«الوسيط الدولي» يعمّق الخلاف المصري ـ الإثيوبي حول مفاوضات «سد النهضة»

TT

«الوسيط الدولي» يعمّق الخلاف المصري ـ الإثيوبي حول مفاوضات «سد النهضة»

دافعت مصر عن طلبها إدخال طرف دولي محايد في مفاوضتها المتعثرة مع إثيوبيا حيال «سد النهضة»؛ إذ قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال جلسة عامة للبرلمان، أمس، تناولت استراتيجية بلاده في التعامل مع الأزمة: «الأنسب أن يكون هناك وسيط دولي، طالما هناك اختلاف».
وصرحت مصر علانية عن رغبتها في تدخل دولي، للمرة الأولى خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمام الأمم المتحدة، نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، كما أعربت مؤخراً عن تطلعها لـ«دور أميركي» في الأزمة. لكن المقترح المصري وُوجه برفض إثيوبي قاطع، حيث وصفته وزارة المياه الإثيوبية، أمس، بأنه «يُعتبر عبوراً للخط الأحمر الذي رسمته إثيوبيا».
وتجري البلدان، بمشاركة السودان، مفاوضات مكوكية منذ نحو ثماني سنوات حول السد، الذي تبنيه أديس أبابا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، حيث تخشى القاهرة الإضرار بحصتها من النيل، التي تقدر بـ«55.5 مليار متر مكعب»، وتعتمد عليها بنسبة تتجاوز 95 في المائة لتأمين حاجاتها المائية.
ومطلع الأسبوع، أعلنت مصر وصول المفاوضات لـ«طريق مسدودة نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي، ورفضه المقترحات كافة التي تراعي مصالح مصر المائية». وقال الرئيس السيسي في تصريح متزامن، إن بلاده ستواصل «اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية حقوقها».
وألقى رئيس الوزراء المصري بياناً أمام مجلس النواب، أمس، تناول فيه إجراءات بلاده لتأمين «حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل»، وقال: «أطمئن الشعب بأن الدولة بمؤسساتها كافة ملتزمة بالحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل».
ونوّه مدبولي إلى أن «الحوار (مع إثيوبيا) لا يزال مفتوحاً من أجل الوصول لحلول، بشرط ألا يؤثر ذلك على حقوق مصر»، وبخاصة أنها «دخلت وفق التعاريف الدولية مرحلة الفقر المائي»، التي يقل فيها نصيب الفرد عن ألف متر مكعب سنوياً.
وأضاف رئيس الوزراء «مصر بذلت مساعي كثيرة للتفاوض منذ قامت إثيوبيا بالإعلان الأحادي عن بناء السد، في ظل الظروف، التي كانت تمر بها مصر عام 2011 (ثورة 25 يناير/كانون الثاني)».
وتبني إثيوبيا السد بهدف أن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميغاواط، ووفقاً للمخطط سيتم الانتهاء من المشروع عام 2023.
وأكد مدبولي أن «الجلسة الأخيرة بين الدول الثلاث شهدت تشدداً من الجانب الإثيوبي حول ثوابت كانت محل توافق، والتي كانت تتعلق بملء السد، وفترة ملئه وآليته، وما بعد ملء السد وتشغيله، طالما أن السد أصبح حقيقة واقعة». مشيراً إلى أن «هناك نوعاً من الخلاف مع الجانب الإثيوبي، طبقاً لاتفاق إعلان المبادئ، الذي كان ينص على أنه في حال عدم اتفاق الدول الثلاث يكون هناك وسيط دولي»، كما لفت إلى أن «مصر طالبت بذلك. لكن الجانب الإثيوبي طلب مزيداً التفاوض، ووجدنا الأنسب أن تكون هناك وقفة وتواجد وسيط دولي، طالما أن هناك اختلافاً حول الجوانب الفنية».
واستعرض مدبولي خطة بلاده لمواجهة الأزمة المتوقعة، مؤكداً بدء تنفيذ خطة بتكلفة 900 مليار جنيه، تشمل التحول للري الحديث في الزراعة، ومعالجة مياه الصرف، والتوسع في محطات تحلية مياه البحر والمياه الجوفية، ونوّه إلى أن «تكاليف هذه الخطة تحملتها مصر تأكيداً لحسن نواياها مع دول حوض النيل».
ودعم وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال جلسة البرلمان، مقترح بلاده إدخال وسيط دولي، مؤكداً أن «إثيوبيا خالفت اتفاقية الأمم المتحدة لحماية مياه الأنهار عام 1997»، التي تنص على إلزام الدول أصحاب المشاريع على الأنهار بالتفاوض مع دول المصب، قبل إنشاء مثل هذه المشروعات.
كما شدد شكري على أن المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ، الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، نصت على أنه في حالة وجود خلاف بين الدول الثلاث، يتدخل طرف دولي رابع محايد للفصل في النزاع بين الأطراف. ونوّه إلى أن الاجتماعات الأخيرة أظهرت تشدد الموقف الإثيوبي، الذي أعرب عن عدم استعداده لمناقشة قواعد الملء والتشغيل، وفرض سياسة الأمر الواقع؛ الأمر الذي أدى إلى مطالبة مصر بتفعيل تلك المادة.
في سياق ذلك، أكد شكري أن مصر تسعى لترسيخ مبادئ وحماية القانون الدولي، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه التعنت الإثيوبي، وفرض سياسة الأمر الواقع.
في المقابل، وصفت السلطات الإثيوبية المقترح المصري بأنه «يعبر الخط الأحمر». ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزارة المياه والطاقة، أن «اقتراح مصر الجديد أصبح نقطة خلاف بين البلدين».
وأوضح تيفيرا بين، مستشار شؤون الأنهار الحدودية بالوزارة الإثيوبية، أن مصر اقترحت إطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق المزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر، كما دعت لإشراك طرف رابع في المناقشات بين الدول الثلاث.
وذكرت الوكالة، أن إثيوبيا تؤكد رفض المقترح، وتشدد على أن «بناء السد هو مسألة بقاء وسيادة وطنية».
وسبق أن أكدت وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية مؤخراً، أن «إثيوبيا مقتنعة بضرورة استمرار المشاورة الفنية»، باعتبارها «توفر الخيار الوحيد لحل الخلافات بين الدول الثلاث فيما يتعلق بملء وتشغيل السد».
ويمثل الرفض الإثيوبي عائقاً أمام رغبة مصر في دخول طرف محايد، وقد حظيت مصر مؤخراً بدعم دولي في طلبها الوساطة، حيث أعرب البيان الختامي للقمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان، مساء أول من أمس، عن «الحاجة إلى دور دولي فعال للتغلب على الجمود، الذي تشهده مفاوضات سد النهضة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.