدهراً، والدخل في ازدياد، وقد هوت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
وعندما أطلق ترودو حملته الانتخابية الرسمية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، توقع معظم المحللين أن يحصل الليبراليون على أغلبية مقاعد مجلس النواب، التي تصل إجمالاً إلى 338 مقعداً، رغم تقدم المحافظين عليهم بشكل ضئيل.
وأظهرت استطلاعات الرأي أنه ليس من المتوقَّع فوز أي من الحزبين، الليبرالي أو المحافظين، بما يكفي من مقاعد في مجلس العموم تمكّنه من تشكيل حكومة أغلبية، وهو ما أثار تكهنات بشأن إمكانية تشكيل ائتلاف حاكم يضم «الحزب الليبرالي» و«الحزب الديمقراطي الجديد»، في حين يلعب الحزب الانفصالي «الكتلة الكيبيكية» (كتلة كيبيكويس) دور صانع الملوك.
ولا يزال الحزب الليبرالي والحزب المحافظ يتنافسان مع أكثر من 30 في المائة بقليل من نيات التصويت لكل منهما. وهذه النسب غير كافية كي يفوز أحدهما بالغالبية المطلقة في المجلس التشريعي.
ويفاقم من حالة الغموض العودة المفاجئة لـ«الحزب الديمقراطي الجديد» بزعامة جاجميت سينغ، وحزب «الكتلة الكيبيكية» الذي يطرح مرشحين فقط في إقليم «كيبيك» الذي يتحدث سكانه الفرنسية.
ويأتي الحزب الديمقراطي الجديد (يسار) في المرتبة الثالثة. وقد تقدّم بشكل كبير في استطلاعات الرأي (18 في المائة) لا سيما بفضل أداء زعيمه جاغميت سينغ في المناظرات، وقد يتمكن من جذب الجناح اليساري من ناخبي ترودو. ويمكن أن يفرض الحزب نفوذه في المستقبل، في حال تشكيل حكومة أقلية.
وأوضح المحلل السياسي في جامعة كيبيك بمونتريال، هيوغو سير، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «على مستوى الدستور، هذه ليست القاعدة. لا ننتخب رئيساً للوزراء، ننتخب نائباً»، معرباً عن خشية المحافظين «من عدم قدرتهم على تشكيل تحالف»، إذا انتخبوا ضمن أقلية المقاعد في البرلمان... وهذا الاحتمال تحديداً يثير قلق أندرو شير. فقد أشار الزعيم المحافظ الجمعة إلى التهديد الذي يشكله ائتلاف حكومي بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد قد يسمح لترودو بالبقاء في السلطة، وذلك حتى لو لم يحصل حزبه على أكبر عدد من المقاعد، مساء غدٍ (الاثنين). وقال شير: «لدى الكنديين ما يثير القلق». وقارن بين «ائتلاف بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد، ما سيخلق عجزاً ضخماً ويرفع الضرائب، وبين حكومة أكثرية محافظة ستدعم قطاع الطاقة (...)، وتحقق توازناً في الميزانية بشكل مسؤول وتخفّض الضرائب».
ولتبرير كلامه، قدّم أرقاماً لزيادة الضرائب يزعم أن أخصامه يريدون فرضها، لكنها ليست موجودة في برنامج الحزب الليبرالي. وصرّح ترودو: «هذه التصريحات خاطئة تماماً. من المؤسف أن المحافظين لا يكفّون عن اختلاق أمور ضدنا». ونفى زعيم الحزب الديمقراطي الجديد الذي يستبعد أي تحالف مع المحافظين، هذه المعلومات أيضاً. وقال سينغ: «شير يختلق أموراً لأنه يائس».
والأربعاء، اتهم رئيس الوزراء المنتهية ولايته خصومه المحافظين بـ«القيام بواحدة من أقذر الحملات» في تاريخ البلاد عبر نشر الأخبار المضللة، خصوصاً عبر الإنترنت. ومنذ بضعة أيام، أُرغم ترودو على ارتداء سترة مضادة للرصاص في أحد التجمعات الانتخابية بعد تلقيه تهديدات. ويعود ذلك لحقيقة أن غالبية التأييد الذي يحظى به «الحزب الليبرالي» يتركز في مقاطعات أونتاريو وكيبيك وأتلانيك، وهي مقاطعات تتمتع بعدد أكبر من المقاعد في البرلمان، مقارنة بكندا الغربية، أو مقاطعات غرب البلاد، حيث يتركز مؤيدو «حزب المحافظين».
وبدت توقعات المحللين حقيقية، وكان هناك حراك بسيط في استطلاعات الرأي، حتى في أعقاب الكشف عن فضحية ارتداء ترودو «قناعاً بني اللون» عندما كان مدرسا شابا بإحدى المدارس الخاصة. ووضع ترودو المساحيق الداكنة على وجهه، في مناسبتين، على الأقل، في شبابه.
وكانت مجلة «تايم» الأميركية نشرت، الشهر الماضي، صورة تعود لعام 2001 عندما كان ترودو يبلغ من العمر 29 عاماً، حيث كان يرتدي عمامة وجلباباً وقد وضع المساحيق الداكنة على وجهه، أثناء مشاركته في حفل، وكان ذلك زي «علاء الدين» في «ألف ليلة وليلة».
