المأزق الصحافي في الهند... تراجع الحريات رغم ازدياد المطبوعات والقنوات

{مراسلون بلا حدود}: الاستعانة بالملاحقات القضائية لتكميم أفواه الصحافيين

أكثر من 100 مليون نسخة تطبع يومياً من حوالي 82 ألف جريدة في الهند
أكثر من 100 مليون نسخة تطبع يومياً من حوالي 82 ألف جريدة في الهند
TT

المأزق الصحافي في الهند... تراجع الحريات رغم ازدياد المطبوعات والقنوات

أكثر من 100 مليون نسخة تطبع يومياً من حوالي 82 ألف جريدة في الهند
أكثر من 100 مليون نسخة تطبع يومياً من حوالي 82 ألف جريدة في الهند

تعد الهند من أخطر البلدان التي يعمل بها الصحافيون، لا سيما مع مقتل 24 صحافياً خلال العامين الماضيين هناك. وأوضحت منظمة «مراسلون بلا حدود»، في تقريرها السنوي حول حرية التعبير في جميع أنحاء العالم، مدى تدهور حرية الصحافة في الهند، إذ هبط مركز الهند في الترتيب العام بمقدار درجتين، من المركز 136 في عام 2017 إلى المركز 138 في عام 2018، فيما يتعلق بمستوى الاستقلال الذي تحظى به الصحافة في البلاد. ويصف التقرير الهند بأنها واحدة من أخطر البلدان لعمل الصحافيين.
وفقدت الهند 4 صحافيين، وهم: براديب ماندال (رئيس تحرير إحدى المجلات)، ونيتياناند باندي، وأناند نارايان، وجاغيندر سينغ، في عام 2019. وهناك 6 صحافيين آخرين فُقدوا خلال العام الماضي، وهم: نافين نيشال، وفيجاي سينغ، وسانديب شارما، وسيد شوجات بخاري، وآشيوتا ساهو، وتشاندان تيواري.
ومع ذلك، كان عام 2017 هو أسوأ الأعوام كلها، من حيث حوادث مقتل الصحافيين في الهند، حيث بلغ عددهم 12 صحافياً، إما تعرضوا للاغتيال المباشر أو لقوا حتفهم في ظروف غامضة. وهناك أكثر من 20 حالة أخرى من محاولات الاغتيال للصحافيين حتى يوليو (تموز) من العام الحالي. وكان أغلب الصحافيين يستهدفون جراء تقاريرهم الصحافية الجريئة عن الفساد المحلي والجرائم والسياسات خارج المناطق الحضرية الرئيسية.
وبعض من حوادث القتل المريعة تتعلق بصحيفة «رايزيغ كشمير»، ومقرها إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، ورئيس تحريرها شوجات بخاري الذي دفع حياته ثمن التزامه بمبادئ الصحافة النزيهة الموضوعية. وتعرض شوجات بخاري للقتل رمياً بالرصاص خارج مكتبه في الصيف الماضي. وقالت الشرطة إن المهاجمين أمطروه بوابل من الرصاص قبل فرارهم، وإنهم عثروا في جثته على ما لا يقل عن 15 رصاصة.
وقبل عام من مقتل شوجات بخاري، لقيت غاوري لانكيش، الصحافية المحررة المخضرمة، مصرعها رمياً بالرصاص في مدينة بنغالور. وكانت غاوري لانكيش قد اشتهرت بانتقاداتها اللاذعة للتطرف اليميني الديني والسياسي ولأعمال العنف الطائفية في صحيفتها المحلية الأسبوعية المعروفة باسم «باتريك»، الصادرة بلهجة الكانادا المحلية.
هذا، وكان الصحافي الاستقصائي سانديب شارما قد لقي مصرعه دهساً تحت عجلات إحدى الشاحنات. وكان الصحافي براجيش كومار سينغ، البالغ من العمر 35 عاماً، ينقل الأخبار حول التعدين غير القانوني للرمال في الولاية. كذلك لقي الصحافيان نافين نيشال وفيجاي سينغ، وكانا يعملان لدى صحيفة «داينيك بهاسكار» الهندية، مصرعهما إثر اصطدام سيارة مسرعة بدراجتهما البخارية.
