الصين في الأدبيات العربية... توثيق ببليوغرافي

من عام 1886 حتى منتصف 2019

الصين في الأدبيات العربية... توثيق ببليوغرافي
TT

الصين في الأدبيات العربية... توثيق ببليوغرافي

الصين في الأدبيات العربية... توثيق ببليوغرافي

> أول ما نُشر عن الصين كان في الجزء الثامن من السنة الرابعة من مجلة (المقتطف / يناير 1879)، بعنوان: «سكان الصين» وهي مادة إخبارية إعلامية، ويمكن عدّ هذا التاريخ بداية الكتابة باللغة العربية عن الصين
يوثق هذا الكتاب، الذي نُشر مؤخراً عن مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض في حدود 480 صفحة، والذي أعده الدكتور أمين سليمان سيدو ما كُتب عن الصين باللغة العربية ببليوغرافياً، من تأليف وترجمة وتعريبٍ، مما يعكس تطور العلاقات التاريخية في جميع المجالات بين العالم العربي بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص مع الصين. ومن المعروف تاريخياً أن الحضارة الصينية تُعدُّ واحدة من أعرق الحضارات في العالم، وشكلت إحدى أقدم المدنيات وأرقاها، وحافظت على هويتها ونقائها عبر القرون، وهذا ما شجع العرب على التواصل مع الصين، وتوطيد العلاقات التجارية معها من خلال الطريق التجاري الشهير المعروف باسم «طريق الحرير» الذي ربط بين الحضارتين العربية والصينية.
لقد اهتمت المصادر العربية بالصين في مختلف الجوانب، وشغلت مكانة كبيرة في كتابات العرب. ومن هنا، نتبين الجهد الذي بذله مركز البحوث والتواصل المعرفي في سبيل جمع هذه المعلومات وتوثيقها وتبويبها، من أجل مساعدة الباحثين على الوصول إلى المعلومات المستهدفة بسهولة ويُسرٍ.
وتعدُّ الأعمال الببليوغرافية اللبنات الأساسية لأنظمة التوثيق والتحكم بالمعرفة؛ التي لا سبيل إليها إلا عن طريق الببليوغرافيات التي تُعرِّف بالإنتاج الفكري وتربط بين دوائر المعرفة البشرية في كل زمان ومكان.
لهذا نرى أن الأعمال الببلوغرافية صاحبت جميع أنواع أصناف العلوم النظرية والتطبيقية، كما تحظى بعناية المؤسسات العلمية ودور النشر الكبرى في جميع دول العالم. وعلى المستوى العملي لا يمكن الاستغناء عن البحوث الببليوغرافية للتمهيد لأي عمل منهجي رصين؛ ولا شك أن إنتاج الببليوغرافيات ونشرها ليس أمراً ميسراً لأنها تعتمد على مقاييس صعبة ومُكلفة، منها الدقة والشمولية والانتظام، وهذه الصفات يصعب تحقيقها بسهولة.
ومن هنا، يمكن القول إن كثيراً من الباحثين يواجهون مشكلة مزمنة سببها ضعف الاتصال أو فقده بين الخبراء والمؤلفين في دوائر البحث العلمي والنشر.
وكانت القوائم الببليوغرافية من الأدوات المهمة التي فتحت آفاقاً جديدة أمام الفكر لممارسة نشاطه المعرفي، وتظل أداة مساندة للبحث العلمي إلى جانب الأدوات الأخرى كالكشافات والفهارس، وسواهما من الأدوات التي يلجأ إليها الدارسون للبحث عن الكتابات ذات الصلة بموضوع بحثهم، من فهرست ابن النديم إلى البيانات الوصفية المخزنة في قواعد المعلومات، من حيث تطور أساليبها ونظم تخزينها وحفظها واسترجاعها، ومواكبتها للمتغيرات التي طرأت على مختلف مجالات العلوم والفنون.
حيث تتيح الدراسات المعلوماتية لآداب الموضوعات المختلفة، أو قطاعات أو أعمال معينة منها وسيلة للاستكشاف العلمي لخصائصها الببليوغرافية، والتوصيف الإحصائي الكمي لها، والتقصي المنهجي لمقولاتها، ومن أهم أنواع هذه الدراسات البحوث الببليومترية التي يقع في نطاقها هذا العمل.
وتبرز أهمية هذا العمل من أنه ركز في توثيق الأعمال المنشورة باللغة العربية أو المترجمة إليها عن الصين، وتيسير الصعاب أمام الباحثين للوصول إليها، بطريقة علمية مقننة، وحلَّل هذه الأعمال بالاعتماد على الأساليب الببليومترية، والطرق الإحصائية للكشف عن جوانب القوة والضعف في الموضوعات المدروسة.
ويهدف هذا العمل إلى تحقيق عدد من الأهداف الآتية:
> الحصر الببليوغرافي للمواد المنشورة في الموضوع باللغة العربية، سواء في كتب مستقلة، أم مباحث من كتب، أم أطروحات علمية، أم بحوث منشورة في المجلات الدورية. ووصف السمات الأساسية للإنتاج الفكري المنشور؛ أو المترجم عن الصين إلى اللغة العربية، وتحليله، وتقويمه باستخدام الأساليب الببليومترية، والطرق الإحصائية.
