اتساع المخاوف بشأن مظاهرات الجمعة المقبل في العراق

عبد المهدي يتسلم نتائج لجنة استهداف المتظاهرين

TT

اتساع المخاوف بشأن مظاهرات الجمعة المقبل في العراق

بعد خطبة عاصفة الأسبوع الماضي، لم تعلن المرجعية الشيعية العليا في العراق موقفاً جديداً خلال خطبة الجمعة أمس. الحكومة بشخص رئيسها عادل عبد المهدي الذي يواجه صعوبات جمة، أقلها محاولات أطراف كثيرة تقديمه ككبش فداء قبل مظاهرات الجمعة المقبل، التي يعد لها على نطاق واسع، كان ينتظر جديداً من المرجعية هذا الأسبوع.
المتظاهرون الذين لا تُعرف مرجعياتهم الكثيرة هذه المرة، والتي بدأت تعبر عن نفسها من خلال بيانات متناقضة، مرة حول سقف المطالب، وأخرى حول هوية من يحرك المظاهرات، كانوا ينتظرون أيضاً موقفاً جديداً من قبل المرجعية، بعد أن فسروا موقفها الأسبوع الماضي بمثابة تأييد ولو كان ضمنياً لهم، مقابل تحميلها الحكومة مسؤولية قمع المتظاهرين، بعد سقوط أكثر من 130 قتيلاً، وجرح أكثر من 6000 آلاف جريح.
ورغم عدم صدور موقف من المرجعية العليا في النجف حيال ما أعلنته الحكومة من إصلاحات، أو تمسك المتظاهرين بالتحشيد لمظاهراتهم، فإن هذا الصمت يعد «بمثابة موقف» مثلما قال عضو البرلمان العراقي حسين عرب، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط». وأضاف عرب: «المرجعية سبق أن حسمت موقفها الأسبوع الماضي، وبالتالي هي تنتظر الآن مجريات الأمور، وبالدرجة الأساس نتائج لجنة التحقيق التي طالبت الحكومة بتشكيلها، لتحديد الجهة التي تورطت في قتل المئات وجرح الآلاف من المتظاهرين الذين يفترض أنهم سلميون».
وبينما أعلنت لجنة التحقيق التي يترأسها وزير التخطيط نوري الدليمي، وتضم في عضويتها وزراء الدفاع والداخلية والصحة والعدل، وقيادات أمنية كبيرة، عن تسليمها تقريرها النهائي إلى رئيس الوزراء، فإن عرب يقول إن «الشرط الأساس الذي وضعته المرجعية الدينية، وهو إظهار الحقيقة بكل وضوح ودون مواربة بشأن استهداف المتظاهرين، سوف تتوقف عليه أمور كثيرة حيال إمكانية دعم إجراءات الحكومة الباقية بشأن حزم الإصلاح من عدمها». ويمضي عرب قائلاً إن «هناك أيضاً موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حيال المظاهرات وحيال الحكومة والبرلمان؛ حيث إنه غاضب من الطرفين، مع أنه لم يتأكد بعد إذا كان التيار الصدري سيشارك في المظاهرة المقبلة أم لا».
وحول ما الذي يمكن للبرلمان أن يفعله حيال هذه الأزمة، يقول عرب إن «الوضع خطير بلا شك، وبالتالي يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة تتناسب مع حجم التحدي؛ خصوصاً أن هناك من دخل على خط المظاهرات، ويسعى لحرفها عن مسارها الطبيعي».
إلى ذلك، أعلنت اللجنة العليا للتحقيق في أحداث المظاهرات، عن تسليمها التقرير النهائي لرئيس الوزراء. وقالت اللجنة في بيان أمس، إنها «استمعت إلى التقارير التفصيلية عن ظروف وملابسات وأسباب تلك الأحداث، وما نتج عنها من استشهاد عدد كبير من المتظاهرين ومن القوات الأمنية، وإصابة وجرح أعداد أخرى، فضلاً عن تعرض المقار الحكومية والأحزاب وبعض وسائل الإعلام إلى الحرق والتخريب». وأضاف البيان أن «اللجنة اطلعت على كثير من التفاصيل المهمة المتعلقة بسير الأحداث، التي شملت كثيراً من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية، وشهادات حية من قبل الجرحى والمصابين وذوي الشهداء وضباط ومنتسبي القوات الأمنية، والعاملين في المستشفيات».
وبينما لم تنوه اللجنة بأي مخرجات يمكن الاستدلال من خلالها على الجهة المسؤولة عن استهداف المتظاهرين، فإن الأنظار تتجه إلى ما سوف يعلنه رئيس الوزراء بخصوص ما تسلمه من اللجنة، التي كانت أحد شروط المرجعية الدينية لكيفية التعامل المستقبلي من قبلها مع الطبقة السياسية.
من جهتها، أكدت مفوضية حقوق الإنسان أهمية التعامل بشكل صحيح مع المتظاهرين، وعدم إهدار حقوق أحد منهم. وقال فاضل الغراوي، عضو المفوضية العليا، لـ«الشرق الأوسط» إن «المفوضية طالبت وتطالب الحكومة بضرورة تعويض المعتقلين من المتظاهرين السلميين عما لحقهم من ضرر، مادياً ومعنوياً». وأضاف أن «المفوضية سوف تتابع ذلك مع الجهات المسؤولة، مع ضمان المضي في الإصلاحات المطلوبة التي من شأنها تحسين الأوضاع العامة في البلاد».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم