حوارات نقدية في الرواية الفلسطينية

تاجا يتمنى أن تكون جزءا من الذاكرة الأدبية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

حوارات نقدية في الرواية الفلسطينية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يسعى وحيد تاجا، في كتابه الصادر حديثا، «الرواية الفلسطينية.. حوارات نقدية»، إلى تقديم ما يسميها موسوعة مختصرة عن الذاكرة الأدبية الفلسطينية، من خلال مجلد واحد يقع في 550 صفحة.
ويرى الناقد فيصل درّاج، الذي قدّم لهذا الإصدار، «إن الكتاب يسدّ فراغا واسعا لا سبيل إلى إغفاله وتجاوزه. فقد بقيت الرواية الفلسطينية مشدودة إلى حقبة محددة، وإلى أسماء قليلة لامعة، غسان كنفاني، وجبرا إبراهيم، جبرا، وإميل حبيبي. ويأتي كتاب تاجا لينفتح على مساحة زمنية أكثر اتساعا، وعلى أسماء كثيرة متفاوتة القيمة والمنظور، تتأمل ما كانت فلسطين وما ستكونه، مستولدة الأمل من مواقع فعليّة، أو من أخرى يجاورها الوهم أو أشياء منه».
عن فكرة الكتاب، الذي صدر في القدس عن دار الجندي، قال تاجا لـ«الشرق الأوسط»: «لا أخفى أن فكرة الكتاب لم تكن واردة في بداية العمل، الذي امتد أربع سنوات تقريبا، فقد كان الهدف إجراء بعض الحوارات الصحافية الأدبية، المجال الذي اختص به، تقريبا، في عملي الصحافي، لنشرها في جريدة الوطن العمانية، وموقع مؤسسة فلسطين للثقافة.
وكان اللقاء مع جمال غوشة مدير عام المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، خلال زيارته دمشق عام 2010، للمشاركة في مهرجانها المسرحي، فرصة للتواصل مع أدباء فلسطينيين من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وأخص هنا الأديب جميل السلحوت، وندوة اليوم السابع التي تقام أسبوعيا في مسرح الحكواتي في القدس.
فمن خلالهم استطعت التواصل مع عدد من أهم أدباء الداخل. وأشير هنا، إلى نقطة قد لا يدركها الأدباء الفلسطينيون أنفسهم، وهي الحالة الروحية التي يعيشها الصحافي السوري، ويمكن العربي أيضا، عند إجرائه حوارا مع أحد أدباء الداخل الفلسطيني (الضفة والقطاع وأراضي الـ48)، فهذا أقرب إلى تحقيق (حلم التواصل) بالنسبة إليه مع فلسطين (الحقيقية) التي طالما شكلت (المركز) الذي تصب فيه كل اهتمامات الفكر العربي. فلسطين الداخل أشبه بالحلم، وتمكن أي صحافي من الوصول إلى أحد أدبائها في القدس، أو في غزة، أو حيفا، أو يافا، هي حالة روحية تعنيه إنسانيا بشكل خاص، قبل أن تعني مجرد مادة ينشرها هنا أو هناك (...) ويمكن أن يكون تبني دار نشر مقدسية للكتاب، قد لعب أيضا، دورا جميلا عندي، وشكل نوعا من التكامل. ومع توفر كم لا بأس به من اللقاءات، التي أعتقد أنها مميزة بشكل ما، ولدت فكرة كتاب يمكن أن يكون موسوعة مختصرة عن الذاكرة الأدبية الفلسطينية. وقد جرى اختيار أهم اللقاءات وهي التي ضمنتها الكتاب». وعن محتوى الكتاب قال تاجا: «يضم الكتاب، 35 لقاء صحافيا مع أدباء من الداخل والشتات. ونال الروائيون حصة الأسد في الكتاب، إلى جانب عدد من كُتّاب أدب الأطفال، فضلا عن بعض النقاد الذين ساهموا بإلقاء المزيد من الضوء على الرواية الفلسطينية».
وعن اختياره أدباء معينين لمحاورتهم، قال تاجا: «بصراحة حاولت ألا أتوقف، هذه المرة، عند الأسماء المشهورة فقط، وأولئك الذين حصلوا على جوائز أدبية مهمة، فقد أردت إعطاء فرصة للأقلام الروائية الشابة نسبيا، ولكن المميزة باعتراف عدد من النقاد. فقد كنت غالبا ما استشير أكثر من ناقد قبل إجراء أي حوار مع هذا الروائي أو ذاك، وخاصة بالنسبة للجيل الجديد من الروائيين الفلسطينيين، وأظن هذه النقطة من هواجسي الصحافية، أي عدم التوقف عند الصف الأول من الكتّاب وتكريسهم دائما في كل المناسبات، وعدم إتاحة الفرصة للمشهد الجديد. أيضا، جاء اختيار الأدباء الذين تضمن الكتاب حوارات معهم، من عدد لا بأس به من اللقاءات، وقد تقصدت أن يكون الكتاب مرجعيا بشكل ما، ويمكن القول إنني تمنيت أن يكون جزءا من الذاكرة الأدبية الفلسطينية».
وعن الأجيال التي ينتمي إليها الأدباء، قال تاجا: «تقصدت إجراء حوارات مع روائيين من كل الأجيال: فهناك الكاتب الكبير محمود شقير مثلا، وهناك ربعي المدهون، والكاتبة الشابة نسب حسين، وهناك سلمان الناطور، وكذلك علاء حليحل، أو نسمة العكلوك. وهناك أسامة العيسة، ومرمر القاسم، وحسن حميد. وهناك أيضا صافي صافي، ووداد البرغوثي. بمعنى آخر، يحمل الكتاب وجها من المقارنة بين الكتابات وبين أجيال، وبين من هم في الداخل ومن هم في الشتات، على الرغم من أني لم أتقصد هذا بشكل صريح، وقد ضمنت كل لقاء بطاقة مصغرة عن السيرة الذاتية للكاتب وأهم إصداراته».
تم تقسيم الكتاب إلى 3 أقسام بالإضافة إلى المقدمة:
1 - الرواية والقصة:
أحمد رفيق عوض، أسامة العيسة، جمال بنورة، جمال ناجي، جميل السلحوت، حسن حميد، ديمة السمان، ربعي المدهون، سامي كيلاني، سامية فارس، سحر خليفة، سلمان ناطور، سما حسن، سمير الجندي، صافي صافي، صبحي فحماوي، عادل سالم، عارف الحسيني، عبد الله تايه، علاء حليحل، كاملة بدرانة، مرمر الأنصاري، محمود شقير، نسب أديب حسين، نسمة العكلوك، وداد البرغوثي.
2 - كُتّاب الأطفال:
إبراهيم جوهر، رفيقة عثمان، محمود شقير، نزهة أبو غوش، نهاد درويش.
3 - نقد
جميل السلحوت، عدنان القاسم، عواد أبو زينة، محمود غنايم، وليد أبو بكر.



كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».