إطلاق سراح المرشح القروي «ينعش» حملة الانتخابات الرئاسية التونسية

المرشحان في مناظرة تلفزيونية تشد أنظار الناخبين

TT

إطلاق سراح المرشح القروي «ينعش» حملة الانتخابات الرئاسية التونسية

قبل ثلاثة أيام فقط، كانت حملات الدعاية للمرشحين لجولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في تونس، تكاد تبدو «شبه منعدمة»، بحجة أن المرشح نبيل القروي كان يقبع في السجن، على خلفية اتهامه بغسل الأموال والتهرب الضريبي، وأيضاً لأن منافسه قيس سعيد قرر الامتناع عن تنظيم أي حملات دعائية لفائدته، حفاظاً على مبدأ «تكافؤ الفرص» بين الطرفين.
لكن يبدو أن إطلاق سراح القروي ليلة أول من أمس «أعاد الحياة» للحملة الانتخابية، حسب تعبير بعض المحللين السياسيين؛ حيث استؤنفت أمس حملة الانتخابات الرئاسية، قبل يومين فقط من موعد الاقتراع، المقرر بعد غد الأحد.
وتمكن القروي (56 عاماً) من الوصول إلى الدورة الرئاسية الثانية، إثر حصوله على 15.5 في المائة من الأصوات، مع أستاذ القانون الدستوري المتقاعد قيس سعيّد، الذي حلّ أولاً بحصوله على 18.4 في المائة.
وفي أول تصريح صحافي له منذ خروجه من السجن، نفى القروي أمس أن يكون قد قام «بأي توافق» مقابل خروجه من السجن. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «أخرجني القضاء بالأمس، ولم أقم بأي توافق مع أي طرف. لا (النهضة) ولا الحكومة، ولا يوسف الشاهد». مضيفاً: «نشكر القضاء... تونس لديها قضاة شرفاء. ورغم الضغط السياسي أعطوا لكل ذي حق حقه».
وتابع القروي: «كنت أتمنى تأخير الانتخابات لكي يستطيع الشعب أن يرى حملة انتخابية، ولكن سيكون الأمر صعباً في يومين».
ومع خروج القروي من سجن المرناقية بالعاصمة تونس، استقبله أنصاره رافعين صوره، وغادر في سيارته محاطاً بمواكبة أمنية، قبل أن يلتحق بأعضاء حملته في مقر الحزب بالعاصمة.
في المقابل، استأنف منافسه سعيّد حملته الانتخابية، بعد أن قرر السبت الماضي تعليقها شخصياً «لغياب مبدأ تكافؤ الفرص» بينه وبين القروي في مخاطبة الناخبين. وأعلنت صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن برنامجه يبدأ بزيارات ميدانية لعدد من المدن في محافظة سوسة (شرق).
لكن بعض الصحف أثارت تساؤلات حول الخطوة المقبلة للقروي؛ حيث عنونت صحيفة «المغرب» أمس: «الإفراج عن نبيل القروي... وماذا بعد؟»، وقدرت أن «الحيز الزمني سيكون ضيقاً للحملة الانتخابية، وقد يفضل القروي التحرك في جهات رمزية».
ومن المنتظر أن ينظم التلفزيون الحكومي مساء اليوم مناظرة تلفزيونية، ستكون حاسمة للطرفين، وقد تشهد متابعة واسعة من قبل التونسيين، بالنظر إلى إمكانية مشاركة المرشحين في الحملات الانتخابية للدورة الثانية.
ولم يتمكن القروي من حضور المناظرة التلفزيونية قبل الدورة الأولى، في حين شارك فيها سعيّد وباقي المرشحين الـ24، ولقيت متابعة كبيرة من التونسيين. وقد شكل قيس سعيّد (61 عاماً) مفاجأة الدورة الأولى؛ لأنه لم يقم بحملة انتخابية واسعة، واقتصرت غالبية تحركاته على بعض الزيارات الميدانية لأحياء في العاصمة تونس. ويقول عنه طلابه إنه شخص كرس حياته لمهنة التدريس، وإنه يظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم، ونادراً ما يبتسم. كما عرف عنه أنه يرفع لواء مبادئ الثورة التونسية، انطلاقاً من شعار «الشعب يريد، نحن لا نستطيع تغيير الجغرافيا، ولكن نستطيع تغيير التاريخ»، وأيضاً دعوته إلى «لا مركزية القرار السياسي، وتوزيع السلطة على لجان محلية».
وسيدعى أكثر من سبعة ملايين تونسي، بعد غد الأحد، لاختيار الرئيس القادم للبلاد، علماً بأن نسبة المشاركة في الدورة الأولى ناهزت الخمسين في المائة.
وأفرزت الانتخابات النيابية التي توسطت دورتي الرئاسية، فوز حركة «النهضة» بـ52 مقعداً، تلاها حزب القروي «قلب تونس» بـ38 مقعداً. وتأكد مشهد برلماني مشتت الكتل بغياب حزب ذي غالبية تمكنه من تشكيل حكومة، والمصادقة عليها في البرلمان بـ109 أصوات.
ويرى مراقبون أن توقيف القروي كان له تأثير على الانتخابات التشريعية، رغم كونها أهم من الرئاسية، بالنظر إلى أن صلاحيات رئيس البلاد تبقى أقل نسبياً من صلاحيات رئيس الحكومة، حسب الدستور. وقد أعلن محاميه في وقت سابق أن الهيئة تقدمت بقضية استعجالية منذ يوم الثلاثاء، وقبل الإفراج عن القروي لدى المحكمة الإدارية، لطلب تأجيل الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المقرر يوم الأحد. وسبب الدعوى أن القروي لم تتسنَّ له إدارة حملته الانتخابية، ولم يحظ بمبدأ تكافؤ الفرص، مثل منافسه قيس سعيد. ويتوقع أن تعلن المحكمة قرارها في وقت لاحق.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.