إلغاء الاجتماع الطارئ للحكومة لتجنّب «انفجارها من الداخل»

«الاشتراكي» و«القوات» يريدان استقالة الحريري

TT

إلغاء الاجتماع الطارئ للحكومة لتجنّب «انفجارها من الداخل»

بدأ لبنان يواجه مرحلة سياسية مشتعلة مجهولة المصير ومفتوحة على كل الاحتمالات، غير تلك المرحلة التي سبقت التحرك الشعبي الذي غطى معظم المناطق اللبنانية احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفرض رزمة من الضرائب الجديدة، ما أدى إلى إعادة خلط الأوراق في داخل الحكومة، خصوصا أن هذا التحرك لم يكن مسبوقاً من قبل ودفع باتجاه توحيد الشوارع من سياسية ومذهبية وطائفية في شارع واحد تجمّعت فيه هيئات الحراك المدني التي حمّلت جميع من هم في السلطة مسؤولية تصاعد وتيرة الأزمة المعيشية الخانقة التي يئن منها الوطن واللبنانيون.
لكن جميع من هم في الحكم والحكومة يفتقدون المبادرة لاستيعاب الوضع المتأزّم بعد أن تعذّر انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة بعد ظهر أمس، في محاولة لقطع الطريق - كما تقول مصادر وزارية بارزة لـ«الشرق الأوسط» - على احتمال انفجار الوضع في داخل الحكومة والاستعاضة عنها برسالة وجّهها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى اللبنانيين وضع فيها - من وجهة نظر قيادي في تيار «المستقبل» - «النقاط على الحروف»، لأنه من الظلم بمكان تحميل الحريري مسؤولية تعذّر الوصول إلى حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة، خصوصا أنه عانى ما عاناه من قبل بعض الأطراف التي كانت وراء شل قدرة الحكومة على إخراج البلد من التأزّم السياسي والاقتصادي، بحسب القيادي نفسه.
وعلمت «الشرق الأوسط» من المصادر الوزارية أن الاتفاق بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على نقل الجلسة من «السرايا الكبيرة» إلى بعبدا لم يرَ النور، وعزت السبب إلى أن رئيس الحكومة فضّل عدم انعقادها في ضوء الأجواء التي سادت مشاوراته مع رئيسي الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي عاد ليلة أول من أمس من جولته في كندا.
وقالت إن جعجع طرح على الحريري الاستقالة، وأبلغه بأن وزراءه لن يحضروا جلسة مجلس الوزراء، فيما رأى جنبلاط أن هناك ضرورة للاستقالة من الحكومة، لكنه ليس في وارد التخلي عن الحريري و«تركه وحيداً». ولفتت إلى أن الحريري تفادى إقحام مجلس الوزراء في أزمة تدفع البلد باتجاه المجهول وتضعه على «كف عفريت»، وقالت إن غياب وزراء «القوات» عن الجلسة سينسحب أيضاً على وزيري «التقدّمي» المتضامنين مع زملائهم ما يشكل إحراجاً لرئيس الحكومة وهذا ما لا يريده «التقدمي».
وأكدت أن الحريري بقي على تواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وارتأى تأجيل الجلسة بعد التشاور مع عون لعل الأجواء تتبدّل بما يسمح لمجلس الوزراء بإحداث صدمة إيجابية تمهّد لاستيعاب الاحتجاجات التي انضم إليها «التقدمي» طالباً من محازبيه التحرك والتصويب على «العهد القوي» الذي لا يزال عاجزاً عن تحقيق وعوده الإصلاحية وتحميله مسؤولية أخذ البلد إلى طريق مسدود.
وقالت المصادر نفسها إنه جرى البحث في تعليق جلسات مجلس الوزراء واستبدالها حتى إشعار آخر بجلسات حوارية اشترط جنبلاط بأن يرعاها بري، وهذا ما لا يرفضه الحريري لكنه يحاذر الخلاف مع رئيس الجمهورية، مع أن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل يتحمل مسؤولية مباشرة حيال الإخفاق الذي أصاب «العهد القوي» وإن كان يؤخذ على الأخير بأنه لم يبادر إلى وضع حد للشطط الذي ذهب إليه بعيداً باسيل الذي لم يتردد في تقديم نفسه على أنه «الرئيس الظل».
