يوثق الفيلم الفلسطيني الوثائقي الطويل «يافا أم الغريب» حكايات صادقة يرويها معمرون فلسطينيون بدموعهم عن مدينتهم الجميلة «يافا» التي أُجبروا على النزوح منها تحت وطأة الاحتلال الصهيوني. ورغم تجاوز عمر أصحاب هذه الحكايات التسعين، فإنّ الذاكرة حاضرة بكل التفاصيل، والحكايات لا تنضب عن «عروس فلسطين» التي تبدلت أحوالها بعد نكبة عام 1948.
شخصيات فلسطينية يعيد المخرج الفلسطيني رائد دزدار جمعها من جديد ويخوض من أجلها رحلات بين المدن الفلسطينية، وكذلك الأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة، في فيلمه الوثائقي الطويل، الذي شهد «مهرجان الإسكندرية السينمائي» عرضه الأول ضمن مسابقة الأفلام العربية الطويلة، وقوبل بحفاوة كبيرة؛ إذ قال المخرج المصري الكبير علي بدرخان إن مشاهدته الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية تشعره بالأسى والمرارة، مشيراً إلى أن «فيلم (يافا أم الغريب) يحمل جرعة عالية من الألم».
وبين ما كانت عليه يافا قبل أن تحلّ نكبة 1948، وما صارت إليه بعد الاحتلال، تدور الحكايات التي تثير الشجن والدموع، خلال 70 دقيقة، وقد نجح المخرج في الحفاظ على الإيقاع الدرامي بالمزج بين التوثيق والشكل الروائي، مستعيناً بالموسيقى والأغاني التي اشتهرت بها يافا، والتي أضفت جواً صادقاً على الفيلم.
قال المخرج الفلسطيني رائد دزدار لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف من الفيلم هو توثيق ما كانت عليه يافا من خلال الذاكرة الجماعية لأهلها الذين ولدوا وعاشوا فيها قبل عام 1948، وكانت أهم مدينة بفلسطين وأكبر مدنها؛ إذ كانت تنبض بالحياة بصفتها مدينة تجارية وثقافية وفنية واقتصادية. وكان عدد سكانها قبل نكبة 1948 نحو 120 ألف نسمة، ولو لم تحدث النكبة لأصبح عدد سكانها اليوم يقترب من مليونين. احتضنت المدينة مختلف الجنسيات من الأقطار العربية؛ فقد كان يعيش فيها سوريون ولبنانيون ومصريون، وكانت تصدر منها أهم الصحف الفلسطينية، وقتئذ، وظلت عاصمة الثقافة والأدب والفن، وكانت تضم 8 دور سينما مثل المدن الأوروبية، ولولا النكبة لصارت يافا اليوم من أهم مدن الساحل الشرقي للبحر المتوسط؛ فهي شقيقة الإسكندرية وبيروت وطرابلس».
ويضيف دزدار قائلاً: «هدفي من الفيلم تأريخ يافا بشكل مكثف ليدرك المشاهد كم كانت هذه المدينة بهجة الحياة. من خلال الذكريات نعرف لماذا خرج الناس منها، وكيف أجبروا على النزوح، بسبب المجازر التي حدثت بها، والقذائف التي انهالت على سكانها من الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث شهدت النصيب الأكبر من هذه المجازر، وكانت مستهدفة بعدما حاصرتها المستعمرات الصهيونية، بتشجيع من سلطات الانتداب البريطاني».
ورغم أن مخرج الفيلم يعيش في القدس، فإنه يؤكد على أنه يعشق يافا، ويقول: «معظم العائلات الفلسطينية كان لها أقارب في يافا، وهذا سبب تسمية الفيلم (يافا أم الغريب)، لأنّها كانت تستقبل عائلات من كل المدن وتنصهر فيها كل الجنسيات».
وعن كواليس تصوير الفيلم يقول رائد: «استغرق البحث وتجميع المواد الأرشيفية 3 سنوات رغم أنني مخرج وباحث أمتلك أرشيفاً عن فلسطين ويافا والقدس، وقد عملت على جمع معلومات من الجمعيات اليافاوية في كل من فلسطين والأردن، وقمت بشراء بعضها من الأرشيف البريطاني وأرشيف الصحف الفلسطينية، واستغرق التصوير نحو عام، لأنّنا صورنا بعض سكانها في المدن الفلسطينية، مثل القدس ورام الله، وبعضهم في الأردن وبيروت ودبي. ومعظم الذين استعنت بهم تجاوزوا التسعين من عمرهم، وهم أجبروا على الرحيل، ولهم ذكريات حية نابضة. وكنت في سباق مع الزمن لتصوير الفيلم، ولو تأخرت قليلاً لفقدت نصف المتحدثين، فقد مات 6 شخصيات منهم قبل عرض الفيلم».
ويمثل تصوير الأفلام الوثائقية عائقاً كبيراً أمام المخرجين الفلسطينيين، وفق رائد الذي يقول: «لديّ أفكار ومشاريع أفلام، لكن الوقت يسبقنا، ومرات كثيرة أواجه البيروقراطية، لكن يظل عندي الجلَد لكي أتحمل، وقد أخرجت 15 فيلماً وثائقياً من بينها (السامريون على خطى موسى)، و(شارع الأنبياء) عن القدس، وفيلم (هنا القدس) من أهم الأفلام التي قدمتها عن تاريخ إذاعة فلسطين، وفيلم (لن نرحل) عن تهجير الفلسطينيين عن القدس، رغم أنّه ليس هدفي المهرجانات في حد ذاتها، وإنّما أن يشاهد العالم الحقيقة من دون تزييف».
«يافا أم الغريب»... فيلم يوثق حكايات «عروس فلسطين»
المخرج جمع شهادات من معمّرين بالقدس والأردن وبيروت
«يافا أم الغريب»... فيلم يوثق حكايات «عروس فلسطين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة