حرائق غير مسبوقة تلتهم غابات لبنان ومسؤول سابق يوضح أسبابها

النيران المستعرة في إحدى غابات الدامور جنوب العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
النيران المستعرة في إحدى غابات الدامور جنوب العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
TT

حرائق غير مسبوقة تلتهم غابات لبنان ومسؤول سابق يوضح أسبابها

النيران المستعرة في إحدى غابات الدامور جنوب العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
النيران المستعرة في إحدى غابات الدامور جنوب العاصمة بيروت (أ.ف.ب)

استفاق اللبنانيون، صباح اليوم (الثلاثاء)، على مشاهد مرعبة لنيران الحرائق تلتهم جزءاً كبيراً من الأحراج والغابات في مناطق متعددة؛ أبرزها بلدتَا المشرف والدامور في قضاء الشوف التابع لمحافظة جبل لبنان. وتزامن اندلاع الحرائق مع ارتفاع في درجات الحرارة والرياح الشديدة التي شهدتها البلاد في اليومين الماضيين.
واجتاحت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو مرعبة للنيران التي أتت على مساحات واسعة مزروعة بالأشجار، وحاصرت مدنيين في منازلهم، فيما حل هاشتاغ «لبنان يحترق» ثانياً بين الأكثر تداولاً عالمياً على موقع تويتر.
وقال المدير السابق للدفاع المدني العميد المتقاعد درويش حبيقة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن في هذه الفترة من السنة، الممتدة بين شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، تكثر الحرائق بالعادة في لبنان، نظراً لتحول الطقس إلى خريفي رطب. وأوضح: «في شهر سبتمبر، تبتل أوراق الأشجار بسبب الرطوبة بالجو، ومن ثم تضرب الشمس بقوة الغابات، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث مادة (الميثان) أو (سي إتش 4)، وهي مادة سريعة اللهب».
https://twitter.com/LbciLebanon/status/1184093960458907649
وتابع حبيقة: «يؤدي أي تفاعل للسجائر أو مواد حارقة مع هذه المادة لاندلاع حرائق هائلة مثل تلك التي نشهدها اليوم، خصوصاً إذا كانت درجات الحرارة تتخطى الثلاثين درجة، بوجود رياح شديدة السرعة».
لكن بالوقت نفسه، أشار المسؤول اللبناني السابق إلى أنه من 90 إلى 95 في المائة من الحرائق الكبيرة تكون بالعادة، إما مفتعلة، أو سببها إهمال بمكان معيَن، أي أنها قد تكون من صنع البشر.
وقال حبيقة إن لبنان عادة ما يشهد بين 20 و22 ألف حريق بالسنة الواحدة: «إلا أن حريق اليوم ليس كأي شيء رأيناه من قبل». وأضاف: «بين عام 2005 و2008، شهدنا عدداً من الحرائق التي كانت ضخمة نوعاً ما، منها حريق بمنطقة الدبية بالشوف وآخر في الضنية بشمال لبنان. إلا أن ما نشهده الآن يعد أقوى وأضخم الحرائق منذ زمن».
وندد حبيقة بعدم وجود أموال كافية لتجهيز الدفاع المدني اللبناني بالآليات والعتاد الكافية، التي تخوله مواجهة أي حريق، مضيفاً أن موظفي الدفاع المدني يعملون من دون مقابل منذ عام 1995 وحتى يومنا هذا.
وأشار حبيقة إلى أن لبنان يتضمن 2701 بلدة، ومن المفترض أن يكون هناك مركز مجهز يضم 24 عنصراً في كل 6 بلدات، إلا أن هذا الأمر ليس مؤمناً في لبنان، الأمر الذي يؤثر على خدمة التصدي للحرائق بشكل كبير.
وانتشر على موقع «تويتر»، هاشتاغ بعنوان «لبنان يحترق» نشر عبره اللبنانيون صوراً وفيديوهات تظهر حجم الدمار، كل من محيطه. وتطرق المغردون، من خلال منشوراتهم، إلى الإهمال الحاصل فيما يخص عدم إخماد الحرائق في العديد من المناطق، وعبروا عن استيائهم من فقدان مساحات خضراء شاسعة في قراهم ومدنهم، ومن عجز السلطات اللبنانية عن السيطرة على الحرائق في ظل إمكانات محدودة.
واندلعت نحو 103 حرائق في مناطق لبنانية عدة، وفق ما نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» عن المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار.
بدوره، أكد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، اليوم، أن لا أضرار بشرية حتى الآن جراء عشرات الحرائق في مناطق مختلفة من البلاد.
ونقلت «الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية»، اليوم، عن الحريري قوله إنه إذا كان الحريق مفتعلاً، فهناك من سيدفع الثمن، ولا أضرار جسدية حتى الساعة والأضرار المادية سنعوضها. وأضاف أن «كل الأجهزة تعمل من دون استثناء، ولا بد من فتح تحقيق في ملابسات الحرائق وأسبابها». وتابع: «اتصلنا بالأوروبيين، ومن المفترض أن تصلنا وسائل للمساعدة خلال 4 ساعات، ونشكر كل الأجهزة على جهودها».
وتابع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، منذ ليل أمس (الاثنين)، اتساع رقعة الحرائق، وتلقي تقارير حول الأضرار التي لحقت بعدد من الأحراج والمباني والمنازل. وأعطى توجيهاته لوضع كل الإمكانات في تصرف الفرق التي تتولى عمليات الإطفاء، منوهاً بالجهود التي يبذلها رجال الدفاع المدني والإطفاء لمكافحة الحرائق، بدعم من القوى البرية والجوية في الجيش.
وأوعز عون إلى المعنيين وجوب تقديم مساعدات عاجلة إلى المواطنين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم المحاصرة بالنار، وتقديم الإسعافات اللازمة ومعالجة المصابين من السكان أو من الذين يكافحون النيران.
وطلب رئيس الجمهورية التحقيق في الأسباب التي أدت إلى توقف طائرات «سيكورسكي» الخاصة بالإنقاذ وإطفاء الحرائق عن العمل منذ سنوات. كما طلب إجراء كشف سريع على الطائرات الثلاث لتأمين قطع الغيار اللازمة لها تمهيداً لإعادة تشغيلها.
وتركّزت الحرائق التي لم تتمكن فرق الدفاع المدني من إخمادها طيلة الليل، في منطقة الشوف وإقليم الخروب جنوب بيروت، بشكل خاص. وتوسعت رقعة النيران بفعل سرعة الرياح الساخنة، وفق الوكالة.
ولقي مدني مصرعه، على الأقل، في منطقة الشوف أثناء تطوعه لمساعدة فرق الإطفاء على إخماد حريق، وفق ما أعلنت عائلته.
وفي منطقة المشرف بجنوب بيروت، لم تتمكن فرق الإطفاء والأجهزة المعنية من إخماد حريق مستمر منذ يومين. وأتت النيران على أربع منازل، وأحرقتها بالكامل. وأخلى سكان منازلهم «جراء شدة الاختناق التي طالت العشرات»، وفق الوكالة.
وغطت سحب الدخان جراء الحرائق مداخل بيروت والشوف وصيدا جنوباً.
وأعلنت وزيرة الداخلية ريا الحسن، بعد اجتماع لجنة إدارة الكوارث، اليوم، أن «اليونان استجابت لطلبنا، وستوفد طائرتين للمساعدة».
وذكرت وزارة الخارجية القبرصية، في تغريدة على موقع «تويتر»، أن «طائرتين تابعتين لمديرية حرائق الغابات توجهتا إلى لبنان استجابة لطلب عاجل للمساعدة في مكافحة حرائق الغابات».



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».