ترمب من رفض «معاهدة جزئية» إلى الإشادة بـ«الاتفاق الأعظم» مع الصين

وسط ضغوط سياسية ضخمة

ترمب خلال استقباله نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي في البيت الأبيض يوم الجمعة (إ.ب.أ)
ترمب خلال استقباله نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي في البيت الأبيض يوم الجمعة (إ.ب.أ)
TT

ترمب من رفض «معاهدة جزئية» إلى الإشادة بـ«الاتفاق الأعظم» مع الصين

ترمب خلال استقباله نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي في البيت الأبيض يوم الجمعة (إ.ب.أ)
ترمب خلال استقباله نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي في البيت الأبيض يوم الجمعة (إ.ب.أ)

بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مطلع الأسبوع الماضي أنه يُفضل اتفاقية تجارية شاملة مع بكين بدلاً من معاهدة جزئية، وصف ترمب - في نهاية ذات الأسبوع - اتفاقه التجاري الذي لم يُوقع بعد مع الصين بالإنجاز، وبأنه «الأعظم» الذي حصل عليه المزارعون الأميركيون في تاريخهم.
ويوم الاثنين قال ترمب: «أميل إلى صفقة كبيرة مع الصين»، مضيفاً أن صفقة جزئية مع الصين «ليست إطلاقًا ما نُفضله»، معبراً عن ترحيبه بأن الصينيين «بدأوا شراء كثيرٍ من المنتجات الزراعية الأميركية».
والجمعة، أعلن ترمب عن اتفاق تجاري جزئي «مهم جداً» مع الصين، في نجاح نادر جداً كان الرئيس الأميركي بحاجة ماسة إليه وسط قضايا وانتقادات تحاصره. وقال السبت عبر «تويتر»: «يا للهول، حقق المزارعون مكسباً قيماً للغاية».
وينص الاتفاق المبدئي، الذي يأذن بانتهاء الحرب التجارية التي استمرت لـ18 شهراً بين القوتين الاقتصاديتين، على رفع الصين بشكل كبير حجم مشترياتها من المنتجات الزراعية الأميركية.
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض بعد لقاء مع كبير المفاوضين الصينيين ليو هي حضره وزير الخزانة ستيفن منوتشين وممثل التجارة الأميركي روبرت لايتهايز: «توصلنا إلى اتفاق مرحلة أولى مهم».
ووسط حملة انتخابية يخوضها للفوز بولاية رئاسية ثانية، علق ترمب مطولاً على المواد الزراعية التي وافقت بكين على شرائها بكميات كبيرة من الولايات المتحدة والتي سيستفيد منها قسم من ناخبيه. وأشاد بالنصر الذي حققه في سلسلة تغريدات السبت قال فيها: «الاتفاق الذي توصلت إليه مع الصين هو حتى الآن الأعظم والأكبر الذي تم من أجل مزارعينا الوطنيين العظماء في تاريخ بلدنا».
وأوضح أن الاتفاق ينص على زيادة عمليات الشراء الصينية للمنتجات الزراعية الأميركية كحبوب الصويا، لدرجة تثير نقاشات بشأن مدى قدرة المزارعين الأميركيين على إنتاج كميات كافية. وقال ترمب: «سيجد مزارعونا حلاً لذلك. شكراً للصين».
وفي المقابل، وافق ترمب على التخلي عن زيادة في الرسوم الجمركية من 25 إلى 30 في المائة كان يعتزم فرضها اعتباراً من (غدا) الثلاثاء على 250 مليار دولار من الواردات الصينية من الولايات المتحدة. غير أنه ما زال يتعين صوغ بنود الاتفاق خطياً، وهي عملية قد تستغرق بحسب ترمب أربعة إلى خمسة أسابيع.