وحذّرت المصادر من أي محاولة يراد منها رمي المسؤولية حيال التأزّم الذي بلغ ذروته على الحريري، وقالت إن المسؤولية تقع على عاتق «العهد القوي» الذي أطلق يد باسيل في كل شاردة وواردة وبات يتصرّف على أنه «المعبر الإلزامي» الذي من دونه لن يتحقق أي شيء.
واعتبرت أن باسيل كان وراء عدم تفعيل العمل الحكومي، وقالت إن حكومة العهد الأولى كما يسميها رئيس الجمهورية، رئيسها تحمّل الكثير وسعى إلى تدوير الزوايا، لكن باسيل هو من أوصد الباب في وجه المحاولات الرامية إلى نقل البلد من التأزّم إلى الانفراج، خصوصاً في ضوء الإنجاز الذي حققه الحريري من خلال تجاوب المجتمع الدولي مع رغبته بإنجاح مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان في النهوض من أزماته الاقتصادية والمالية.
وتوقّفت أمام ما اعتبرته «إصرار باسيل على افتعال المشكلات التي كانت وراء تفخيخ معظم جلسات مجلس الوزراء لمنعه من رفع منسوب إنتاجية الحكومة وعطاءاتها». وتابعت أنه كان قد هدد بأن «يقلب الطاولة» على رؤوس خصومه، وإذ بالطاولة تنقلب فجأة من دون سابق إنذار وتتطاير شظاياها باتجاه جميع الأطراف، وإن كانت أصابت بالدرجة الأولى «العهد القوي» ومن خلاله باسيل.
وسألت المصادر: ما الجدوى من المواقف النارية التي أعلنها باسيل منذ أيام؟ وقالت إن لا مشكلة ستواجهه في حال قرر الذهاب إلى دمشق، لكن ذهابه لا يتعلق بإعادة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وإنما يتسم في حال حصوله بنكهة سياسية بامتياز.
وبكلام آخر، اعتبرت المصادر نفسها بأن مجرد ذهاب باسيل إلى دمشق للقاء أركان النظام في سوريا، يعني من وجهة نظر خصومه بأنه يخطط لإلحاق لبنان بـ«محور الممانعة» بزعامة النظام السوري وإيران وثالثهما «حزب الله» بذريعة أن المشروع الأميركي بالنسبة إلى المنطقة بدأ ينهار وأن الوجود العسكري لواشنطن في المنطقة إلى انحدار، وبالتالي فإن إقحام لبنان في هذا المحور يؤمن له التقدم على منافسيه المرشحين لرئاسة الجمهورية.
وقالت إن باسيل لم ينجح في استغلال اجتماعه بالأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، وعزت السبب إلى أن الأخير حرص عندما استقبل لاحقاً زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية على التأكيد بأنه يقف على مسافة واحدة من هذين الحليفين وأنه من السابق لأوانه تسليط الضوء على الاستحقاق الرئاسي لأن مجرد التداول فيه سيزعج الرئيس عون مع اقتراب دخوله في النصف الثاني من ولايته الرئاسية.
وهكذا يصر باسيل على تسخير بعض إدارات ومؤسسات الدولة لخدمة طموحاته السياسية من دون أن يتدخل «العهد القوي» من رسم حدود لتدخّله منعاً لاستغلالها، إضافة إلى أنه يتصرف بلا رادع وكأنه الآمر الناهي الذي يعود له القرار في الأمور المصيرية، بحسب المصادر ذاتها التي تقف موقفاً معارضاً من باسيل.
وتابعت المصادر ذاتها أن الفريق الوزاري المحسوب على «العهد القوي» لم يترك مناسبة إلا وحاول فيها محاصرة رئيس الحكومة في صلاحياته بدلاً من توفير كل الدعم له بغية إنقاذ التسوية التي لم تعد قابلة للحياة إلا إذا حصلت معجزة تدفع باتجاه تعويمها وإعادة الاعتبار لها، مع أن المصادر الوزارية تتصرف على أن «عدة الشغل» المحيطة برئيس الجمهورية باتت في حاجة إلى إحالتها للتقاعد لأنها كانت وراء استنزاف عهده في إغداق من فيها البلد في تطمينات إعلامية وشعارات برّاقة بلا تنفيذ.
وعليه، فإن المرحلة السياسية الجديدة تبقى غير واضحة المعالم ولا يمكن التكهّن في طبيعتها قبل استقراء ما سيقوله الحريري، وأيضاً رد فعل بعبدا و«حزب الله» الذي هو على موعد اليوم مع موقف لأمينه العام.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».