> بيان الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الباحثين، والموازنة بينها؛ باستخدام الأساليب الببليومترية. والتعرف إلى أوعية المعلومات الدورية العربية التي اهتمت بنشر البحوث عن الصين.
> الضبط الببليوغرافي للمواد، والتجميع الموضوعي لها، وتنظيمها بطريقة علمية مقننة.
ويسعى هذا العمل إلى تحقيق أهدافه من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما حجم الإنتاج الفكري المنشور؛ أو المُعد في الكتب المستقلة، والأطروحات العلمية، والمجلات الدورية عن الصين باللغة العربية؟ وما أنماط أوعية المعلومات التي نُشر فيها الإنتاج الفكري عن الصين؟
وما الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الباحثين بشكل كبير؟ ومَنْ هم الكُتَّاب الذين برزوا في هذا المجال؟ وما حجم إسهاماتهم على خريطة التأليف والنشر والترجمة في نطاق العمل؟
والإجابة عن هذه الأسئلة ومثيلاتها هي ما يسعى هذا العمل إلى الإفصاح عنه، واستنباط الإيجابيات والسلبيات القائمة، والسعي إلى طرح حلول تفيد قضايا البحث العلمي، وتلبي رغبات الباحثين واحتياجاتهم.
أَمَّا الحدود الموضوعية لهذا العمل، فهو يحاول تغطية جميع الموضوعات المنشورة عن الصين باللغة العربية، أو ما تمَّ أعدادها ضمن الرسائل الجامعية. ومن ناحية الحدود المكانية، لم يقتصر العمل على أماكن أو دول أو مناطق محددة. وفيما يتعلق بالحدود الزمانية، يغطي العمل الفترة الزمنية من نَشر أول عمل استطاع الباحث رصده في القائمة الببليوغرافية، ويرجع إلى عام 1886م وحتى منتصف عام 2019م، وعن الحدود اللغوية يغطي هذا العمل، كما ذكرنا، الأعمال المنشورة عن الصين باللغة العربية أو المترجمة إليها فقط.
والمنهج الرئيس الذي استخدم في هذا العمل، هو المنهج الببليومتري التحليلي والوصفي في القياس، والتحليل الإحصائي المقارن للبيانات المجمَّعة عن المتغيرات الببليوغرافية المدروسة، وتوصيف خصائصها الببليوغرافية.
وأَمَّا بالنسبة إلى إعداد القائمة الببليوغرافية، فقد أعدت وفق منهج التحليل الببليوغرافي الاستنادي، فاعتمد رؤوس موضوعات مقننة، حسب قواعد الفهرسة الأنجلو – أميركية، كما روعيت قواعد الترتيب الألفبائي في متن العمل وفي المسارد الملحقة به.
وقد تمحور هذا الكتاب في ثلاثة أقسام رئيسية، إضافة إلى المقدمة. القسم الأول: الدراسة الببليومترية، وتناول التشتت الموضوعي، والتوزيع النوعي، وتوزيع الكُتَّاب، والتوزيع الزمني. والقسم الثاني: التوثيق الببليوغرافي، وهو رصد ببليوغرافي لما نُشر عن الصين باللغة العربية. والقسم الثالث: المسارد: مسرد بالموضوعات، ويشتمل على رؤوس الموضوعات المستخدمة في التوثيق الببليوغرافي، ومسرد بالأعلام، ويشتمل على أسماء المؤلفين والكُتّاب، وعناوين الكتب والأبحاث والمقالات، وأسماء الدوريات.
ومن خلال تحليل المعلومات المجمعة عن المتغيرات المدروسة تمَّ التوصل إلى النتائج المهمة الآتية:
> لُوحظ أن المملكة العربية السعودية تميزت بعلاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية مع الصين، وكانت في صدارة الدول العربية عامة، والخليجية خاصة في هذا المجال، إذ نُشر في هذا الحقل 30 مادة.
وتبيّن أنَّ أول ظهور لعمل نُشر في هذا الموضوع كان في الجزء الثامن من السنة الرابعة من مجلة «المقتطف» ( يناير/كانون الثاني 1879)، بعنوان: «سكان الصين»، وهي مادة إخبارية إعلامية، ويمكن عدّ هذا التاريخ بداية الكتابة باللغة العربية عن الصين.
يُذكر أنّ أول كتاب نُشر في الموضوع من واقع الضبط الببليوغرافي هو (كتاب قانون الصين) للباحث تنجي خافكدي، وقد طُبع في مطبعة مدرسة والدة عباس الأول في القاهرة عام 1906هـ. ولوحظ أن هناك أخطاءً في توثيق بعض المواد، ونقصاً في بعض بيانات الوصف الببليوغرافي لمواد أخرى.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.