الحقول المعرفية عند ابن قتيبة

روافدها المتشعبة في الأدب واللغة وعلوم القرآن

الحقول المعرفية عند ابن قتيبة
TT

الحقول المعرفية عند ابن قتيبة

الحقول المعرفية عند ابن قتيبة

عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، صدر أخيراً كتاب بعنوان «الحقول المعرفية عن ابن قتيبة... المنهج والقضايا»، من تأليف الزميل الباحث د. محمد حمدي درويش.
يكشف الكتاب الروافد الفكرية المتشعبة التي أسهمت في بلورة منهج ورؤية ابن قتيبة، كما يتتبع المحطات الرئيسية في فكره، باعتباره واحداً من أعلام الأدب والنقد والتأريخ الأدبي العربي، وهو صاحب «الشعر والشعراء».
الكتاب الذي يعنى بالكشف عن الحقول المعرفية عند ابن قتيبة، وعرض منهجه والقضايا التي تصدى لها في المجالات المعرفية المتعددة سواء بالتأليف أو البحث، يبدأ بتمهيد شمل الحديث عن العصر الذي عاش فيه ابن قتيبة راصداً أهم ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية في تلك الفترة، وتحدث كذلك عن سيرة ابن قتيبة، ثم عرض لمؤلفاته سواء المطبوعة أو المخطوطة، أو الضائعة أو المنسوبة إليه على وجه الخطأ.
يتكون الكتاب من أبواب ثلاثة؛ أولها باب عن ابن قتيبة والنقد الأدبي، وينقسم إلى فصلين: الأول يناقش المقاييس النقدية عند ابن قتيبة، فيما اهتم الفصل الثاني بعرض القضايا النقدية التي أثارها في مؤلفاته، لا سيما كتابه «الشعر والشعراء»، الذي يعد من أهم المراجع في هذا المجال، كما شملت علاقة الأدب والشعر بقضايا الدين والأخلاق، والطبع والتكلف، واللفظ والمعنى، ووحدة القصيدة، والقدم والحداثة، والتأثيرات المختلفة، وأخيراً قضية السرقة والانتحال.
يتوغل الباب الثاني، في جهود ابن قتيبة اللغوية، وحرصه على القيام بدور تعليمي دفعه للقيام به ما وجده من ضعف اللغة العربية عند الكثيرين من معاصريه. وينظر الباحث هنا في الجوانب الصوتية التي عرض لها، مثل «القلب - الإبدال - الإدغام - التخالف»، وعلاقتها في تكوين بنية الجملة أدبياً، وإنتاج الدلالة والمعنى، كما يتحدث عن منهجه في تناول الألفاظ، متخذاً من كتابيه؛ «تأويل مشكل القرآن»، و«أدب الكاتب» نموذجاً لمناقشة ذلك.
ويختص الباب الثالث، بتتبع جهود ابن قتيبة في الدراسات الإسلامية، بالأخص جهوده في تناول القضايا القرآنية التي عرض لها في مؤلفاته مثل قضية «نزول القرآن على سبعة أحرف»، والحكمة وراء ذلك، وقضية «المجاز في القرآن الكريم» ورأيه فيها، وأخيراً استعرض المؤلف ما قدمه ابن قتيبة للمفسرين والذين استرشدوا كثيراً بآرائه واستشهدوا بأقواله، ليخلوا إلى المعنى الإنساني في النص القرآني.
يُشار إلى أن «أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة» ولد سنة 213 هـ، بالكوفة وسكن بغداد، وقضى معظم حياته بها، وتوفي سنة 276. واتسم بغزارة التآليف، وكان من خير النماذج تمثيلاً لثقافة عصره، وتتمتع مؤلفاته بمنزلة كبيرة في فضاء التراث العربي، فيقول عنه كارل بروكلمان في دائرة المعارف الإسلامية: «الواقع أن مصنفات ابن قتيبة قد تناولت جميع معارف عصره»، ويقول رينولد نيكلسون: «إن كتب ابن قتيبة تعتبر من المؤلفات القيمة المنظمة التي تتناول موضوعات بذاتها». كما كان أهل الغرب والأندلس يقدرون كتبه تقديراً عظيماً ويعنون بدراستها وكانوا يُحِلُّونَه ومؤلفاته من نفوسهم أسمى محل. وقد ذكر ابن تيمية نقلاً عن كتاب «التحديث بمناقب الحديث» أن لابن قتيبة زهاء ثلاثمائة مصنف، وقال النووي: «وله مصنفات كثيرة جداً رأيت فهرسها ونسيت عددها، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم». وبجانب مؤلفاته الغزيرة يعد ابن قتيبة من أوائل المؤلفين الذين عنوا بوضع مقدمة لكل مؤلف من مؤلفاتهم تبين الغرض منه والدافع إلى تأليفه.
ويوضح الباحث أن مؤلفات ابن قتيبة منها ما هو موجود ومطبوع ومنها ما هو مخطوط، ومنها ما فُقد كما أن هناك كتباً منسوبة إليه. على رأس الكتب المطبوعة: «تأويل مشكل القرآن» و«تفسير غريب القرآن» و«تأويل مختلف الحديث» و«الشعر والشعراء» و«أدب الكاتب» و«عيون الأخبار»، ومن الكتب المخطوطة: «معجزات النبي صلى الله عليه وسلم» و«منتخب اللغة وتواريخ العرب»، وله العديد من الكتب المفقودة، منها: «آداب العشرة» و«آداب القراءة» و«إعراب القرآن» وغيرها، كما أن هناك من الكتب ما نسب له، من أشهرها: «الإمامة والسياسة» و«تلقين المتعلم من النحو».
ورغم إشكالية وحساسية الكثير من القضايا التي يرصدها الكتاب، فإنه يعرضها بسلاسة معرفية، محفزاً القارئ على أن يصبح طرفاً في النقاش حولها، مما يشير إلى وقوف المؤلف عليها وسبر أغوارها، وقد تم له ذلك من خلال محطاته العلمية، حيث حصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من كلية الآداب جامعة عين شمس عن رسالته «آيات الحيوان في القرآن الكريم - دراسة دلالية» عام 2007. كما حصل على الدكتوراه بتقدير مرتبة الشرف الأولى من الجامعة نفسها، عن رسالته «اتجاهات التأليف عند ابن قتيبة - دراسة في المنهج والقضايا» عام 2011.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.