يعد آبي أحمد رجل المفاجآت رغم سنه، إذ يعد واحداً من أصغر قادة أفريقيا عمراً. فقد سلك مساراً جديداً، لم يسبقه إليه سياسي آخر في بلاده التي تقع بمنطقة القرن الأفريقي. فقد هز الساحة السياسية في إثيوبيا بإصلاحات سريعة وصارمة عندما تولى مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، وبعد سنوات من الحوكمة القمعية.
وقوبل الإصلاحي اليافع باحتفاء خاصة من الشباب الإثيوبي. وكتب عداء المسافات الطويلة الإثيوبي فيسا ليليسا، في مجلة «تايم» الأميركية، «لم نر قط في تاريخ إثيوبيا زعيماً مثله»، وذلك بعد اختيار آبي أحمد ضمن أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم.
ولد آبي أحمد في بيشاشا، وسط إثيوبيا، في عام 1976، وخدم في الجيش، وكان ضمن مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا. كما عمل في الاستخبارات الإلكترونية، وارتقى سريعاً داخل حزب «أورومو» الديمقراطي، وهو أحد أعضاء الائتلاف الحاكم.
ولكن المسار الإصلاحي الذي ينتهجه خلق عقبات جديدة داخل إثيوبيا، ونظراً لتخليه عن السلطة على القوات الأمنية في إثيوبيا «انهار الأمن والنظام العام في أجزاء كثيرة من البلاد»، حسب ما ذكره الباحث بمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، فيليكس هورن. وتصاعدت التوترات والصراعات داخل إثيوبيا بشدة في عهده. ونزح نحو 2.3 مليون شخص داخلياً على مدار عام 2018، أي تقريباً ضعف العدد في عام 2017، حسب بيانات الأمم المتحدة.
وسوف يتحتم على آبي مواجهة هذه التحديات مدعوماً بنفوذ سياسي قوي جراء الفوز بأهم جائزة سلام في العالم.
وكانت أولى مهامه إطلاق عملية سلام مع الجارة إريتريا، وهي عملية من السهل إدراك آثارها في أنحاء المنطقة اليوم. ولكن جائزة نوبل للسلام التي أعلن فوز آبي أحمد بها أمس الجمعة، تعد بمثابة إشارة مهمة تدعو إلى مواصلة الطريق. كما دعم آبي أحمد الجارة السودان من أجل تمهيد الطريق صوب الديمقراطية، وهي التغييرات التي قد تصبح علامة فارقة في تاريخ المنطقة.
عندما وصل إلى السلطة، توقع قليل من الإثيوبيين تغييرات كبيرة. لقد حكمت هذه البلاد، متعددة العرقيات، بقبضة من حديد لسنوات طويلة، هيمنت خلالها أقلية عرقية واحدة على الساحة السياسية.
وعانت أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة من القمع، وغالباً ما كان يتم قمع الاحتجاجات التي تقوم بها الجماعات المهمشة عبر توظيف سلطة الدولة كاملة.
وجاء انتخاب الائتلاف الحاكم لآبي أحمد رئيساً للوزراء، لتهدئة المشاعر المتزايدة المناهضة للحكومة، وإبقاء النظام القديم دون أن يمسه أذى. ولكن الرجل كانت لديه خطط أخرى، فدفع سريعاً بإصلاح تلو الآخر، وحطم كثيراً من المحظورات. لقد أفرج عن السجناء السياسيين، وأنهى حالة الطوارئ التي كانت مفروضة في البلاد منذ فترة طويلة، ورفع أسماء أعضاء المعارضة من القائمة الإرهابية، وحرر الاقتصاد، غير أن الخطوة الأكبر التي أقدم عليها آبي أحمد كانت التوصل لاتفاق سلام مع الجارة إريتريا. ونتيجة لذلك، فصل النظام الإريتري إثيوبيا عن العالم الخارجي، لتنال لقب «كوريا الشمالية الأفريقية» التي حاول عشرات الآلاف الفرار منها. وفي خطوة مفاجئة، عرض آبي على إريتريا عملية سلام غير مشروطة، وذلك في منتصف 2018. وفي معرض الإعلان عن الجائزة، قالت لجنة نوبل إن اتفاق السلام كان أحد الأسباب الرئيسية لفوز آبي بالجائزة.
وأصبحت قدرته على الوساطة والتأثير الإيجابي على صانعي القرار السياسي واضحة، عندما ساعد السودان في التوصل لطريق سلمي صوب الديمقراطية في أعقاب الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل. وبمساعدة رئيس الوزراء الإثيوبي شكلت السودان حكومة وحدة تتألف من الجيش وأحزاب مدنية هدفها تمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
آبي... إصلاحي القرن الأفريقي
آبي... إصلاحي القرن الأفريقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة