المغرب: تسخينات في أفق انتخابات 2021

قراءة في حكومة العثماني الثانية

المغرب: تسخينات في أفق انتخابات 2021
TT

المغرب: تسخينات في أفق انتخابات 2021

المغرب: تسخينات في أفق انتخابات 2021

بعد أكثر من شهرين من المشاورات السياسية في المغرب، ولدت الحكومة الثانية للدكتور سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، وسميت «حكومة الكفاءات»، وتحقق ذلك بتوجيه من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحضيراً للمرحلة الجديدة التي سيدخلها المغرب، وتسخينها سياسياً في أفق انتخابات 2021.
جاء الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة في ظل تراجع ملحوظ لمنسوب الثقة لدى شريحة واسعة من المغاربة في العمل الحكومي والشأن السياسي بشكل عام، خلافاً لما كان عليه الوضع بعد عام 2011 إبان احتجاجات «الربيع العربي»، ووصول حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى إلى رئاسة الحكومة، التي ما زال يحافظ عليها لولاية ثانية، لكن من دون زخم 2011.
قلّص عدد أعضاء الحكومة المغربي، التي يرأسها الدكتور سعد الدين العثماني، في صيغتها الجديدة التي أعلنت خلال الأسبوع الماضي من 39 وزيراً إلى 23، فضلاً عن تجميع بعض القطاعات الوزارية بغرض «تعزيز النجاعة والانسجام والتنسيق في العمل الحكومي». وكان الملك محمد السادس قد دعا في 29 يوليو (تموز) الماضي بمناسبة الذكرى الـ20 لتوليه مقاليد الحكم، رئيس الحكومة إلى «رفع مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، على أساس الكفاءة والاستحقاق». وشدد على أن «المرحلة الجديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشاريع، ونخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة».
وتعهد الملك محمد السادس، أيضاً، في الخطاب ذاته، بتدشين مرحلة جديدة قوامها «المسؤولية والإقلاع الشامل» والحد من «التفاوتات الصارخة»، كما أعلن عن إحداث لجنة سيعهد إليها صياغة نموذج تنموي جديد.
في هذا السياق، قال محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية بمدينة تطوان، لـ«الشرق الأوسط»، إن التعديل الحكومي «جاء بتوجيه من الملك، وليس برغبة من رئيس الحكومة، بعد ملاحظة وجود تعثر وصعوبات تواجهها الحكومة في تنزيل وتنفيذ المشاريع الكبرى». وأوضح بوخبزة أن «التوجيه الملكي كان واضحاً عندما طالب رئيس الحكومة بضرورة تطعيم الحكومة بكفاءات، وفي ذلك تأكيد على أن التعديل لم يكن بإرادة حكومية، بل بإرادة ملكية». وتابع المحلل السياسي المغربي شارحاً أن «حكومة العثماني في نسختها الأولى عانت من صعوبات كبيرة في عملها بحكم الصراع الذي كان ينشب بين مكوّنات الغالبية، وهو ما حوّل رئيس الحكومة إلى إطفائي أكثر منه رئيس حكومة مسؤول عن تنفيذ برنامج حكومي».
من جهة ثانية، قال لحسن حداد، الكاتب والمحلل السياسي ووزير السياحة الأسبق المنتمي لحزب الاستقلال المعارض، إن «على الحكومة الجديدة أن تقدم تصريحاً (بياناً) حكومياً جديداً أمام البرلمان»، مشيراً إلى أن تقليص عدد الوزراء «كان شيئاً جيداً، لكن التعديل الحكومي جاء في سياق أزمة، وفي سياق دعوات العاهل المغربي لإحداث قطيعة مع العقليات والعادات القديمة في تدبير الشأن العام». لذلك؛ كما يرى حداد «يتوجب على الحكومة أن تدلي بتصريح جديد ينطلق من أسس جديدة». وهو رأي يخالفه المنتصر زيان، مدير عام الشركة المتوسطية للدراسات الاستراتيجية؛ إذ يرى أنه «لا توجد أي مؤشرات بشأن حدوث أي تغيير في التوجهات السياسية للحكومة»، لافتاً إلى أن مشروع قانون الميزانية للسنة المقبلة، والذي يفترض أن يعكس هذا التحول، كان معداً قبل التعديل الحكومي.