ولم يستبعد ترمب أن يوقع وثيقة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في تشيلي على هامش قمة رابطة الدول المطلة على المحيط الهادي في نوفمبر (تشرين الثاني). وقد تعقب ذلك مرحلتان لاحقتان لا تزال معالمهما غامضة جداً، استكمالاً لاتفاق المرحلة الأولى.
من جهته، لزم منونشين الحذر في تصريحاته خلال المؤتمر الصحافي. وقال: «لدينا تفاهم أساسي على النقاط الرئيسية، أحرزنا تقدماً كبيراً، لكن ما زال أمامنا الكثير من العمل الواجب إنجازه»، مضيفاً: «لن نوقع اتفاقاً طالما أنه لا يمكننا أن نقول للرئيس إن كل شيء وضع خطياً».
وشدد على أن نائب رئيس الوزراء الصيني «سيعود إلى العمل مع فريقه»، موحياً بأنه يتحتم عليه الحصول على موافقة القيادة الصينية.
بموجب اتفاق المرحلة الأولى، تشتري الصين بحسب ترمب منتجات زراعية أميركية بقيمة 40 إلى 50 مليار دولار في السنة، وهي كمية تزيد مرتين ونصف مرة على الحد الأعلى للمشتريات الصينية السنوية الذي سجل عام 2017 حين استوردت بكين ما يساوي 19.5 مليار دولار من هذه المنتجات، قبل أن يتراجع هذا الحجم إلى ما يزيد عن تسعة مليارات دولار عام 2018 تحت تأثير الحرب التجارية.
وأعلن ترمب مازحاً: «أقترح على المزارعين أن يذهبوا فوراً ويشتروا المزيد من الأراضي وجرارات أكبر» لتلبية الزيادة في الطلب.
وانعكس رد الصين على التدابير التجارية الأميركية ضدها بصورة خاصة على المزارعين الأميركيين واضطرت إدارة ترمب إلى تخصيص مساعدات فيدرالية بقيمة 28 مليار دولار للتخفيف من خسائرهم.
وعلى الصعيد السياسي، يواجه ترمب ضغوطاً أكثر من أي وقت منذ وصوله إلى البيت الأبيض، مع مباشرة الديمقراطيين تحقيقاً بهدف عزله، يحظى بدعم من غالبية الناخبين على ما عكست عدة استطلاعات للرأي. كما أنه يتعرض لانتقادات بالغة الشدة بما في ذلك من كبار الداعمين له، بسبب سياسته في سوريا.
كذلك ينص التفاهم مع الصين على حماية الملكية الفكرية وسط اتهامات للصين بارتكاب الكثير من الانتهاكات بهذا الصدد، وعلى فتح السوق الصينية أكثر أمام الشركات الأميركية المتخصصة في الخدمات المالية.
كما أفاد منوتشين عن إجراء «محادثات جيدة مع حاكم البنك المركزي الصيني»، مشيراً إلى اتفاق يضمن الشفافية حول أسعار الصرف.
من جهته، أفاد المفاوض الصيني عن «تقدم جوهري في العديد من المجالات»، وأضاف: «إننا مسرورون»، ملمحاً إلى أن المفاوضات ستتواصل.
في المقابل، لم يتم اتخاذ أي قرار حول الرسوم الجمركية بنسبة 15 في المائة التي ستدخل حيز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) المقبل حول سلع شائعة الاستهلاك.
ولا يعالج الاتفاق مصير مجموعة «هواوي» الصينية العملاقة للاتصالات التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة للغاية لاتهامها بالتعامل مع أجهزة الاستخبارات الصينية.
وتنعكس تبعات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين على الاقتصاد العالمي بمجمله. وحذر صندوق النقد الدولي مؤخراً من أن التوتر التجاري ومفاعيله الجانبية مثل تجميد الاستثمارات والبلبلة في سلاسل التموين الدولية، ستقتطع 700 مليار دولار من إجمالي الناتج الداخلي العالمي بحلول 2020. ما يوازي حجم الاقتصاد السويسري.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.