مصير مجهول ينتظر الإدارة الذاتية وقيادي كردي يطلب «الحماية» من الأميركيين

في اجتماع ببلدة عين عيسى الواقعة شمال مدينة الرقة، وعلى مقربة من الضربات الجوية وتوغل الجنود الأتراك وفصائل سوريا مسلحة، عقد مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، والسفير ويليام روباك مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سوريا اجتماعاً مقتضباً.
في بداية حديثه، قال عبدي للسفير الأميركي: «لقد تنازلتَ عنا. أنت تتركنا لنذبح. أنت لستَ على استعداد لحماية الناس، كما لا تريد أن تأتي قوة أخرى لحمايتنا؛ لقد بعتنا وهذا غير أخلاقي».
وبحسب مصادر ميدانية مطلعة، وقبل لقاء روباك بعبدي، صدرت تعليمات من قيادة غرفة التحالف الدولي في سوريا بسحب جميع الجنود الأميركيين المتمركزين في نواحي بلدة عين عيسى، التي تضم مخيماً لعائلات وأسر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، إلى جانب مقرات وهيئات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الأمر الذي أغضب مسؤولين أكراداً وقادة الإدارة، وطلب عبدي من ضيفه روباك معرفة ما إذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على حماية شعوب ومكونات المنطقة وإيقاف الضربات التركية، وقال: «أريد أن أعرف لأنه إذا لم تكن كذلك، فأنا بحاجة إلى عقد صفقة مع روسيا والنظام الآن، ودعوة طائراتهم لحماية هذه المنطقة»، بحسب محضر الاجتماع الذي نشرته شبكة «سي إن إن» الأميركية يوم أمس.
واليوم، يواجه أكراد سوريا ومكونات شمال شرقي سوريا من عرب وسريان وأرمن وتركمان، هجوماً عسكرياً من قبل تركيا وفصائل سورية مسلحة موالية لها، لإنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً داخل سوريا لحماية حدودها من الوحدات الكردية من جهة، وإعادة توطين أكثر من مليوني لاجئ سوري يقيمون في تركيا هناك من جهة ثانية، لكن «قوات سوريا الديمقراطية» أعلنت أنها ستدافع عن أراضيها بأي ثمن، وكل قدراتها العسكرية، ويبدو أن مصير الإدارة الذاتية والمناطق الخاضعة لسيطرتها رهن التطورات الميدانية والعسكرية الجارية منذ يوم الأربعاء الماضي. فبعد عقود من التهميش والحرمان، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال البلاد، خصوصاً بعد انسحاب القوات النظامية الموالية للأسد من مناطقهم، نهاية عام 2012. وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية في أربع محافظات سوريا، وهي حلب والحسكة والرقة ودير الزور تُقدّر مساحتها بثلث مساحة سوريا، وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات إدارية وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية إلى جانب العربية والسريانية.
إلا أنّ تركيا ضغطت مراراً على الولايات المتحدة الأميركية لإنشاء «منطقة آمنة» على حدودها الجنوبية، تضمّ مدناً وبلدات كردية وأخرى عربية تمتد على مسافة 460 كيلومتراً، وبدأت هجومها بالتاسع من الشهر الحالي، الذي دفع نحو مائتي ألف شخص للنزوح إلى المناطق الداخلية، وفق تقديرات الأمم المتحدة، بعد قرار واشنطن سحب عشرات من جنودها من نقاط حدودية وكأنه ضوء أخضر أميركي لتركيا.
وتسعى القوات التركية والفصائل السورية المسلحة إلى انتزاع مدينتي تل أبيض وراس العين الحدوديتين، لفرض شريط عازل يفصل الربط الجغرافي لمناطق الإدارة الذاتية، فالأولى تتبع محافظة الحسكة شمال شرق، بينما تتبع الثانية محافظة الرقة شمالاً، وبحسب مصادر ميدانية، فشلت القوات التركية وحلفاؤها في فرض السيطرة على راس العين، بينما تتواتر الأنباء عن السيطرة على تل أبيض، ولهذه السيطرة أهمية استراتيجية في فرز واقع مختلف، وستعيد رسم حدود ومناطق التماس لهذه القوى المتحاربة على الأراضي السورية منذ أكثر من ثماني سنوات.
وانتزاع تل أبيض يعزل مدينة عين العرب أو «كوباني»، بحسب تسميتها الكردية، عن باقي مناطق الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، إضافة إلى بقاء مصير مدينة منبج، غرب نهر الفرات الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» مجهولاً، وسط تهديدات تركية بشن هجوم واسع في حال لم تنسحب «وحدات حماية الشعب» الكردية منها، والأخيرة أعلنت، في أكثر من مناسبة، انسحابها بالكامل.
ومنذ بدء الهجوم، الأسبوع الماضي، وضعت تركيا والفصائل السورية نصب عينها رأس العين، وأزالت أجزاء من الكتل الإسمنتية، مقابل قرية علوك شرق المدينة، وبلدة تل حلف غربها، بهدف فصلها عن عمقها الكردي، وجعل مناطق الإدارة عبارة عن جزر ومناطق جغرافية منفصلة، ومنعزلة بعضها عن بعض.
وتقول «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تحتجز أكثر من 11 ألف متطرف في مناطق الإدارة شمال شرقي سوريا، يُشتبه في أنهم أعضاء بتنظيم «داعش» المتشدّد، محتجزون في 7 سجون، من بينهم ألف سجين يتحدرون من 50 جنسية غربية وعربية، ومراكز الاحتجاز قريبة من مناطق الاشتباكات ومرشحة للهجمات.
كما تحتجز القوات عائلات أعضاء التنظيم في ثلاثة مخيمات للنازحين وهي: «كامب روج» يقع في مدينة المالكية أو ديريك، و«كامب عين عيسى» و«مخيم الهول» بريف الحسكة الجنوبي، والأخير يُعدّ أكبر المخيمات من نوعه حتى الآن في سوريا، حيث يبلغ تعداد قاطنيه أكثر من 68 ألف نسمة، ويبعد نحو 60 كيلومتراً عن الحدود التركية، وبالتالي لن يكون ضمن المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها، وأكثر من 90 في المائة من سكانه من النساء والأطفال، من بينهم 11 ألفاً من الأجانب.
وذكرت الإدارة الذاتية في بيان نشر على حسابها، أمس، أن القصف القريب من مخيم عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة «يشكل دعماً لإعادة إحياء تنظيم (داعش) مجدداً»، وذكر قيادي عسكري في «قوات سوريا الديمقراطية»، مروان قامشلو، أن حراسة المخيم ضعفت بالفعل بسبب إعادة نشر القوات على الخطوط الأمامية لصد الهجوم التركي، وقال: «الحراسة ضعيفة جدّاً الآن، يوجد حالياً ما يتراوح بين 60 و70 فقط من أفراد قوات الأمن في المخيم، مقارنة بمستويات الحراسة العادية التي كانت لا تقل عن 700 فرد».
وقالت الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد إن قرابة 200 ألف شخص نزحوا بسبب القتال حتى الآن، فيما أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من 130 ألف شخص نزحوا من مناطق ريفية في محيط مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين بشمال شرقي سوريا نتيجة للقتال.