انتفاضة اللبنانيين تحاصر «حزب الله» داخل بيئته

TT

انتفاضة اللبنانيين تحاصر «حزب الله» داخل بيئته

حملت المظاهرات الشعبية التي يشهدها لبنان منذ يومين، مفارقات عدة، أظهرت أن طابعها يختلف كلياً عن التحركات التي سبقتها، بحيث أسقطت المحرمات السياسية والحزبية وحتى الطائفية، وتوحّدت على شعار المطالبة بتغيير النظام واقتلاع الطبقة السياسية برمتها، وبدا العامل الأكثر نفوراً فيها هو اتساع الحركة الاعتراضية في مناطق نفوذ «حزب الله» وبين جمهوره، الذي حمّله مع بقية الأطراف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من أزمات اقتصادية ومالية في لبنان.
ولم يحل إعلان «حزب الله» تبنيه الكامل للمطالب المعيشية التي ينادي بها المتظاهرون، دون استمرار الحملة الشعبية التي يتعرّض لها، والتي تمثلت بتوجيه انتقادات قوية لسياسته، في مناطق تعدّ أهم معاقله مثل ضاحية بيروت الجنوبية، ومدينة النبطية التي أحرق المتظاهرون فيها صوراً لنواب وقيادات في «حزب الله» وحركة «أمل»، وإحراق علم الحزب في بعض البلدات البقاعية، وتكسير لافتة على مدخل مكتب رئيس كتلة الحزب البرلمانية محمد رعد في مدينة النبطية في جنوب لبنان. لكن «حزب الله» الذي تهيّب المشهد، يعمل على تجنيد جيشه الإلكتروني للردّ على هذه الحملة التي تستهدفه، حيث وزّع بلاغاً على قياداته وكوادره دعاهم فيه إلى تجييش حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحاكي التطورات المفاجئة على الأرض وتأخذ مطالب الناس إلى محاصرة المصارف اللبنانية وتحميلها مسؤولية الأزمات المالية والاقتصادية.
وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة تردد أنها من بيان الحزب الموزع على كوادره جاء فيه «مواكبة للأحداث التي تجري حالياً، نضع بين أيديكم مجموعة من النقاط التي يجب التركيز عليها في الخطاب على مواقع التواصل، تحت هاشتاغ # لبنان_ينتفض #يسقط_حكم_المصرف*وهي: استعادة الأموال المنهوبة، التصويب على منظومة المصارف، رفع الضرائب على أرباح المصارف، إقرار الضرائب التصاعدية على الأثرياء، تحرير الأملاك البحرية، رفع السرية المصرفية عن حسابات السياسيين ورفع الحصانات». ودعا البيان السري المزعوم لـ«حزب الله» إلى التشديد على «المطالبة بتغيير قوانين التلزيمات والتدقيق بكل التلزيمات السابقة، والتدقيق بكل ما أنفقته الصناديق، خصوصاً مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 1993. وتطهير الأجهزة الرقابية والقضائية من الفاسدين، وإقرار قوانين لشفافية المعلومات والمناقصات العامة، وإنهاء إعفاءات رسوم سوليدير». ورأى البيان الذي لم يمكن التأكد فوراً من صحته أنه «من غير المفيد في هذه الظروف مطلقاً، التصويب على الحلفاء (رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل)».
وتميّزت المظاهرات الغاضبة في جنوب لبنان وفي ضاحية بيروت الجنوبية، بإحراق الإطارات، ومشاركة كثيفة للمرأة ورفع شعارات تطالب بتغيير الطبقة السياسية كاملة تحت شعار «كلن يعني كلّن»، في إشارة إلى إدراج «حزب الله» بينهم، وهو ما كان محرماً التطرق إليه في مرحلة سابقة، وكانت المفارقة أيضاً بمطالبة هؤلاء بإسقاط مجلس النواب الذي يرأسه نبيه بري ويمتلك فيه الحزب وحلفاؤه الأغلبية الموصوفة.
وعلى أهمية هذه المظاهرات التي أسقطت الشعارات الحزبية والطائفية وتوحدت تحت العلم اللبناني، قلل الناشط الشيعي المعارض لقمان سليم من إمكانية بلوغها مرحلة التغيير، ولم يخف أن «الشارع الشيعي ناقم على ممثليه ومعترض على أدائهم، لكن ليس لديهم بديل عن الزعامة الشيعية، ولا يزالون يقولون إن نصرالله خط أحمر».
ويؤكد لقمان سليم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «طالما لم تقترن المطالب المعيشية بالمطالب السيادية، فإن الوضع قابل للتحوير من قبل حزب الله»، مذكراً بأن الأوروبيين «لا يريدون إحراق ورقة لبنان الأمنية، بل يريدون بقاء الاستقرار في لبنان، وحزب الله هو من يملك قرار الشارع ولكن بشروطه». وشدد على أن «المتظاهرين لا يملكون مشروعاً سياسيا تغييرياً، وغير قادرين على تكوين حالة سياسية. الطرف الوحيد الذي يملك برنامج ما بعد الشارع هو حزب الله».
ورغم الاعتراف بأحقية المطالب الشعبية، قال مصدر سياسي مقرب من «حزب الله»، إن الأخير «لم يكن يوماً بعيداً عن مطالب الناس». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «غضب الناس في مكانه والكل يسمعه ويشعر به، وهناك اتصالات لاحتواء الموقف وتهدئة الشارع، حتى تتمكن الحكومة من معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية»، مشيراً إلى أن الحزب «معني باستمرار التسوية السياسية ويرى أهمية لبقاء الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة، لأن استقالته لن تحلّ الأزمة وربما نصبح أمام استحالة تشكيل حكومة جديدة في المدى المنظور».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».