لبنان على حافة الهاوية... ومخاوف من خفض قيمة العملة والتخلف عن سداد الديون

لبنان على حافة الهاوية... ومخاوف من خفض قيمة العملة والتخلف عن سداد الديون
TT

لبنان على حافة الهاوية... ومخاوف من خفض قيمة العملة والتخلف عن سداد الديون

لبنان على حافة الهاوية... ومخاوف من خفض قيمة العملة والتخلف عن سداد الديون

أصبح لبنان أقرب للأزمة المالية من أي وقت مضى، وبات يحتاج على وجه السرعة إلى إقناع حلفائه في المنطقة والمانحين الغربيين بأنه سيتحرك بجدية لمعالجة مشاكل متأصلة، مثل قطاع الكهرباء الذي يعاني من الإهدار ولا يمكن التعويل عليه.
وأوضحت مقابلات أجرتها وكالة «رويترز» مع ما يقرب من 20 من مسؤولي الحكومة والساسة والمصرفيين والمستثمرين أن لبنان يواجه، إذا لم يحصل على دعم مالي من الخارج، احتمال تخفيض قيمة عملته أو حتى التخلّف عن سداد ديونه في غضون أشهر.
وكانت بيروت قد تعهدت مراراً بالحفاظ على قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار والالتزام بسداد ديونها. غير أن المصادر قالت لـ«رويترز» إن الدول التي اعتادت التدخل مالياً لإنقاذ لبنان من الأزمات بشكل يعتمد عليه نفد صبرها بفعل سوء الإدارة والفساد، ولجأت لاستخدام الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة في الضغط من أجل التغيير، ومن هذه الأطراف دول عربية خليجية فتر حماسها لمساعدة لبنان بسبب النفوذ المتزايد الذي يتمتع به «حزب الله» المدعوم من طهران وما ترى أنه حاجة لكبح نفوذ إيران المتنامي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وسبق أن قدمت دول غربية مساعدات مالية سمحت للبنان بتحدي الظروف لسنوات. غير أنها قالت للمرة الأولى إنها لن تقدم أموالاً جديدة إلى أن تأخذ الحكومة خطوات واضحة صوب الإصلاحات التي وعدت بها منذ مدة طويلة.
ومن الممكن أن تغذي الأزمة المزيد من الاضطرابات في بلد يستضيف نحو مليون لاجئ من سوريا.
وقال توفيق غاسبار المستشار السابق بوزارة المال اللبنانية والاقتصادي السابق بـ«مصرف لبنان المركزي» و«صندوق النقد الدولي» لـ«رويترز»: «إذا ظل الوضع (على ما هو عليه) دون أي إصلاحات جذرية فتخفيض قيمة العملة أمر محتوم». وأضاف: «منذ سبتمبر (أيلول) بدأ عهد جديد. علامات الإنذار كبيرة وفي كل
مكان، خاصة أن المصرف المركزي يدفع ما يصل إلى 13 في المائة للاقتراض بالدولار».
وعلى رأس قائمة الإصلاحات في بيروت مشكلة من أعقد المشاكل، هي إصلاح انقطاع الكهرباء المزمن الذي جعل اللجوء لمولدات الكهرباء الخاصة ضرورة باهظة الكلفة. ويرى كثيرون أن هذه المشكلة هي الرمز الرئيسي للفساد الذي أدى إلى تدهور الخدمات والبنية التحتية.
وسيكون مضمون موازنة 2020 عنصراً أساسياً في المساعدة في الإفراج عن نحو 11 مليار دولار صدرت بها تعهُّدات مشروطة من المانحين الدوليين بمقتضى مؤتمر «سيدر» الذي عُقِد العام الماضي. غير أن اجتماع مجلس الوزراء الذي كان مقرراً عقده لبحث الميزانية يوم الجمعة أُلغي وسط الاحتجاجات الشعبية.
