تحليل: التوغل التركي في سوريا فرصة بوتين لتعزيز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
TT

تحليل: التوغل التركي في سوريا فرصة بوتين لتعزيز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)

يقول أشخاص مقربون من الكرملين إن التوغل التركي في سوريا يمثل فرصة روسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتراجع واشنطن فيما يبدو، لكن المخاطر على الدبلوماسية الروسية ستزداد كلما طالت العملية.
وفي اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل العملية ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن، أوضح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وهو حليف للرئيس السوري بشار الأسد، أنه يأمل في أن يكون التوغل محدوداً في زمانه ونطاقه، حسبما ذكرت المصادر.
وقال إندريه كليموف، وهو نائب بارز مؤيد لبوتين في مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي: «كلما انتهت حالة الصراع هذه بسرعة كان أفضل للجميع».
وأضاف: «أتمنى حقاً أن يبذل شركاؤنا الأتراك كل ما في وسعهم لتجنب أي صراع، ولو بالمصادفة على الأرض مع قوات الحكومة السورية أو مع الجنود الروس».
وبالنسبة لروسيا، فهذه موازنة دقيق. فقد تعهدت باستخدام قوتها الجوية لمساعدة الأسد على استعادة كل الأراضي التي فقدها في الحرب المستمرة منذ ما يربو على 8 سنوات، وشددت مراراً على أهمية وحدة أراضي البلاد.
لكنها تعمل أيضاً مع تركيا وإيران للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تأمل في أن تفضي إلى إعادة صياغة الدستور السوري في نهاية المطاف، وتُظهر أن بوسع موسكو أن تساعد في تحقيق السلام كما تقدم العون في الحرب.
ويقول منتقدون إن جهود موسكو جهود صورية تهدف إلى التوصل لتسوية سياسية وهمية لإعادة إضفاء الشرعية على الأسد وجذب الأموال من الاتحاد الأوروبي والخليج لإعادة بناء سوريا.
والنجاح في هذه الجهود سيتوج التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 والذي منح موسكو نفوذاً جديداً في الشرق الأوسط. كما تحرص روسيا على توسيع هذا النفوذ، ولا سيما في وقت تنأى فيه واشنطن بنفسها عن المنطقة فيما يبدو.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، سحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب القوات الأميركية ممهداً الطريق أمام هجوم تركيا، ما أثار انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الذين يقدرون دور الأكراد في القتال إلى جانب الأميركيين لهزيمة تنظيم «داعش».
وتعتبر أنقرة «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية جماعة إرهابية بسبب علاقاتها مع المسلحين الذين يخوضون تمرداً داخل تركيا.
ومن شأن استمرار العملية التركية لفترة طويلة أو خروجها عن السيطرة، أن يعرقل جهود الكرملين الدبلوماسية.
وقال يوري أوشاكوف، المساعد في الكرملين، أمس (الخميس)، إن بوتين أبلغ إردوغان أن على قواته أن تتوخى الحذر في كل تحركاتها، رغم تفهم موسكو لمخاوف أنقرة الأمنية.
وأضاف أوشاكوف: «من المهم بالنسبة لنا أن يتحلى كل الأطراف بضبط النفس، وأن يحسبوا بدقة خطواتهم العملية لتجنب الإضرار بالإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق تسوية سياسية».
وأشار أوشاكوف إلى أول اجتماع مقرر عقده للجنة صياغة الدستور السوري، بدعم من موسكو في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، على أنه حدث لا ينبغي تعطيله، وقال إنه من غير المقبول لموسكو أن يتعرض مدنيون لمعاناة بسبب الهجوم التركي.
* وسيط
وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الخميس، أن موسكو تتأهب للاضطلاع بدور وسيط في حل أحدث أزمة في الصراع السوري الذي طال أمده.
وقد يشمل ذلك التوسط في إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، التي تريد خروج القوات التركية من أراضيها، وبين دمشق والأكراد، الذين يريدون قدراً من الحكم الذاتي داخل سوريا، وهو أمر لم يُظهر الأسد أي إشارة بعد على تقبله.
وقال لافروف للصحافيين إن موسكو ستحاول في الاتجاهين، مشيراً إلى الترحيب الواضح بجهود روسيا من الجانبين السوري والكردي. وأضاف: «دعونا نرى ما يمكننا فعله».
وقال ماثيو بوليج، الباحث في مؤسسة «تشاتام هاوس» في لندن: «روسيا على الأرجح هي اللاعب الوحيد في الغرفة بين الراشدين، الذي يمكنه أن يتحدث مع الجميع في ذات الوقت. سواء إسرائيل وإيران والقوات الكردية وتركيا والأسد وأي طرف آخر».
وبالنسبة لبوتين، سيشكل ذلك نصراً كبيراً على الساحة الجيوسياسية.
وقال إندريه كورتونوف، رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية: «إذا تمكن من ترتيب ذلك فسيُعتبر الأمر نصراً سياسياً كبيراً».
وتابع قائلاً: «يمكن لبوتين أن يقول إن الأميركيين أخفقوا في حل ذلك، لكننا استطعنا... بما يعني ضمناً أن نهجنا حيال الصراع أكثر فاعلية من منافسينا على الساحة الجيوسياسية».
وقال فلاديمير فرولوف، وهو دبلوماسي روسي كبير سابق، إنه إذا اقتصرت العملية التركية على منطقة أمنية عمقها 30 ميلاً داخل سوريا، وكانت سريعة، فمن المرجح أن تغض موسكو الطرف عنها.
وأشار إلى أن نشر روسيا لأنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا ووجود قاعدة جوية لها هناك يمكنها عملياً من وقف أي تقدم تركي إذا أرادت.
لكن فرولوف قال: «إذا أراد إردوغان التوغل أكثر في سوريا وتقسيمها... فستحاول موسكو منع ذلك من خلال نشر مواقع مراقبة روسية في مناطق متقدمة وبغطاء جوي روسي».
وقال: «روسيا تسيطر على سماوات سوريا... وتركيا تحلق بطائراتها الآن برضا موسكو».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.