نهج صارم
أما بخصوص عدد الوزراء، فإن محمد جغلالي، المحلل السياسي والرئيس السابق للجمعية المغربية للباحثين الشباب، يعتقد أن تقليص عدد أعضاء الحكومة أمر جد إيجابي ومنطقي، وأن «الحديث عن النموذج التنموي الجديد، وبخاصة، في بعده الخاص باختلالات التوازنات الاقتصادية وإعادة توزيع الثروة الوطنية، يفرض نهجاً صارماً في التعامل مع الموارد العمومية والمال العام. ولذا؛ فإن بقاء حكومة من 39 وزيراً أصبح في السياق الحالي أمراً غير مستساغ خاصة مع خطابات التقشف الحكومي». وتابع أن «إدماج قطاعات وزارية في حقيبة واحدة يجد مبرّره في مطلب الرفع من نجاعة العمل الحكومي، والتنسيق بين القطاعات الوزارية، وتجويد السياسات العمومية، ولا سيما، أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات أثارت في أكثر من حالة تكرار أوجه الصرف بين قطاعات حكومية مختلفة، ودخولها في بعض الأحيان في تضارب سياساتها وإجراءاتها التنفيذية». وحقاً، يعتبر جغلالي أن التعديل الحكومي جاء أيضاً في سياق الحاجة إلى «تنشيط الحياة السياسية وتسخينها في أفق انتخابات 2021، وكتمرين ديمقراطي للأحزاب المشاركة في الغالبية الحكومية، ولاختبار التحالفات الممكنة ومدى تماسكها».

تجدّد خلافات الغالبية
ما يذكر أن شبح سقوط النسخة الأولى من الحكومة طارد العثماني باستمرار بسبب الخلافات بين أعضاء التحالف الحكومي، وبالأخص، بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، الذي يرأسه عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، الذي يعد مقرباً من السلطة. إلا أن العثماني كان يدافع عن حكومته بالقول إنها تحظى بثقة الملك ودعمه، وإن الخلافات الحزبية لا تؤثر على تماسكها.
ثم، بعد الإعلان عن الصيغة الجديدة للحكومة، قال العثماني إنها «تمتثل لمعايير النجاعة والكفاءة التي تتجلى من خلال بنيتها، وهيكلة قطاعاتها، وحضور النساء والشباب ضمن تركيبتها». وأردف أنها «تراعي المعايير التي شدد عليها الملك في خطاب عيد الجلوس الأخير، والمتمثلة على الخصوص في إدماج عدد من الكفاءات الجديدة، التي تراعي تمثيلية النساء والشباب... وعملية التشبيب تعدّ ضرورية ليس فقط بالنسبة للمسؤوليات العليا، لكن حتى داخل الحكومة»، وذلك في تلميح إلى تعيين شاب من حزبه على رأس وزارة التشغيل هو محمد امكراز رئيس منظمة شباب «العدالة والتنمية».
تنويه العثماني بتعيين شاب من حزبه في الحكومة لم يقتصر على هذا التصريح الذي أدلى به مباشرة بعد تعيين النسخة الثانية من حكومته، بل ذهب بعيداً إلى حد توظيف هذا التعيين لتوجيه انتقادات لاذعة لخصمه السياسي حزب التجمع الوطني للأحرار خلال لقاء حزبي؛ ما أدى إلى تجدد الملاسنات ببن الحزبين بعد هدنة قصيرة. اذ قال العثماني، إن حزب العدالة والتنمية يصنع دائماً المفاجآت «وهو حزب أفعال وليس فقط أقوال»، وعبّر عن اعتزازه بأن يصبح الشاب أمكراز وزيراً؛ لما فيه من إشارات قوية بأن للشباب مستقبلاً. وفي تلميح ضمني إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، قال رئيس الحكومة إن هناك من التزم بتقديم الشباب للمناصب الحكومية، لكنه لم يفعل. وأضاف: «قالوها ولم يستطيعوا فعلها»؛ ما دفع أخنوش إلى الرد عليه متهماً إياه بالتهكم على حزبه.

