انهيار هدنة «الوطني الحر» و«الاشتراكي»

TT

انهيار هدنة «الوطني الحر» و«الاشتراكي»

عاد التشنج والسجال المفتوح إلى العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» في لبنان، بعد هدنة هشة قصيرة الأمد بينهما بدأت في أغسطس (آب) الماضي، إثر لقاء رئيس الحزب وليد جنبلاط، رئيس الجمهورية ميشال عون، ثم اجتماع وزير الخارجية جبران باسيل بالنائب تيمور جنبلاط، ما أوحى بطي صفحة النزاع الذي اندلع على أثر حادثة قبرشمون التي وقعت أواخر يونيو (حزيران) الماضي.
وخلال احتفال «الوطني الحر»، الأحد الماضي، بذكرى «حرب التحرير» التي شهدت إخراج الجيش السوري قبل 29 عاماً، قائد الجيش اللبناني، آنذاك ميشال عون، من القصر الرئاسي، أطلق باسيل سهامه باتجاه جنبلاط وفريقه السياسي، واصفاً إياهم بـ«المخرّبين الذين يتطاولون علينا بحراك وتحرّكات». وقال: «ما ترونه اليوم هو مشهد مصغّر لما يمكن أن يكون لتتذكروا أننا تيار وطني حر، وكما الماء نحن، نجرفكم في لحظة لا تتوقعونها، إن بقيتم منتظرين عند حافة النهر مرور جثتنا».
ورد جنبلاط على باسيل، قائلاً: «تذكروا أنهم (النظام السوري) دخلوا على دم كمال جنبلاط، وخرجوا على دم رفيق الحريري. تزورون التاريخ وتحتقرون تضحياتكم وتضحياتنا. تنهبون البلاد وتدمرون (الطائف). تريدون تطويع الأمن - كل الأمن - لصالح أحقادكم إلى جانب الجيش. تستبيحون الإدارة على طريقة (البعث)، لكن تذكروا: أتى بكم الأجنبي وسيذهب بكم نهر الشعب».
وشكّلت المظاهرة التي دعت إليها «منظمة الشباب التقدمي»، مطلع الأسبوع، وشارك فيها نواب ووزراء وقياديون في «التقدمي الاشتراكي»، مناسبة للرد على مواقف باسيل، إذ شهدت مواقف عالية النبرة كرست استعادة السجال الذي كان قد هدأ لفترة بين الفريقين. كما انتقد نواب ووزراء «الاشتراكي» إعلان باسيل نيته زيارة دمشق قريباً، وأكدوا أن «أي زيارة من هذا النوع ستبقى محصورة بإطارها الفردي، ولن تؤدي إلى جر لبنان الرسمي لاستعادة العلاقات مع النظام السوري».
وحمّل عضو تكتل «لبنان القوي» آلان عون، «الاشتراكي»، مسؤولية «تحويل الموضوع إلى اختلاف مباشر بينهم وبين رئيس الجمهورية وفريقه في وقت اعتبرنا أننا تخطّينا حادثة قبرشمون، وأعدنا العلاقة إلى حالة هدنة». ورجح «أن يكون توقيت التصعيد مرتبطاً بحسابات، ليست فقط داخلية، ولكن أيضاً إقليمية تشهد تطوّرات كثيرة؛ خصوصاً أن (الحزب الاشتراكي) يضع نفسه في مقدمة محور ومواجهة بعد أن تخلى الرئيس الحريري عن هذا الموقع، وانخرط في التسوية مع (التيار الوطني الحر) و(حزب الله)، وابتعد عن المواجهات الإقليمية».
وقال عون لـ«الشرق الأوسط»، إن «رئيس الجمهورية باقٍ حتى آخر يوم من عهده، ولا شيء يمكنه أن يغيّر هذا الواقع»، رداً على دعوات رحيله التي رفعت خلال المظاهرة أول من أمس. وأضاف: «لكل فريق شارعه، ولا أحد يمكنه أن يلغي الآخر، فالأجدر بالجميع بدل السجالات فوق السطوح أن يتعاونوا داخل الحكومة وداخل مجلس النواب لأخذ الخطوات الإنقاذية اللازمة وإخراج البلد من الأزمة».
غير أن عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، أكد أن «(التقدمي الاشتراكي) لم يبادر إلى التصويب على العهد ومهاجمته، لكن نتيجة التعرض للصحافة وملاحقتها وتجاوز الأصول كما ملاحقة أصحاب الرأي الذي عبروا عن مواقفهم على وسائل التواصل الاجتماعي ما يوحي بأننا نتجه إلى دولة بوليسية، كان لا بد من رفع الصوت». وقال أبو الحسن لـ«الشرق الأوسط»: «سبق المظاهرة التي دعونا إليها إعلان باسيل رغبته زيارة سوريا ليضرب بذلك عرض الحائط موقف الحكومة اللبنانية. لذلك ارتأينا أن تكون المسيرة جرس إنذار لكل من تسول له نفسه التعدي على الحريات والمس بمصالح اللبنانيين». وأشار إلى أن «الخطوات اللاحقة التي سيقوم بها الحزب مرهونة بمجريات الأمور، فإذا رأينا أننا نتجه أكثر فأكثر إلى الهاوية، عندها سنرفع وتيرة المواجهة، وسيكون لكل حادث حديث».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.