وبدأ اتجاه استطلاعات الرأي يشهد تحولاً في أعقاب الأداء الفاتر لترودو في المناظرات التلفزيونية التي تمت باللغتين الإنجليزية والفرنسية، مقابل الأداء القوي من زعيمي «الحزب الديمقراطي الجديد» سينغ، و«الكتلة الكيبيكية» يفيز فرنسوا بلانشيت. وقالت شانتال هيربرت، المعلقة السياسية الشهيرة لدى صحيفة «تورونتو ستار»، إن معاودة «الكتلة الكيبيكية» الظهور أمر يتعلق بـ«الاستعداد لمواجهة متاعب وشيكة في كيبيك، ردّاً على أنباء سيئة من خارج الإقليم، أكثر مما يتعلق بصحوة حركة سيادية من سبات».
ويواجه ترودو الذي جعل مكافحة التغير المناخي في القلب من برنامج «الحزب الليبرالي»، هجمات من كل حدب وصوب، بسبب نهج تناوله لقضية الفساد الخاصة بعملاق صناعة التشييد الكندية، شركة «إس إن جي لافالين»، وخطته لفرض ضرائب على الانبعاثات الكربونية، وقراره شراء مشروع خط أنابيب لنقل النفط، المثير للجدل.
وفي جهة اليمين، يقول المحافظون إن ترودو فقد السلطة الأخلاقية اللازمة لحكم كندا، بعدما تردد عن تدخله في القضية الجنائية الخاصة بشركة «إس إن سي لافالين»، وقد تعهدوا بالعمل على إلغاء الضريبة على الانبعاثات الكربونية. وتواجه هذه الضريبة معارضة شديدة من حكومات حزب المحافظين في مقاطعات ألبرتا ومانتوبا وأونتاريو.
ورد الليبراليون بهجمات انتقامية ضد شير، وهو كاثوليكي روماني متدين، وحاولوا رسم صورة لزعيم المحافظين تظهره معارضاً لحقوق المثليين، وللحق في الإجهاض. ويخوض شير الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، الانتخابات استناداً إلى برنامج تعهد فيه بخفض الضرائب على الطبقة الوسطى ومكافحة التغير المناخي «عبر الابتكار، وليس بفرض الضرائب».
وفي جهة اليسار، أدان «الحزب الديمقراطي الجديد» و«حزب الخضر» قرار رئيس الوزراء شراء «خط أنابيب ترانس ماونتن»، الذي ينقل النفط من الرمال النفطية في مقاطعة ألبرتا إلى منشآت بموانئ مقاطعة «بريتيش كولومبيا» على ساحل المحيط الهادئ، أقصى غرب البلاد. ويرى الحزبان أن خطة الليبراليين لمكافحة المناخ لا تتسم بالطموح الكافي لكي تتمكن البلاد من الوفاء بالتزاماتها وفقاً لاتفاق باريس للمناخ الموقع في عام 2015. ورد ترودو بالقول إن خطته لمكافحة المناخ «قابلة للتنفيذ وطموحة»، وهي السبيل الوحيد الذي يوازن بين الحاجة إلى مكافحة الاحتباس الحراري وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
> كندا بالأرقام
- نسبة الكنديين الذين يتحدثون باللغة الفرنسية، بحسب إحصاء أجري عام 2016 تصل إلى 87 في المائة في كيبيك، المقاطعة الوحيدة التي تضمّ أكثرية من الناطقين بالفرنسية.
- يستخدم نحو 74 في المائة من الكنديين اللغة الإنجليزية.
- أما النسبة المتبقية وهي نحو 3 في المائة من الكنديين فهم لا يستخدمون أياً من هاتين اللغتين الرسميتين إنما إحدى لغات السكان الأصليين السبعين أو واحدة من أكثر من مائتي لغة يستخدمها المهاجرون.
- طول الحدود بين كندا والولايات المتحدة التي أقيمت بعد حرب الاستقلال الأميركي تعتبر أطول حدود برية بين دولتين في العالم.
- عدد السكان في كل كيلومتر مربع عام 2018 يعتبر من أضعف معدلات الكثافة السكانية في العالم، بحسب البنك الدولي. ويعيش ثلثا السكان البالغ عددهم نحو 37 مليوناً على بعد أقل من مائة كيلومتر من الحدود الكندية الأميركية. أما الآخرون فيعيشون في منطقة البحيرات الكبرى ونهر سان لوران وعلى طول سواحل المحيطين الأطلسي والهادئ.
- عدد الإسكيمو الذين يعيشون في كندا ومعظمهم في إقليم نونافوت ارتفع بنسبة 29.1 في المائة خلال عشر سنوات.
- ترتفع درجات الحرارة في كندا مرتين أكثر من سائر دول العالم، بحسب تقرير أصدرته الحكومة في أبريل (نيسان).
- مرتبة كندا في تصنيف الدول المنتجة للمواد المعدّلة وراثياً. تسجّل كندا 7 في المائة من الإنتاج العالمي مع 12.7 مليون هكتار من الأراضي المزروعة، بحسب منظمة «فيجيلانس أو جي إم» غير الحكومية.
- ثاني أكبر منتج لليورانيوم عالمياً بعد كازاخستان؛ يتمّ تصدير 85 في المائة من هذا الإنتاج إلى الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. ولدى البلاد موارد مهمة أخرى مثل النفط والبوتاسيوم والغاز الصخري والذهب.
- إحدى الدول ذات أعلى نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة لكل شخص، في العالم، بحسب وزارة البيئة. - في عام 2017، سجّلت كندا انبعاث 716 مليون طن من الغازات الدفيئة، في انخفاض بلغ 15 مليون طن أو 2 في المائة مقارنة بعام 2005، وتساهم كندا بنحو 1.6 في المائة من الانبعاثات الدولية للغازات الدفيئة وقد تعهدت بتخفيضها بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030.