السعودية وروسيا تبحثان مشروع دخول القارة الأفريقية بالإنتاج الزراعي

وزيرا الزراعة ورئيسا شركتَي استثمار يتداولون فرص التكامل في الأسمدة والعمليات النهائية

وزير الزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي
وزير الزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي
TT

السعودية وروسيا تبحثان مشروع دخول القارة الأفريقية بالإنتاج الزراعي

وزير الزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي
وزير الزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي

أبدت وزارتا الزراعة وشركتا استثمار في السعودية وروسيا، أمس، رغبة صريحة في التعاون في الاستثمار الزراعي للدخول إلى القارة الأفريقية؛ إذ أكد مسؤولون زراعيون سعوديون وروس، رفيعو المستوى، على أن الفرصة متاحة لوسائل الإنتاج الزراعي المتقدم عبر الشراكة بين البلدين للضلوع في مشروع يمكّن من التكامل ودخول الأسواق الأفريقية بالمنتجات الزراعية ومتعلقاتها.
وأكد وزير الزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، أمس، أن موقع المملكة استراتيجي وقابل لتنفيذ هكذا مشاريع، مشدداً على أن جزءاً من الرؤية الاستراتيجية للمملكة هي زيادة قيمة مضافة للمنتج والخدمة، وأن تعود الفائدة على كل أصحاب العلاقة والاستفادة من المزايا النسبية للمملكة.
ولفت الفضلي إلى أن الفرصة متاحة لأن تتم عملية الزراعة خارجياً، في حين تستقبل المملكة تلك السلع الزراعية وتقوم بعملية الإنتاج وإعادة التصدير، أي أن السلع الزراعية تبدأ من روسيا وتنتهي في السعودية ثم تذهب إلى الأسواق الخارجية، كأفريقيا مثلاً.
في مقابل ذلك، كشف وزير الزراعة الروسي دمتري باتروشيف، خلال مشاركته وزير الزراعة السعودي، أمس، جلسة في المنتدى السعودي - الروسي للرؤساء التنفيذيين، عن رغبة بلاده في جذب الاستثمارات السعودية في مجال الزراعة الواسع الذي يشمل أنشطة كثيرة، منها اللحوم، والألبان والسلع الغذائية، ومنتجات الخضراوات والفواكه والإنتاج الحيواني.
وأفصح باتروشيف عن أن لدى روسيا مساحات أراض جاهزة للاستثمار الزراعي، كما تتواجد بها شركات مؤهلة ومحترفة في الاستثمار بالأنشطة الزراعية؛ إذ نجحت في توفير نسبة عالية من الأمن الغذائي في البلاد، مفيداً بأن مستوى الاستثمار الزراعي متقدم في روسيا وحققت الشركات والمزارعون نجاحات ملموسة على صعيد المحافظة على خصوبة الأراضي وتطوير الأسمدة؛ مما يعطي قوة للبحث عن مزيد من الاكتشاف الاستثماري المشترك.
وزاد باتروشيف، أن الصندوق السيادي الروسي سيمكن من تعزيز التوجهات إلى الاستفادة من هذا النشاط المهم في توظيف رؤوس أموال، مضيفاً بالقول: «نؤكد استعدادنا التام لأي توجه وتعاون مشترك في الاستثمار الزراعي».
من ناحيته، أكد آندريه جورين، رئيس شركة الأسمدة الروسية، أن روسيا حققت تقدماً ملموساً في صناعات الأسمدة؛ مما جعلها تصطف ثانياً بعد الصين في هذا المجال، وبخاصة عبر استخدام التقنيات المبتكرة في إنتاج الأسمدة، لافتاً إلى أن السعودية وروسيا يمكن أن يشكّلا قوة إنتاجية جبارة في حال التعاون في هذا المجال، ستمكن من تقديم منتجات ذات جودة عالية تخترق أسواق العالم، ولا سيما أن المنتجات الحالية هي صديقة للبيئة 100 في المائة.
وأضاف جورين، أن البلدين يمكن أن يقيما أكبر مشروع في العالم ضد الحرب والجوع من خلال منتجات الأسمدة والزراعة الصديقة للبيئة ذات الجودة العالية المحافظة على التربة وتطيل عمر الخصوبة للاستزراع، مشيراً إلى أن العمل جار على مشروع مشترك وحيد بين الطرفين في وقت يتطلعون فيه إلى اتفاقيات متعددة لتحقيق الأهداف المرجوة.
من جهته، يلفت خالد العبودي، العضو المنتدب للشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) - شركة حكومية تعمل ذراعاً استثمارية في القطاع الزراعي والأمن الغذائي - إلى أن من بين الأهداف التي يتطلعون إليها هو العمل مع الجانب الروسي من خلال الشركات والجهات المختصة في القطاع الزراعي والغذائي، موضحاً أن القارة الأفريقية إحدى الوجهات التي يمكن الاستفادة منها بوضوح في المشاريع المشتركة.
وأبان العبودي بأن ترتيب السعودية في الأمن الغذائي متقدم على روسيا، حيث تحتل المملكة المرتبة الـ32 بينما تأتي روسيا البيضاء في الترتيب الـ42 من أصل 113 دولة، مشيراً إلى أنه رغم توافر الإمكانات والقدرات في روسيا، فإن هناك الكثير لتحسين الظروف هناك، بينها العامل اللوجيستي وسلاسل الإمدادات.
وزاد العبودي، أن «سالك» ليست مقصورة على الاستثمار في الأراضي الزراعية، بل تتجاوز ذلك إلى سياقات استثمارية أخرى، منها الأسمدة وسلاسل الإمداد والمواد الكيمائية ذات العلاقة وعمليات الإنتاج، مبيناً أن هناك رغبة لدى روسيا في حل الكثير من المشكلات ودعم القطاع الخاص وتطويره.
وأضاف: «لدينا قائمة مشاريع في داخل روسيا مع شركات خاصة ننظر فيها، لكننا نستهدف بالتنسيق مع وزارة الزراعة الروسية العمل على الأراضي القابلة للاستصلاح، كما نبحث عن الشركاء المؤهلين ليستثمروا معنا، كما لا بد أن نفهم بعضنا بعضاً أكثر»، مفصحاً أنه سيكون هناك استثمار مشترك واحد على الأقل سيتم الاتفاق عليه قبل نهاية العام الحالي.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.