رئيس الوزراء الإسباني يدعو إلى «مرحلة جديدة» في كاتالونيا قائمة على «الحوار»

برشلونة تفيق على تداعيات قرار المحكمة بسجن معظم قيادييها الانفصاليين

اندلعت الاحتجاجات أمس في إقليم كاتالونيا بعد صدور أحكام السجن بحق القادة الانفصاليين (أ.ف.ب)
اندلعت الاحتجاجات أمس في إقليم كاتالونيا بعد صدور أحكام السجن بحق القادة الانفصاليين (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء الإسباني يدعو إلى «مرحلة جديدة» في كاتالونيا قائمة على «الحوار»

اندلعت الاحتجاجات أمس في إقليم كاتالونيا بعد صدور أحكام السجن بحق القادة الانفصاليين (أ.ف.ب)
اندلعت الاحتجاجات أمس في إقليم كاتالونيا بعد صدور أحكام السجن بحق القادة الانفصاليين (أ.ف.ب)

قال رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز إن إسبانيا هي من الدول «الأكثر حرية» في العالم، مؤكداً أن ديمقراطيتها ترتكز على سيادة القانون. ودعا سانشيز إلى بدء «مرحلة جديدة» في كاتالونيا قائمة على «الحوار» مع صدور قرار المحكمة العليا الإسبانية بسجن القيادات الانفصالية. وقال في خطاب: «لا أحد فوق القانون» و«لم يحاكم أحد بسبب أفكاره».
بعد 8 سنوات من التعبئة المتواصلة التي سخرت لها القوى الانفصالية في كاتالونيا كل المؤسسات السياسية والأكاديمية والإعلامية التي تقع تحت سيطرتها، وبعد المحاولة الفاشلة التي قامت بها هذه القوى في خريف عام 2017 من أجل إعلان الاستقلال وانتهت باعتقال معظم قيادات الحركة الانفصالية وفرار بعضهم إلى الخارج، طوت المحكمة العليا الإسبانية أول من أمس (الاثنين)، الصفحة القضائية في أخطر الأزمات التي عرفتها إسبانيا منذ عودة النظام الديمقراطي أواخر سبعينات القرن الماضي. وأفاقت برشلونة أمس على تداعيات محدودة للقرار الذي صدر عن المحكمة ويقضي بسجن معظم القيادات الانفصالية فترات تتراوح بين 9 سنوات و13 سنة بتهمة التحريض على العصيان وسوء التصرّف بالمال العام، إضافة إلى إصدار مذكّرة توقيف أوروبية ودولية جديدة بحق الرئيس السابق للحكومة الإقليمية في كاتالونيا كارليس بوتشيمون الذي فرّ إلى بلجيكا في عام 2017 هرباً من الملاحقات القضائية. وبوتشيمون يعدّ اللاعب الأساسي في محاولة الانفصال.
ولم يسمح القضاء الألماني بترحيل بوتشيمون لإسبانيا لمحاكمته بتهمة التمرد التي قد تصل عقوبتها إلى 25 عاماً في السجن. لكن سمح بترحيله فقط لمحاكمته بتهم اختلاس الأموال العامة. ورفض القضاء البلجيكي من جهته أيضاً الالتزام بمذكرة التوقيف الأوروبية. وفي يوليو (تموز) 2018، سحب القاضي لارينا مذكرة توقيف دولية بحق بوتشيمون وانفصاليين آخرين غادروا إسبانيا بعد قرار من القضاء الألماني لصالح الرئيس الكاتالوني السابق الذي أوقف قبل أشهر من ذلك في ألمانيا. ودانت المحكمة العليا الإسبانية الاثنين، نائب الرئيس الكاتالوني السابق أوريول خونكيراس بالتهم نفسها، وحكمت عليه بالسجن 13 عاماً، كما أصدرت أحكاماً بالسجن بحق قياديين انفصاليين آخرين.
وقال بوتشيمون في بيان عقب صدور الحكم: «إجمالي مائة سنة من السجن. إنها بربرية».
وكتب على «تويتر»: «الأحكام جميعها تساوي 100 عام في السجن. هذا أمر شائن (...) حان وقت الرد كما لم نفعل أبداً من أجل مستقبل أولادنا ومن أجل الديمقراطية وأوروبا وكاتالونيا».
وأدان خلفه، رئيس كاتالونيا الحالي كيم تورا، الحكم ووصفه بأنه «غير قانوني وغير ديمقراطي». كان تورا قد تعهد في ذكرى إجراء الاستفتاء في أول أكتوبر (تشرين الأول)، باستمرار المعركة من أجل استقلال الإقليم. وقال خلال احتفال في برشلونة في ذلك الوقت: «سوف نواصل المضي قدماً، من دون أي أعذار، لتصبح جمهورية كاتالونيا حقيقة».
وخلال المحاكمة، تم استدعاء ما يقرب من 600 شاهد، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسباني السابق المحافظ ماريانو راخوي، الذي كان يتولى المنصب عندما تم إجراء الاستفتاء.
وكانت ردود الفعل الوحيدة التي أطلقت صفّارات الإنذار من احتمالات العودة إلى التصعيد الشعبي على نطاق واسع في الإقليم؛ إقدام متظاهرين على قطع المواصلات المؤدية إلى مطار برشلونة الذي أقفل لساعات، وخروج الآلاف إلى الساحات العامة، ورفع شعارات وإطلاق هتافات منددة بقرار المحكمة، وبعضها يدعو إلى «تحويل برشلونة إلى هونغ كونغ ثانية».
القوى الانفصالية من جهتها شدّدت على أن قرار المحكمة يتعارض مع المبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وممارسة الحقوق الأساسية، وأعلنت عزمها على تقديم طعن أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نظراً لكون الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في إسبانيا مبرمة لا يجوز الطعن فيها أمام أي محكمة إسبانية أخرى.
الأوساط القانونية الإسبانية تؤكد أن قرار المحكمة العليا «جاء خالياً من أي شائبة تحيّز أو انتقام»، وأنه «تطبيق دقيق لأحكام القانون الجنائي في حق القيادات الانفصالية التي انتهكت الشرعية الديمقراطية بهدف دفع الحكومة المركزية للقبول بإجراء استفتاء شعبي حول الحكم الذاتي في كاتالونيا، مهددة بإعلان الاستقلال من طرف واحد في حال عدم التجاوب مع طلبها».
لكن الجميع يدرك في إسبانيا أن قرار المحكمة العليا، أياً كانت مواقف الأطراف المعنيّة منه، ليس السبيل إلى حل هذه الأزمة التي هي سياسية في أساسها وجوهرها، وأن القضاء كان لا بد أن يقول كلمته في الأحداث التي رافقتها استناداً إلى أحكام القانون. وقد فنّدت حيثيّات القرار بوضوح أن ما صدر من قرارات عن البرلمان الإقليمي بإلغاء الدستور ونظام الحكم الذاتي وتعديل النظام الداخلي لتهميش المعارضة، لا علاقة له بحرية التعبير، وأن حق التظاهر لا يعني التمرّد على السلطة، وأن ممارسة الحقوق المدنية تتعارض مع الدعوة إلى إجراء استفتاء شعبي حول تقرير المصير مخالف للشرعيّتين الوطنية والدولية، والتهديد بإعلان الاستقلال استناداً إلى نتائجه المزعومة. ومما لا شك فيه أن القوى الانفصالية، التي خسرت كثيراً من زخمها في الفترة الأخيرة، تقف اليوم حائرة أمام المفاضلة بين ربط المخرج من الأزمة السياسية بمصير القياديين الذين قضت المحكمة بسجنهم، أو التسليم بأن مشروعها وصل إلى طريق مسدودة وأن القوى التي تقف وراءه ليست كافية لإيصاله إلى الهدف المنشود في الوقت الراهن. الجنوح نحو الخيار الأول من شأنه أن يوسّع هامش التحرّك أمام القوى المتطرّفة التي تعمل داخل الحركة الانفصالية، وسيؤدي حتماً إلى تعميق الشرخ الاجتماعي في كاتالونيا التي دفعت ثمناً باهظاً حتى الآن لهذه المغامرة التي استفاد منها كثيرون لتغطية فضائح الفساد السياسي والمالي وسوء الإدارة التي عانت منها المؤسسات الكاتالونية في السنوات العشر الماضية.
وحده الحوار السياسي يضمن لكاتالونيا، ولإسبانيا، الخروج من هذا المأزق الذي يشلّ حركة العمل السياسي ويعطّل عجلة النمو الاقتصادي التي كانت قد عادت إلى مسراها الطبيعي بعد تضحيات كبيرة في السنوات الأخيرة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».