رئيس المجلس الأوروبي لرئيس وزراء بريطانيا: إلى أين أنت ذاهب؟

جونسون قد يواجه تمرداً داخل حكومته واستقالة 5 وزراء

نايجل فاراج زعيم حزب «بريكست» يحضر جلسة للبرلمان الأوروبي في بروكسل تحضيراً للقمة الأوروبية (رويترز)
نايجل فاراج زعيم حزب «بريكست» يحضر جلسة للبرلمان الأوروبي في بروكسل تحضيراً للقمة الأوروبية (رويترز)
TT

رئيس المجلس الأوروبي لرئيس وزراء بريطانيا: إلى أين أنت ذاهب؟

نايجل فاراج زعيم حزب «بريكست» يحضر جلسة للبرلمان الأوروبي في بروكسل تحضيراً للقمة الأوروبية (رويترز)
نايجل فاراج زعيم حزب «بريكست» يحضر جلسة للبرلمان الأوروبي في بروكسل تحضيراً للقمة الأوروبية (رويترز)

أصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قاب قوسين أو أدنى. خلال ثلاثة أسابيع فقط، أي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، قد تُنهي لندن عضويتها في التكتل الأوروبي بعد أكثر من أربعة عقود. لكن الأهم من ذلك، كما تراه بروكسل والمعارضة البريطانية وقطاع واسع من حزب المحافظين الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون، وأيضاً بعض أعضاء حكومته، أن الانفصال قد يحصل من دون اتفاق. واتهمت هذه الأطراف جونسون بأنه يحاول إلقاء اللوم على بروكسل في عدم التوصل إلى اتفاق.
ورد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، قائلاً: «دعْ لندن تَقُلْ ما تريده بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي»، وذلك بعد أن أعلنت عن رأيها بشأن مكالمة هاتفية جرت بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقالت الحكومة البريطانية، أول من أمس (الثلاثاء)، بعد مكالمة هاتفية جرت بين جونسون وميركل، إن ميركل تعتقد أن التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو «أمر غير مرجح بدرجة كبيرة». وغرّد توسك على «تويتر» قائلاً: «بوريس جونسون، إن المهم هو ليس الفوز في عملية حمقاء لتبادل الاتهامات، ولكن المهم هو مستقبل أوروبا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى أمن ومصالح شعبنا (الأوروبي)». وقال توسك موجهاً كلامه إلى جونسون: «أنت لا تريد اتفاقاً ولا تريد تمديداً ولا تريد العدول (عن فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي)»، مضيفاً: «إلى أين أنت ذاهب؟».
ولم تعلق الحكومة الألمانية على الفور بشأن ما قالته بريطانيا. وقالت صحيفة «دي تيد» البلجيكية إن السؤال يتعلق بما إذا كان بوريس جونسون يرى ذلك أمراً سيئاً، «حيث إنه سيعد تمكّنه من تحميل أوروبا المسؤولية ثم تنفيذ خروج قاسٍ، نجاحاً». ورأت الصحيفة أن جونسون ربما احتاج إلى هذا «النصر» خلال الانتخابات المبكرة «التي ستأتي عاجلاً أم آجلاً».
وبدورها قالت صحيفة «التايمز» البريطانية اليومية إن جونسون، مهدَّد بتمرد داخل حكومته، وذلك بسبب الاستياء داخل المجلس تجاه سياسته بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من دون اتفاق. وحسب الصحيفة البريطانية فإن هناك قائمة بخمسة وزراء مرشحين لتقديم استقالاتهم، حيث يرفضون -وفقاً للصحيفة- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. وذكرت الصحيفة أن الوزراء المرشحين للقفز من مركب جونسون هم: جوليان سميث وزير شؤون آيرلندا الشمالية، ووزيرة الثقافة نيكي مورغان، ووزير العدل روبرت بوكلاند، ووزير الصحة ماك هانكوك، إضافة إلى النائب العام جيوفري كوكس، أهم مستشار قانوني للحكومة.
كما قالت الصحيفة إن كبير مستشاري جونسون، دومينيك كامينغز، الذي يُعتقد أنه يتبنى موقفاً لا هوادة فيه بشأن الخروج، تعرض لانتقادات حادة خلال جلسة ساخنة لمجلس الوزراء. وحسب الصحيفة فإن وزيراً حذّر من خروج «عدد كبير جداً» من النواب المحافظين من الحزب في حالة خروج بريطانيا من دون اتفاق. يشار إلى أن رئيس الوزراء البريطاني يخطط لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي في الحادي والثلاثين من أكتوبر الجاري، ولكنّ كلا الطرفين، بريطانيا والاتحاد، يسعى للتوصل لاتفاق قبل القمة الأوروبية المقررة أواخر الأسبوع المقبل.
واتهمت المعارضة العمالية الحكومة بأنها تريد فقط إلقاء اللوم على الآخرين في عملية الخروج من دون اتفاق. المتحدث باسم حزب العمال لشؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كير ستارمر، قال إن الحكومة المحافظة برئاسة جونسون تعمل على «تخريب مفاوضات (الخروج من الاتحاد الأوروبي)».
وقالت الحكومة البريطانية إن ميركل «أوضحت أن الاتفاق غير مرجح في الأغلب، وهي تعتقد أن الاتحاد الأوروبي لديه حق النقض (الفيتو) ضد ترك بريطانيا للاتحاد الجمركي».
وكتب ستارمر في تغريدة له على «تويتر»: «إنها محاولة ساخرة جديدة من جانب الحكومة البريطانية لتخريب المفاوضات». وقال إن «بوريس جونسون لن يتحمل أبداً مسؤولية فشله في طرح اتفاق ذي مصداقية»، مضيفاً: «لقد كانت استراتيجيته منذ اليوم الأول هي خروج من دون اتفاق». وأضاف ستارمر أنه «من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يتّحد البرلمان لمنع هذه الحكومة المتهورة من الخروج بنا من الاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر»، وذلك في إشارة إلى إصرار جونسون على ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 الجاري، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.
وقالت صحيفة «دي تيد» البلجيكية، معلقةً في عدد أمس (الأربعاء)، على الخلاف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك «رد بغضب وتحدث عن لعبة حمقاء»، مشيراً بذلك إلى طريقة تعامل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، مع عملية الخروج. ورأت الصحيفة أنه «وعلى أي حال فإن المباحثات صعبة جداً، فلم يعد هناك أحد يتحدث عن مفاوضات حقيقية». وتابعت الصحيفة: «وحسب المعتاد في حرب الطلاق، فلا أحد يريد أن يصبح مذنباً نهاية اليوم، فرغم أن الجميع سيستفيد من الانفصال المنظم والاتفاقات النظيفة، فإن هذا الخيار أصبح غير محتمل بشكل متزايد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