رئاسة الحكومة العراقية تعفي 61 موظفاً كبيراً... وتشكيل محكمة للفساد

في إطار المساعي لتهدئة الشارع وتلبية مطالب المتظاهرين

TT

رئاسة الحكومة العراقية تعفي 61 موظفاً كبيراً... وتشكيل محكمة للفساد

تسعى السلطات العراقية هذه الأيام إلى الظهور أمام مواطنيها بمظهر العازم، وغير المتهاون في اتخاذ خطوات جادة، من شأنها إصلاح ما يمكن إصلاحه من خراب وفساد على امتداد السنوات الست عشرة الأخيرة، وتفجر على شكل احتجاجات شعبية ضخمة، مرشحة للتصاعد في الأيام المقبلة بعد سقوط أعداد كبيرة من الجرحى والقتلى على يد القوات الأمنية في المظاهرات التي خرجت مطلع الشهر الحالي.
وعلى ما يبدو، وفي إطار عمليات الإصلاح، تسعى حكومة عبد المهدي إلى وضع حد نهائي، وإيقاف قضية شغل المناصب العليا بنظام «الوكالة» التي تثير انتقادات واسعة منذ سنوات، وقررت أمس إعفاء 61 مسؤولاً كبيراً في وزارت ومؤسسات الدولة المختلفة، تمهيداً لتعيين بدل عنهم بـ«الأصالة» من خلال التصويت رسمياً عليهم في مجلس الوزراء أو البرلمان.
لكن الإجراء الحكومي الجديد لم يحل دون موجة انتقادات صدرت عن هذه الجهة أو تلك، نظراً إلى أن «قرار الحكومة ليس بجديد، وقد أدرج ضمن برامجها التي صوت عليها البرلمان في أكتوبر (تشرين الأول) 2018» كما يقول مصدر حكومي مطلع لـ«الشرق الأوسط». ويضيف المصدر، الذي يفضّل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «رئيس الوزراء يسعى إلى خلط الأوراق للظهور بمظهر الإصلاح في ظل الاحتجاجات الشعبية، وكان يفترض بحسب برامجه الحكومية أن يحسم ملف الدرجات الخاصة بعد 6 أشهر فقط من تولية منصب رئاسة الوزراء».
كان البرلمان العراقي أمهل، في يونيو (حزيران) الماضي، رئاسة الوزراء 3 أشهر إضافية لحسم ملف الدرجات الخاصة الذي كان مقرراً أن يحسم في الشهر نفسه.
بدوره، عبّر وزير النقل السابق والنائب الحالي عن ائتلاف «دولة القانون» كاظم فنجان الحمامي، أمس، عن «دهشته» من ورود أسماء بعض المديرين الذين سبق إعفاؤهم من مناصبهم ضمن لائحة الإعفاء التي أصدرتها رئاسة الوزراء.
وقال الحمامي، في بيان، إن «المثير للدهشة أن قرار مجلس الوزراء الذي تضمن قائمة بـ61 مديراً عاماً، شمل بعض المديرين الذين حصلوا على الإعفاء منذ مدة طويلة بناءً على رغبتهم».
وأضاف أنه «من غير المعقول أن يأتي ذكرهم في هذه القائمة، على اعتبار أنهم غادروا مواقعهم بمحض إرادتهم منذ زمن بعيد».
وتابع أن «في القائمة كثيراً من المديرين الذين حصلوا مسبقاً على الإعفاء»، مشيراً إلى أن الحكومة تريد أن «توحي للرأي العام بأن الدولة العراقية قررت أن تتخلص الآن من 61 مديراً عاماً، والاستغناء عن خدماتهم في هذه المرحلة بذريعة الإصلاح الإداري المنشود».
من جهة أخرى، وفي إطار السعي القضائي لمحاربة الفساد، قرر مجلس القضاء الأعلى، أمس، تشكيل «محكمة جنايات مركزية لمكافحة الفساد» مهمتها النظر بقضايا المتهمين بالفساد من أصحاب المناصب. وجاء قرار المجلس، عقب اجتماع ضم رؤساء الأجهزة القضائية وقضاة النزاهة ومسؤولين في الحكومة، ضمنهم رئيس هيئة النزاهة «وكالة» صلاح نوري، ومدير عام الدائرة القانونية في مكتب رئيس الوزراء حسنين فؤاد، ومدير عام دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة كريم الغزي.
وذكر بيان رسمي لمجلس القضاء الأعلى أن «المجتمعين ناقشوا سبل وضع آلية جديدة لمكافحة الفساد وتشخيص أسباب الخلل في هذا الملف».
وأشار إلى أن المجتمعين شخصوا أسباب الفساد، ووجدوا أن «أحد أهم هذه الأسباب هو انشغال هيئة النزاهة والمحاكم المختصة بنظر عملها بقضايا بسيطة ينطبق عليها الوصف القانوني كقضية فساد حسب تعريف جريمة الفساد بموجب قانون هيئة النزاهة، لكنها كثيرة جداً، وأثرها على الوضع الاقتصادي غير ملموس، ومن ثم التأثير على حسم القضايا الكبيرة ذات التأثير الواضح على الاقتصاد الوطني».
وأشار البيان إلى أن مقترح تشكيل محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية، جاء كـ«علاج آنيّ لعلاج ظاهرة شيوع الفساد، لحين تعديل قانون هيئة النزاهة». من جانبه، يرى مصدر قضائي رفيع أن «المحكمة الجديدة لن تساهم في معالجة ملف الفساد، لأسباب كثيرة، منها ارتباطها بمجلس القضاء، المتهم هو الآخر بالفشل في محاربة الفساد».
وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «رئيس الوزراء يسعى إلى تأسيس محكمة جنائية خاصة ومستقلة، على غرار محكمة صدام ورموز النظام السابق، مهمتها محاكمة الفاسدين وعدم التهاون معهم، تكون جزءاً من المنظومة القضائية، دون أن تتبع مجلس القضاء أو غيره. فرئيس الوزراء يعتقد أنه لا حل لمكافحة الفساد إلا عبر محكمة متخصصة غير تابعة لأي جهة».
ويؤكد المصدر أن «أغلب، إن لم نقل جميع ملفات الفساد الكبرى، موجود في أدراج هيئة النزاهة والمؤسسات الرقابية الأخرى، لكن القضاء لم يحرك ساكناً حيالها، أو تعمد تجاهلها في مرات كثيرة، وقد حملته مرجعية النجف مسؤولية التقصير علناً بخطبتها قبل الأخيرة».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.