ضمن مساعي «هيئة الإذاعة البريطانية» لمواجهة المنافسة المتزايدة من «نتفليكس» وشركات الإنتاج الخاصة، فتحت الهيئة مجال المنافسة لجيل جديد من كُتّاب الحلقات التلفزيونية. واعتمدت الهيئة هذه المرة على الكفاءة والفكر الابتكاري كمعيار أساسي للاختيار. وكانت المفاجأة أن سبعة من مجموع ثمانية من المتفوقين الذين اعتمدتهم الهيئة للتدريب في أكاديمية الكتابة التلفزيونية التابعة لها هم من النساء، بينما نجح في الاختبار رجل واحد من الثمانية.
في الماضي كانت الشكوى النسائية هي أنهن لا يأخذن حظهن في مهنة الكتابة التلفزيونية التي كان يسيطر عليها الرجال. ولكن الوضع الآن اختلف تماماً، مع أغلبية نسائية في الأكاديمية. وتعتمد «بي بي سي» على الجيل الجديد من الكُتّاب في المشاركة في تأليف حلقات تلفزيونية والمشاركة في إضافة حلقات لمسلسلات قائمة فعلاً، وتبث منذ أكثر من ثلاثة عقود. ولم تعمد الهيئة البريطانية إلى نظام «الكوتا» أو تخصيص أماكن للسيدات، وإنما فتحت مجال المنافسة بلا قيود، وذلك بعد تفوق الجيل الحالي في إنتاج مسلسلات ناجحة مثل «لاين أوف ديوتي»، و«بودي غارد»، و«جنتلمان جاك». وربما كانت بعض الأعمال التي قامت بها نساء إلهاماً للجيل الجديد الذي نجح في الاختبارات.
ويشرف على أكاديمية «بي بي سي» المخرج جون يورك الذي قدم حلقات ناجحة من مسلسلات طويلة المدى مثل «إيست أندرز» و«ذا أرشرز». وقال يورك إنه اعتقد وقت ترشيح المتقدمين الجدد للأكاديمية هذا العام أن المتقدمين الناجحين سوف يكونون مناصفة بين الرجال والنساء، مع انحياز بسيط نحو الرجال، مثلما كان الحال في السنوات الماضية. ولكن المفاجأة هذا العام كانت أن الأغلبية من النساء.
وكان المعيار الوحيد للاختيار هو التفوُّق، وأثبتت النساء أنهن يتمتعن بالجدارة إذا أُعطين الفرصة المتكافئة بلا حاجة إلى «كوتا» أو معاملة مفضلة. وسوف يعمل الجيل الجديد على كتابة حلقات من مسلسلات ناجحة ومستمرة منذ فترات طويلة مثل «إيست أندرز» و«كاجوالتي». وسوف تمتد فترة التدريب المكثف إلى ثلاثة أشهر تحت إشراف كُتّاب خبراء في «هيئة الإذاعة البريطانية».
وتتيح الهيئة للمتدربين فرصة العمل والكسب مع شركات الإنتاج التلفزيوني الخاصة، مع أولوية الحصول على أعمال مطلوبة من جيل الكتّاب الجديد لمدة عامين. وتحاول «بي بي سي» أن تنتج المزيد من الأعمال المبتكرة التي تنافس بها شركات بث وتكنولوجيا جديدة، مثل «نتفليكس» و«أبل» و«أمازون».
وتهدف استوديوهات «بي بي سي» إلى الاستثمار في المهارات والمواهب الجديدة لإنتاج أعمال تلفزيونية بريطانية ضمن منظومة الأعمال العالمية التي تنتجها الشركات الدولية الأخرى. وتتيح هذه الأعمال فرصة إيرادات لـ«بي بي سي»، وفق حقوق البث عند عرضها على وسائط أخرى، مثل «نتفليكس».
وأثبتت كل المتقدمات الناجحات إلى أكاديمية «بي بي سي» جدارتهن في أعمال تلفزيونية قدمتها في مجالات مختلفة، بينما قال الناجح الوحيد توم باول إنه سعيد بالنجاح والالتحاق بنخبة موهوبة من النساء في الأكاديمية للمشاركة في بعض أفضل الأعمال التلفزيونية.