وإلى جانب التهديد بالقتل وأعمال الترهيب «صار الصحافيون، وبصورة متزايدة، أهدافاً محتملة لحملات التشهير الممنهجة عبر الإنترنت التي ينظمها أكثر القوميين تطرفاً في البلاد، الذين يرهبون الصحافيين، ويهددونهم بالانتقام الجسدي. كما يستعان بالملاحقات القضائية كذلك في تكميم أفواه الصحافيين الذين يوجهون الانتقادات الشديدة ضد الأداء الحكومي في البلاد»، كما يقول مراسل منظمة «مراسلون بلا حدود».
وتمثل جرائم القتل المريعة أعراض المشكلة الأكبر، المتمثلة في إسكات أصوات الصحافيين بالقوة، بالإضافة إلى جرائم القتل المباشرة، والهجمات المتزايدة التي يتعرض لها مختلف الصحافيين في البلاد.
وبدوره، أبلغ وزير الداخلية الهندي برلمان البلاد بأنه خلال السنوات الأربع الماضية، تم تسجيل أكثر من 200 قضية ضد 140 مواطناً لقيامهم بالتعرض بالهجمات البدنية ضد الصحافيين.
وهناك أكثر من 100 مليون نسخة تجري طباعتها بصفة يومية من نحو 82 ألف جريدة ومجلة ودورية بمختلف اللغات، بما في ذلك الإنجليزية والهندوسية والأردية، في البلاد. كما تملك الهند 400 قناة فضائية إخبارية تمارس أعمالها بأكثر من 18 لغة مختلفة في دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 1.2 مليار نسمة.
وإلى جانب التهديدات المحدقة المتمثلة في الاغتيال، يواجه الصحافيون الهنود أيضاً مضايقات ممنهجة عبر الإنترنت، إن كتبوا بلهجة انتقادية عن الحكومة. وفي صورة أخرى من صور الاعتداء والإساءة إلى حرية الصحافة في البلاد، جرى استبعاد كثير من البرامج الحوارية والمناقشات العلنية من أوقات ذروة المشاهدة. وبالنسبة إلى المحررين والصحافيين الذين لا يروجون لسياسات الحزب الحاكم، فإنهم إما يلاقون الإقصاء والاستبعاد من الترقيات الصحافية أو يُطردون من أعمالهم بكل بساطة.
يروي الصحافي بونيا براسون باجباي، الذي أجبر على الاستقالة من شبكة «إيه بي بي» الإخبارية الهندية بسبب تقريره الصحافي الذي شكك فيه في مزاعم حكومة ناريندرا مودي بشأن برنامج الرعاية الاجتماعية للنساء الريفيات، وذلك في مقاله الأول المنشور على موقع «ذي واير»، كيف طلبت منه إدارة الشبكة الإخبارية مراراً وتكراراً التخلي تماماً عن ذكر رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أو نشر صورته الشخصية على الشاشة في أثناء تعرضه بالانتقاد إلى خططه وسياساته الحكومية. ويتذكر باجباي في المقالة محادثة هاتفية مع مسؤول من وزارة الإعلام والبث زعم أن هناك فريقاً من المراقبين يبلغ 200 رقابي يتابعون عن كثب المحتوى الرئيسي على القنوات الإخبارية في كل يوم. وقال المسؤول الوزاري للصحافي باجباي إنه قد جرى إعداد تقرير منفصل عن «تقريره الإخباري الرئيسي»، ويمكن أي يحدث أي شيء بعدما ذكرته وأوردته في تقريرك عن الحكومة.
وعندما لا يتعرض الصحافيون الهنود لأعمال العنف أو محاولات الاغتيال، فإنهم يلاقون بدلاً من ذلك حملات التشهير المدنية الضخمة، مثل ما حدث بقضية «ريلاينس غروب» ضد قناة «إن دي تي في» الإخبارية الهندية، التي تطالب المجموعة الهندية فيها بتعويض قدره 1.35 مليار دولار لقاء الأضرار التي لحقت بها من تقارير القناة الإخبارية عن انعدام الشفافية التي مارستها المجموعة في صفقة طائرات رافال الحربية الفرنسية بين المجموعة الهندية ونظيرتها الفرنسية.