وقال عدد من المصرفيين والمستثمرين والمسؤولين الذين حاورتهم «رويترز» إن شروخاً جديدة ظهرت بين الحكومة اللبنانية ومقرضيها من القطاع الخاص مع تبدُّد الثقة وندرة الدولارات. وقال أغلب مَن حاورتهم «رويترز» إن لبنان سيشعر على الأرجح بضغوط اقتصادية ومالية أكبر في الأشهر المقبلة لكنه سيتفادى تحديد سقف لاسترداد الودائع أو عجز الدولة عن سداد التزاماتها السيادية.
ومع ذلك، انقسم المسؤولون والمصرفيون والمستثمرون فيما إذا كانت الأمور ستصل إلى حد تخفيض قيمة الليرة اللبنانية، وذلك بسبب الإخفاق لسنوات في تنفيذ الإصلاحات، وفي ضوء التصميم الجديد بين المانحين التقليديين على المطالبة بها.
وقال نسيب غبريل رئيس قسم البحوث الاقتصادية والتحليل في بنك «بيبلوس»: «أنت بحاجة لصدمة إيجابية. لكن الحكومة تعتقد للأسف أن الإصلاحات يمكن أن تحدث دون المساس بالهيكل الذي تستفيد منه».
وأضاف أن على لبنان تطبيق الإصلاحات من أجل زيادة التدفقات الرأسمالية. وقال: «نحن بحاجة لمساعدة أنفسنا لكي يساعدنا الآخرون».
وقد لا يكون أمام حكومة الحريري سوى بضعة أشهر فقط لتنفيذ إصلاحات مالية لإقناع فرنسا و«البنك الدولي» والأطراف الأخرى في اتفاق «سيدر» بالإفراج عن التمويلات المشروطة التي تبلغ قيمتها 11 مليار دولار.
وقال رئيس الاستثمارات الإقليمية في شركة أميركية كبرى لإدارة الأصول إن المسؤولين اللبنانيين يقولون في لقاءات غير رسمية إنه سيتم الإعلان قبل نهاية العام عن خطة لمعالجة انقطاع التيار الكهربائي في الأجلين القصير والطويل، وبعدها سترفع الحكومة الأسعار. لكن المنتقدين يقولون إنه لم تُتخَذ أي خطوات ملموسة رغم التصريحات الصادرة عن وزارة الطاقة بأن الخطة ماضية في مسارها. وفي الشهر الماضي، غادر الحريري باريس دون تعهُّد بالحصول على سيولة فورية بعد أن زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويقول المستثمرون والمصرفيون والاقتصاديون إن عشرة مليارات دولار على الأقل مطلوبة لتجديد الثقة بين اللبنانيين في الخارج الذين دعموا الاقتصاد على مدار عشرات السنين، من خلال الاحتفاظ بحسابات مصرفية في وطنهم. غير أن الودائع شهدت انكماشاً بنسبة 0.4 في المائة تقريباً منذ بداية العام الحالي.
وكانت الحكومة قد سعت للحصول على دعم أصغر من حلفائها من بعض الدول لكسب الوقت، غير أن عدة مصادر قالت إن على بيروت أن تلبي شروطاً تهدف لإضعاف نفوذ «حزب الله» في الحكومة اللبنانية لضمان الحصول على تمويل.
وقال سامي نادر مدير «مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية»، ومقره بيروت: «صبرهم على إيران و(حزب الله) تضاءل كثيراً. و(الاستثناء اللبناني) اختفى». وأضاف: «مال الميزان، وأصبحنا الآن على خلاف مع أصدقائنا السابقين، لأن (حزب الله) له اليد العليا الآن سياسياً».
وقال الرئيس الإقليمي السابق لبنك غربي كبير دون مواربة: «الناس نفد صبرهم على الفساد الذي يعمل فيه ببساطة برلمان متجمد دون أي سلطة على تقسيم الكعكة بين الساسة». وأضاف: «لكن في نهاية اليوم تنجح الطبقة السياسية اللبنانية في العادة في إقناع الحلفاء بأنهم يجب ألا يسمحوا بانهيار النظام وإعادة الحرب الأهلية».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.