الاقتحام النسائي الجماعي لأكاديمية العمل التلفزيوني في «بي بي سي» الذي تحقق بالموهبة والإصرار، لم يكن عفوياً أو سهلاً، فالنساء كُنّ يعانين لعقود من التفرقة لصالح الرجال، التي اعتقد بعضهن أنها موروثة من حقبات ماضية، فاختيار كتابات تلفزيونية ظل يعتمد على الرجال خصوصاً هؤلاء الذين أثبتوا وجودهم بأعمال سابقة. وكان هذا التوجه يمنع دخول نساء جدد إلى المجال أو تطوير أعمالهن إلى الأفضل.
وفي الماضي، كتبت مجموعة مكونة من 70 من النساء العاملات في مجال الكتابة التلفزيونية خطابات مفتوحة لإدارة «بي بي سي» لفتح المجال لهن في مجالهن. وأضافت النساء إلى اللائحة المحرومة من الفرص الكتّاب من أصول عرقية من الأقليات السوداء أو الآسيوية خصوصاً في برامج الذروة التي كانت تقتصر على الكتّاب البيض من الرجال. وفي بريطانيا هناك أيضاً معضلة إضافية تواجه النساء في هذا المجال، وهي الطبقة الاجتماعية حيث تحرم الطبقات العاملة من الفرص التي تتاح إلى الطبقات العليا، أحياناً بغضّ النظر عن الموهبة.
وفي إحصاء صادر من جمعية الأدباء والكتاب البريطانية حول نشاط السنوات العشر الأخيرة صدر بعنوان «عدم المساواة الجنسية في الكتابة لأعمال الشاشة» كانت أهم النتائج:
> كانت نسبة الأعمال التلفزيونية التي كتبتها نساء خلال السنوات العشر الأخيرة 28 في المائة، وفي الأعمال التي تُبثّ وقت الذروة انخفضت النسبة إلى 14 في المائة.
> في كتابة سيناريو الأفلام واجهت النساء أيضاً ما يُسمى «السقف الزجاجي» حيث كانت ميزانيات أفلام الرجال أعلى وعدد الأفلام التي كتبتها نساء أقل.
> لا تقتصر التفرقة ضد النساء على كتابة السيناريو، وإنما أيضاً على جميع الوظائف التي تتطلب ابتكاراً. وتبين أسماء الفنانين الذين قاموا بالأعمال التلفزيونية وتكتب في نهاية الحلقات أن نسبة النساء كانت 32 في المائة فقط.
> لا تشجع طبيعة الأعمال التلفزيونية والسينمائية، التي تتميز غالباً بالخطورة في إمكانية تحقيق الأرباح، على المحاسبة أو اتباع أسلوب يتماشى مع المساواة في توزيع الأعمال أو اختيارها.
> ذكرت نسبة 53 في المائة من النساء المشاركات في البحث أنهن تعرضن إلى التفرقة في المعاملة خلال فترة عملهن في هذا المجال.
وما زالت بعض النساء العاملات في مجال الكتابة للتلفزيون يعتقدن أن هناك تفرقة ضدهن في مجال العمل، ولكن الدفعة الأخيرة من الطالبات اللاتي نجحن في اختبارات أكاديمية «بي بي سي»، وبنسبة سبع طالبات من أصل ثمانية مقبولين تشير بوضوح إلى أن التفرقة في طريقها إلى الزوال، وأن الحضور النسائي في هذا المجال سوف يتفوق قريباً على الوجود الرجالي. ولن يحتاج الأمر إلى كتابة الرسائل لإدارات شركات الإنتاج أو المطالبة بحصص مساواة أو الشكوى من التفرقة. فكما قال جون يورك، المشرف على أكاديمية «بي بي سي»، فإن المسألة تتعلق بالكفاءة والموهبة بغض النظر عن أي عوامل أخرى.
بعد المطالبة بالمساواة... النساء أغلبية في كتابة المسلسلات التلفزيونية البريطانية
بعد المطالبة بالمساواة... النساء أغلبية في كتابة المسلسلات التلفزيونية البريطانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة