تركيا تحظر على وسائل الإعلام انتقاد العملية العسكرية في سوريا

هددت بمقاضاة الصحافيين الذين «يستهدفون السلم الاجتماعي والوحدة والأمن»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أرشيفية - رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أرشيفية - رويترز)
TT

تركيا تحظر على وسائل الإعلام انتقاد العملية العسكرية في سوريا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أرشيفية - رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أرشيفية - رويترز)

طالبت لجنة حماية الصحافيين الدولية، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، السلطات التركية، بالتوقف عن الرقابة على التقارير الإخبارية حول الهجوم العسكري لقواتها في شمال سوريا، والكف عن احتجاز أو مضايقة الصحافيين الذين يعملون على تغطية الحدث.
كان مكتب المدعي العام في إسطنبول، نشر بياناً، نهاية الأسبوع الماضي، أعلن من خلاله حظر نشر التقارير الإخبارية النقدية والتعليقات على الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا.
وهدد البيان بمقاضاة الأشخاص ممن اعتبرهم «يستهدفون السلم الاجتماعي لجمهورية تركيا والسلام الداخلي والوحدة والأمن» عبر نشر «أخبار أو تقارير تلفزيونية مُغرضة على وسائل الإعلام أو عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، وذلك وفقاً لقانون العقوبات التركي وقانون مكافحة الإرهاب.
وحسب جولنوزا سعيد، منسق برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في لجنة حماية الصحافيين، فإن الحظر الذي تفرضه السلطات التركية على التقارير التي تنتقد العملية العسكرية لقواتها، فضلاً عن احتجازها لصحافيين انتقدوا الهجوم التركي في تقاريرهم، يهدف لترهيب وسائل الإعلام، وبث الخوف في نفوس الصحافيين.
كانت الشرطة التركية قد ألقت القبض على هاكان ديمير، المحرر على الإنترنت لصحيفة «بيرجون» اليومية اليسارية، في منزله في إسطنبول في ساعة متأخرة، نهاية الأسبوع الماضي، على خلفية كتابة تغريدة حول هجوم تركيا على سوريا من حساب الصحيفة، وفق ما أفاد به بيرجون.
لاحقاً، أفرجت المحكمة عن الصحافي، ووضعته تحت المراقبة ومنعته من السفر إلى الخارج بعد أن تحدث ديمير إلى محاميه.
كما احتجزت الشرطة فاتح غوخان ديلر، محرر الأخبار الأول في موقع «الأخبار ديكن»، في ضوء نشر تقرير على الصفحة الرئيسية للموقع، نقل تصريحات للمتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد.
وذكرت الإدارة العامة للأمن أن الملاحقة القضائية جارية على الأقل لما لا يقل عن 78 شخصاً، وفقاً لما أورده موقع «بيان» التركي للأنباء.
كانت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، قد أكدت في تقريرها السنوي الصادر مطلع العام الحالي، أن الإعلام التركي يفتقر لأدنى درجات الاستقلالية والحرية، وأن أغلب الصحف والقنوات تحولت لمساندة الحكومة حفاظاً على بقائها.
وذكر التقرير أن الأحكام القضائية الصادرة بحق صحافيين، جميعها بدوافع سياسية، فيما لا تعدو أن تكون أدلة الإدانة سوى مجرد تقارير مهنية لم ترق لإردوغان وحكومته.
وشنت حكومة إردوغان حملة قاسية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، تسببت في تزايد أعداد الصحافيين القابعين في السجون في تركيا إلى أكثر من 130 صحافياً، إضافة إلى إغلاق أكثر من 140 منفذاً إعلامياً.
وتحتل تركيا حالياً المرتبة 157 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة التابع لمنظمة «مراسلون بلا حدود». وقال مدير برامج «حرية الصحافة» في المعهد الدولي للصحافة سكوت غريفن، إن المعهد يراقب ما يصنفه أنه انهيار لحكم القانون والإجراءات القانونية للصحافيين في تركيا، لافتاً إلى أن الصحافيين اليساريين، والعلمانيين والأكراد جميعهم مستهدفون بشكل خاص.



جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
TT

جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)

لكثرة مشاكل العالم، خصوصاً في ظل البؤرتين الأكثر تفجراً في غزة وأوكرانيا، لا تُلقى أضواء كافية على جنوب القوقاز، المنطقة الحساسة التي شهدت تغيراً دراماتيكياً بسيطرة أذربيجان على كاراباخ ونزوح أهل الأخيرة الأرمن باتجاه أرمينيا في سبتمبر (أيلول) 2023. بمعزل عن الأسباب التاريخية والحجة والحجة المضادة لطرفَي النزاع، يجدر النظر إلى اللاعبين في مسرح يشمل أيضاً جورجيا، فهناك طبعاً روسيا وتركيا وإيران بالوجود المباشر، وهناك الغرب متمثلاً بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالوجود غير المباشر، وهي كلها قوى تبحث عن مصالحها العليا وتمارس لعبة الشد والجذب في بقعة تشكل رابطاً وفاصلاً في آن واحد بين أوروبا وآسيا.

لم تنه عودة السيطرة الأذربيجانية على كاراباخ المشكلة، فباكو تريد تفعيل ممر زنغزور الذي يربط بين أراضيها وإقليم ناختشيفان (نخجوان) المتمتع بالحكم الذاتي، بل هو يربط بين آسيا وأوروبا ويشكل شرياناً حيوياً للتجارة ويعزز موقع جنوب القوقاز على خريطة المصالح العالمية.

ستيباناكيرت (خانكندي) عاصمة كاراباخ (أرشيفية رويترز)

ليس مفاجئاً أن يشتد التنافس على السيطرة، فجورجيا التي كانت مسرحاً لمواجهة روسية – غربية عام 2008، لم تُحسَم وجهتها بعد، وأرمينيا التي طالما ارتبطت بروسيا ارتباطاً عضوياً تسير منذ سنوات باتجاه الغرب الذي لم يساعدها في مسألة كاراباخ (يسميها الأرمن آرتساخ) كونه يهتم كثيراً بأذربيجان الغنية بالنفط والغاز، والحليفة الطبيعية لتركيا التي تريد الاحتفاظ لنفسها بموقع مميز في ذلك الملعب.

الدور الأميركي... و«الممر»

يشكل هذا الوضع الهش فرصة كبيرة للولايات المتحدة، فهي إذا تمكنت من قيادة مفاوضات السلام بين أذربيجان وأرمينيا إلى خواتيمها السعيدة سوف توسّع نفوذها في جنوب القوقاز وتمتلك موطئ قدم آخر في مجال النفوذ الروسي التاريخي التقليدي بين البحر الأسود وبحر قزوين. ولتحقيق ذلك على واشنطن أن تحسن علاقاتها مع أذربيجان وأرمينيا على حد سواء.

ولا شك في أن ممر زنغزور هو «النقلة» الأساسية في لعبة الشطرنج القوقازية حالياً، فأرمينيا تريد السيطرة عليه، وإيران تخشى اضطراب حدودها بسببه وبالتالي تَعَقّد علاقاتها مع أذربيجان أكثر، بينما ترى فيه تركيا تعزيزاً لروابطها الوثيقة مع باكو وترسيخاً لدورها المحوري الرابط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، خصوصاً أنها تعمل في الوقت ذاته على تفعيل طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين وتوسيع دور منظمة الدول التركية التي تضم تركيا وأذربيجان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان؛ والمجر وتركمانستان و«جمهورية شمال قبرص التركية» كأعضاء مراقبين

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (رويترز)

يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا أمر قابل للتحقّق، خصوصاً إثر إشاعة جو تفاؤلي عن تقدم في المفاوضات بين باكو ويريفان في شأن ترسيم الحدود. وفي السياق، يؤكد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاق بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على الرغم من المعارضة الداخلية التي يواجهها في ظل اتهامه بالتراخي في مواجهة «الأطماع الأذربيجانية»، علماً أن يريفان أعادت السيطرة على أربع قرى رئيسية إلى باكو، الأمر الذي أغضب فئات واسعة من الشعب في أرمينيا.