الهندسة الحكومية وإضعاف الأحزاب
من جهة أخرى، وحسب مراقبين، فإن الهيكلة الجديدة للحكومة تشكل مكتسباً بالنسبة للتجربة السياسية والديمقراطية المغربية؛ لأنها تهدف إلى عقلنة العمل السياسي وتحديث الهندسة الحكومية، في احترام للإطار الدستوري والدور السياسي للأحزاب. إلا أن البعض رأى أن هذه الهندسة الجديدة ليست سوى خطوة لإضعاف الأحزاب السياسية في أفق التحكم في نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في 2021.
وتعليقاً على الهندسة الجديدة للحكومة، قال بوخبزة إن «الصراعات التي كانت تعيشها الغالبية الحكومية هي التي دفعت إلى إعادة النظر في هيكلتها؛ إذ جرى الاعتماد على أقطاب وتجميع عدد من القطاعات الوزارية في حقيبة واحدة، وبالتالي، جرى التخلي عن النهج القديم الذي كان يرتكز على الحقائب الوزارية والقطاعات الحكومية، وهذا ما ترتب عنه حكومة مقلصة من حيث العدد، رغم ما أثير من نقاش حول تجميع قطاعات وزارية في وزارة واحدة، ومدى وجود قاسم مشترك بينها.
ويرى بوخبزة أن التعديل الحكومي «حمل رسالة إلى الأحزاب السياسية المغربية من خلال مطالبتها بتجاوز منطق المحاصصة وتوزيع الغنائم والانفتاح على الكفاءات»، وهي خطوة اعتبرها ضرورية بسبب وجود مجموعة من مشاريع التنمية التي لم تستكمل بعد، ومشاريع إصلاحية أخرى ستفتح في المستقبل. ثم لفت إلى أنه في السابق كان المنطق المتحكم في تشكيل الحكومة هو منطق الترضيات للنخب الحزبية بغض النظر عن الكفاءة التي من المفروض أن تتوفر في الوزير المشرف على القطاع الحكومي.

الوزيرات من 8 إلى 4
من جهة أخرى، تقلص حضور عدد النساء في الحكومة المعدلة إلى أربع وزيرات، بينما كان عددهن في الحكومة السابقة 8 وزيرات وكاتبات دولة (وزيرات دولة)، كما غابت وزارة الاتصال (الإعلام سابقاً) من التشكيلة، وذلك لأول مرة منذ استقلال المغرب عام 1956. وينتظر أن يتفرق دم قطاع الاتصال بين بعض الوزارات والهيئات المستقلة التي ستتولى تدبيره، أبرزها المجلس الوطني للصحافة والهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي. وباستثناء إلغاء وزارة الاتصال، لم تشكل باقي خطوط التعديل الحكومي الجديد أي مفاجأة. هذا دون أن ننسى إزالة وزارة الشؤون العامة والحكامة، وإزالة قطاع المجتمع المدني من وزارة العلاقات مع البرلمان. ويرى المراقبون أن حذف كتاب الدولة من هندسة التشكيلة الحكومية لن يكون له أي تأثير، اعتباراً لطابعها الصوري، وكون سبب إحداثها هو جبر خواطر الأحزاب المشاركة في الغالبية الحكومية. كما أن الحكومة استعملت كتابات الدولة لإرضاء المطالبين بمشاركة أكبر للنساء.
وتعليقاً على مغادرة بعض الوزراء الحكومة والإبقاء على آخرين، كتب المحلل السياسي بلال التليدي قائلاً: «لا أعرف مقياساً اعتمد في عبقرية التفاوض لإبقاء وزراء في (العدالة والتنمية) والاستغناء عن آخرين، فثمة أكْفاء تم الاستغناء عنهم، وثمة وزراء لا يعملون شيئاً، ويظلون طوال الوقت وراء هواتفهم يقومون بمهام معروفة، تم إبقاؤهم ولا شيء بمعايير السياسة أو النضال يشفع لهم في البقاء إذا قورنوا بمن غادر». وأضاف: «حصيلة عبقرية التفاوض، أن حزب العدالة والتنمية لم يجنِ شيئاً من هذا التعديل؛ إذ فقد حليفه الاستراتيجي (حزب التقدم والاشتراكية الذي التحق بصفوف المعارضة)، وفقد قطاعين مهمين، وفقد كفاءات تدبيرية دون تبرير سبب الاستغناء عنها، وكتب على نفسه العزلة والدخول في الشرنقة، واستثمر التعديل الحكومي للأسف، لإحداث تغلبات تنظيمية في الداخل والخارج، بدل استثمار اللحظة لبث إشارات سياسية تصحح أعطاب الماضي، وتؤسس لمصالحات تنعكس على تماسك مكونات الأداة الإصلاحية».
في المقابل، اعتبر بوخبزة احتفاظ عدد من الوزراء بحقائبهم في «حكومة الكفاءات» أمراً طبيعياً لأن «الحكومة في الأساس سياسية، ويجب أن تقوم على الأحزاب ولا يمكن تصور حكومة كلها خارج الأحزاب لأنه بعد دستور 2011 انتقل المغرب إلى الحكومة الحزبية أو الحكومة السياسية التي تتوفر على أغلبية داخل البرلمان طبقاً للفصل 47 من الدستور.
أما بخصوص استمرار خمسة أحزاب في التعديل الحكومي الجديد، فاعتبر العمراني أن «تشكل الحكومة من خمسة أحزاب رقم كبير حتى وإن كانت ثلاثة أحزاب ممثلة بشكل رمزي داخل الحكومة لتوفرها على حقيبتين أو حقيبة واحدة»، إلا أن هذا العدد كان ضرورياً لضمان الأغلبية داخل البرلمان، بعد أن خرج حزب التقدم والاشتراكية مضطراً من الحكومة، وانتقاله إلى المعارضة.
ومقابل الاحتفاء بالتعديل الحكومي والترحيب بانضمام بعض «الكفاءات» إلى الحكومة الجديدة، شكك المعارضون في جدوى هذا التعديل. وقالت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، في تصريحات صحافية، إن «التعديل الحكومي جاء دون مستوى تطلعات فئات واسعة من الشعب المغربي، هذا الشعب الذي في كل مرة يحاول أن يخلق أملاً من الرماد، ويحاول أن يصدق ما يقال بأن هناك فعلاً نية في الإصلاح والتغيير عن طريق ضخ دماء جديدة، وخلق حكومة تحكم بالفعل، حكومة كفاءات فعلية تبحث عن أجوبة لأسئلة ملحة ومصيرية».
وعدت منيب التعديل الحكومي بأنه ليس سوى «تحريك بعض الوزراء من وزارة إلى أخرى، وأننا لم نسمع عن أي كفاءة لهؤلاء الوزراء الذين ظلوا في الحكومة».
ولم تكتفِ منيب بهذا الحد، وقالت إن الحكومة الجديدة «تفتقر للكفاءات عكس ما كان منتظراً. فجلّ الوزراء ليست لهم أي كفاءة، لا في اقتراح البدائل الثقافية والاقتصادية، وبالأحرى السياسية، التي نحن في أمسّ الحاجة إليها. ولهذا فهي فقط محطة من أجل جس النبض والإعداد للسيناريو الآتي لا محالة في 2021، إلا إذا تحركت القوى التي يهمها التغيير الديمقراطي للبلاد، وهو أمر مستبعد».
من جهة أخرى، يرى عبد الله الرامي، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن التعديل الحكومي الحالي كرّس ضعف وزن «العدالة والتنمية» في الحكومة، رغم أنه هو من يقودها. وأشار إلى أن وزن الحزب الذي خسر عند تشكيل حكومة العثماني عام 2017 حقائب مهمة كالعدل والاتصال (الاتصال) والميزانية، عرف تراجعاً مع التعديل الحكومي الجديد بتقليص عدد وزرائه من 12 في الحكومة الأولى إلى 7 في الحكومة الثانية، إضافة إلى أن هذه الأخيرة غادرها وزراء هم: محمد يتيم، وبسيمة الحقاوي، ولحسن الداودي، ومحمد نجيب بوليف، وخالد الصمدي، ومصطفى الخلفي، الذين يعدون من الأسماء البارزة في الحزب، ودخول أسماء مغمورة بدلاً عنهم.
وأشار الرامي إلى أن هذا التراجع يعتبر مؤشراً على انحسار دور «العدالة والتنمية» في تدبير الشأن العام، ويرجح احتمال انحساره إلى الصف الثاني في هندسة حكومة ما بعد انتخابات 2021، بعدما قاد حكومتين متتاليتين منذ 2012. وأوضح الرامي أن ما يميز حكومة العثماني الثانية هو انعدام التكافؤ الواضح للوزن الانتخابي والسياسي للأحزاب المشاركة مع وزنها داخل الحكومة، ففي حين يتولى حزب العدالة والتنمية، الذي يعد الحزب الأول والأكثر وزناً في مجلس النواب، ويقود تحالف الغالبية، وزارات هامشية وعدداً من الحقائب الوزارية لا تتماشى مع وزنه، فإن أحزاباً صغيرة تتولى مناصب وزارية أكبر من حجمها بكثير.
إن المغرب مقبل على وضع نموذج تنموي جديد من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية، وتقليص البطالة والارتقاء بالتعليم والصحة، وهي كلها تحديات يتعين على الحكومة مواجهتها حتى يتمكن المغرب من المحافظة على استقراره وتميزه في منطقة توجد على فوهة بركان.

أبرز الوجوه الباقية والجديدة
> حافظت حكومة العثماني الثانية على معظم وجوه الحكومة السابقة، وبخاصة وزراء السيادة، وعددهم سبعة، هم: عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، وناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومحمد الحجوي الأمين العام للحكومة، وعبد اللطيف لوديي الوزير المنتدب المكلف إدارة الدفاع الوطني، ونور الدين بوطيب الوزير المنتدب في الداخلية، ومحسن الجزولي الوزير المنتدب في الخارجية.
كذلك، حافظ معظم الوزراء الحزبيين في الحكومة السابقة على حقائبهم أو أسندت إليهم حقائب جديدة، وبلغ عدد الوزراء المجدد لهم 11 وزيراً، هم: المصطفى الرميد وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان، الذي أضيفت له حقيبة العلاقات مع البرلمان، ومحمد بنعبد القادر وزير العدل الجديد (الذي كان الوزير المنتدب المكلف إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية سابقاً)، ومحمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وسعيد أمزازي وزير التربية الوطنية، وحفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، وعبد القادر أعمارة وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، وعزيز رباح وزير الطاقة والمعادن والبيئة، وجميلة المصلي وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، ونزهة الوافي الوزيرة المنتدبة المكلفة المغاربة المقيمين بالخارج.
أما الوجوه الجديدة في الحكومة فبلغ عددهم ستة، هم: نزهة بوشارب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة (الحركة الشعبية)، ومحمد أمكراز وزير الشغل والإدماج المهني (العدالة والتنمية)، والحسن عبيابة وزير الثقافة والشباب والرياضة، والناطق الرسمي باسم الحكومة (الاتحاد الدستوري)، وإدريس اعويشة الوزير المنتدب المكلف التعليم العالي والبحث العلمي (مستقل)، وخالد آيت الطالب (مستقل) الذي عين وزيرا للصحة خلفا لأنس الدكالي، ونادية فتاح العلوي وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي (التجمع الوطني للأحرار).



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.