وصدر القرار القضائي بمنع برانوي روي وزوجته رادهيكا، وهما مؤسسا قناة «إن دي تي في» الإخبارية، من مغادرة البلاد، حال انتظارهما السفر في مطار مومباي، وذلك قبل أيام قليلة من النظر في قضايا الفساد التي رفعها مكتب التحقيقات المركزية الهندي قبل عامين بحقهما.
وبعد فترة وجيزة من بعض التطورات في القضية، أعلنت قناة «إن دي تي في» الإخبارية، عبر صفحتها على «تويتر»، أن الأعمال العدائية القضائية والمدنية المتخذة ضد أصحاب القناة هي بمثابة رسالة تحذير وترهيب لبقية وسائل الإعلام العاملة في البلاد من أن ينتهجوا المسار نفسه.
وعلق الصحافي المخضرم رابي داس على الأمر قائلاً: «أشعر أن أجواء حالة الطوارئ لحقبة السبعينات باتت تتلمس سبيلها رجوعاً إلى الهند. كنت معارضاً محتجاً ضد حالة الطوارئ وقتذاك، وقامت الشرطة بمصادرة صحفنا المطبوعة. والمفارقة أن رئيس الوزراء الحالي وزملاءه في الحزب الحاكم يزعمون أنهم كانوا معارضين لحالة الطوارئ تلك مثلنا تماماً، فكيف يتسنى لهم اللجوء إلى الممارسات القمعية نفسها ضد الصحافة الآن؟».
وأكد الصحافي المخضرم مستطرداً: «إن المعاملة التي تعرض لها برانوي روي كانت بسبب أن قناته الإخبارية هي اللسان الوحيد المتحدث ضد سياسات الحكومة الحالية. فإن تمكنت الحكومة من إخماد ذلك الصوت وقطع ذلك اللسان بهذه الطريقة، فلن تجرؤ أي قناة إخبارية أخرى في أرجاء البلاد كافة على معارضة الحكومة في صغيرة أو كبيرة».
وقالت الصحافية الكبيرة بريا رانجان ساهو: «إن الأساليب التي تعمل بها وسائل الإعلام اليوم أسفرت عن استحواذ الشركات الكبرى ورؤوس الأموال عليها تماماً. والمجموعات الإعلامية التي لا تتحول إلى أبواق مذعنة لرغبات الحكومة تلقى المزيد من التشهير والإساءات البالغة على المستويات كافة».
وصدر قرار أخير من قبل وزارة المالية بحظر دخول الصحافيين والشخصيات الإعلامية المعتمدة إلى ديوان الوزارة من دون موافقة وتصريح مسبق، وهو ما أثار كثيراً من المخاوف في الأوساط الإعلامية، بشأن ما إذا كان نظام الاتصالات في البلاد يتجه بوتيرة بطيئة، ولكنها ثابتة، صوب تقييد وتنظيم الرقابة على تدفق المعلومات إلى المجال العام في الهند.
وأعربت منظمات إعلامية احترافية (مثل: نقابة المحررين الهندية، والجمعيات الصحافية، ونادي الصحافة الهندي، ورابطة الصحافيات الهنديات، ونادي المراسلين الأجانب في الهند) عن احتجاجها على القرار، وطالبت الحكومة بوقف إنفاذ القيود المفروضة أخيراً، لكن من غير المرجح لذلك أن يحدث، اعتباراً بدروس الماضي والتاريخ.
وفي واحدة من أولى قراراته، فور توليه مهام منصبه، توقف رئيس الوزراء الحالي عن متابعة التقليد الرسمي القديم في اصطحاب الشخصيات الإعلامية غير الرسمية في زياراته ورحلاته الرسمية الخارجية، وبالتالي يضمن تدفق المعلومات إلى المجال العام عبر المنافذ والقنوات الخاضعة بالكلية لهيمنة الحكومة، مثالاً بشبكة البث التلفزيوني «دوردارشان» و«إذاعة عموم الهند»، والوكالات الإخبارية التي تدور طائعة في فلك النظام الهندي الحاكم.



رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.