حين تنافس البزة {العسكرية} بدلات السهرة في الأناقة

معرض متحف الجيش في باريس

سترة لضابط فرنسي من القرن التاسع عشر  -  دروع أنيقة
سترة لضابط فرنسي من القرن التاسع عشر - دروع أنيقة
TT

حين تنافس البزة {العسكرية} بدلات السهرة في الأناقة

سترة لضابط فرنسي من القرن التاسع عشر  -  دروع أنيقة
سترة لضابط فرنسي من القرن التاسع عشر - دروع أنيقة

في اللغة الشبابية، توصف المرأة بالغة الجمال في فرنسا بأنّها «صاروخ». وتحت عنوان «صواريخ الأناقة»، يستضيف متحف الجيش في باريس معرضا عن تطور تصاميم ثياب العسكر منذ العصور الوسطى حتى اليوم. ويشتمل المعرض على بزات وقبعات وسترات ارتداها فرسان القوات الإمبراطورية ثم الجمهورية في فترات مختلفة من التاريخ. كما يعرض تأثيرات تلك الموضة الحربية على أزياء الشباب اليوم.
يكتشف زائر المعرض أنّ مصممين من المشاهير كانت لهم لمساتهم في رسم الموضة العسكرية. ومن هؤلاء البلجيكي دريس فان نوتن ومواطنه رالف سيمونز والفرنسي جان بول غوتييه. لقد صمموا بزات في منتهى الجمال لجنود وضباط من مراتب وفرق مختلفة. وتتبع الثياب، في العادة، أغطية الرأس المناسبة لها والدروع وجرابات السلاح. وهناك، بالإضافة إلى البزات الراقية التي ترتدى في المناسبات والاستعراضات، معاطف واقية من المطر ومظلات وأحذية ذوات أعناق طويلة.
يخبرنا دليل المعرض أن أزياء العساكر كانت تتطور حسب قوة الجيوش التي ينتمون لها. ففي عصور ازدهار الإمبراطورية الفرنسية وانتصارات نابليون بونابرت كانت قيافة الضباط تتميز بالثراء والأقمشة النبيلة. وحتى بعد حلول النظام الجمهوري، لم يتخل العسكريون عن ميلهم للبدلات الأنيقة والمظهر اللافت للنظر. وهناك في المعرض أكثر من 200 زي تعكس تعلق منتسبي الجيش الفرنسي بالأناقة والطلة المميزة والجذابة. ويعود بعض تلك الأزياء إلى القرن السادس عشر، وهي من المقتنيات الفريدة للمتحف العسكري. ومن الواضح أن قيافة الضباط في بعض الفترات كانت تنافس أناقة المطربين وممثلي المسرح والأثرياء من علية القوم.
وعلى امتداد قاعات العرض، من القرون الماضية حتى اليوم، يمكن للزائر أن يتابع المراحل التي مرت بها الأزياء العسكرية منذ بدايات تميزها عن الثياب المدنية وحتى اليوم. وهناك فترات تعكس فصولاً من النزاعات والحروب حين كان سلاح الفرسان يخوض قتالاً لا هوادة فيه، ينتهي بقاتل أو قتيل.
ومع حلول العصر الجمهوري تطورت هيئات أفراد الجيش وتحولت إلى الأزياء العملية واختفت القبعات المحلاة بالريش والسترات ذات الخيوط والأزرار المذهبة، لكنّها لم تبتعد عن الأقمشة الفخمة وجماليات الخطوط الخارجية وألوان الأسلحة المختلفة، ما بين مشاة وبحرية وطيران. ويلاحظ الزائر ثراء التفاصيل في تلك البزات والتجهيزات الجانبية التي استغرقت ساعات من الخياطين والطرازّات لكي تكتمل وتكون لائقة في الدولة التي تمثلها.
كان شعار بعض القادة: «كلما بدونا أنيقين زادت قدراتنا القتالية». لهذا كان المشرفون على أناقة الضباط يؤمنون بأن للزي دورا في الافتخار الذي يشعر به المقاتل وهو يواجه الخصم في زمن الحرب أو يستعرض قواته في زمن السلم. ولم يكن الاهتمام بالأزياء مجرد نزعات وترهات لا قيمة حقيقية لها بقدر ما كان تأكيداً على قوة المؤسسة العسكرية وتفوقها.
يستمر المعرض حتى 26 من يناير (كانون الثاني) المقبل، وتُنظّم على هامشه عروض سينمائية وندوات للزوار من مختلف الأعمار.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».