براغماتية أرمينيا؟

يمكن فهم موقف باشينيان انطلاقاً من كون أرمينيا مُنيت بهزيمة عسكرية مكلفة في كاراباخ، ومن عزلة جيوسياسية تعانيها في ظل امتناع روسيا عن نجدتها على الرغم من العلاقات القديمة بين البلدين ووجود عسكري روسي في أرمينيا (تضاءل أخيراً إلى درجة أن يريفان أعلنت أنها ستنسحب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا)، ومع اصطفاف الغرب – باستثناء فرنسا – إلى جانب أذربيجان المدعومة بشكل مباشر وصريح من تركيا ذات القوة العسكرية الضخمة.

رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (أ.ف.ب)

والمشكلة التي تواجهها أرمينيا، أنها تدير وجهها نحو غرب منشغل بأوكرانيا وباحث عن سبل لدعمها كي لا تنهزم أمام روسيا، وتدير ظهرها لحليفها التاريخي روسيا الغارقة في وحول الحرب الأوكرانية والساعية لضمان نفوذها في جنوب القوقاز عبر إقامة علاقات أوثق مع أذربيجان. وبالتالي، ليس أمام يريفان خيار سوى صنع السلام حفاظاً على سلامة أراضيها.

هنا يبرز الدور الأميركي أكثر، لأن واشنطن هي الأقدر على إرساء توازن في جنوب القوقاز عبر إقامة علاقات وثيقة مع كل من باكو ويريفان وإقناعهما بعقد معاهدة سلام مُرضية لهما وغير مقلقة لروسيا وتركيا.

ماذا عن بوتين؟

ليس خافياً على أحد أن روسيا بدت شبه منكفئة عن الاضطلاع بدور «هجوميّ» خلال أزمة كاراباخ، فاكتفت بدور حفظ السلام الذي لم يمنع تدهور الوضع وانتهاء الحرب بما انتهت إليه.

والواقع أن فلاديمير بوتين المنشغل منذ فبراير (شباط) 2022 بـ«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، فقد الكثير من دوره الأساسي وموقع بلاده الجيوسياسي في جنوب القوقاز.

وثمة من يبرر ذلك بأن بوتين لم يكن مضطراً لمساندة نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا منذ العام 2018 والذي وصل إلى السلطة عبر «ثورة» أسقطت الرئيس سيرج سركيسيان، وهي ثورة يقال على نطاق واسع أن الغرب كان وراءها تحريضاً وتمويلاً و«إخراجاً»، بغية زرع شوكة في خاصرة روسيا.

لذا يبدو الرئيس الروسي مهتماً أكثر بتوثيق العلاقة مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وتعميق التفاهم مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، باعتبار التوافق معهما والتناغم مع إيران يضمنان لروسيا دوراً لا يوفره دعم أرمينيا. فلا مصلحة لبوتين في قلب معادلة أرستها المكاسب الميدانية الأذربيجانية منذ عام 2020، بعدما كانت الغلبة لأرمينيا قبل ذلك وعلى مدى نحو ربع قرن. والمؤكد أن هذا التحول الميداني ما كان ليحصل لولا الدعم العسكري التركي لأذربيجان.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

ولا شك في أن بوتين يدرك أن روسيا لم تعد صاحبة السيطرة المطلقة في جنوب القوقاز كما كانت الحال عليه في الماضي، وبالتالي من مصلحته أن يتفاهم مع تركيا وإيران بدل أن يخوض صراعات معهما. وهو يدرك بالطبع قوة علاقات باكو مع العواصم الأوروبية الغربية بناء على ما تحتاج إليه الأخيرة من نفط أذربيجان التي تملك احتياطاً يقدّر بسبعة مليارات برميل، إضافة إلى احتياط مثبت من الغاز الطبيعي يبلغ 2.6 تريليون متر مكعب.

البراغماتية الروسية هذه تعزز أكثر الاعتقاد أن الفرصة سانحة لتضطلع واشنطن بدور أكبر في جنوب القوقاز عبر إرساء سلام دائم في منطقة تقع في قلب أوراسيا على قوس يوصل إلى الصين، الهدف الأول للسياسات الأميركية في رقعة الشطرنج العالمية.