أعلن نبيل بافون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، مساء أمس، عن النتائج الأولية الرسمية للانتخابات البرلمانية، التي أجريت في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، والتي نالت فيها حركة النهضة المرتبة الأولى في عدد المقاعد البرلمانية، فيما حل حزب «قلب تونس»، الذي يتزعمه نبيل القروي، في المرتبة الثانية، لتصبح بذلك قيادات «النهضة» أمام مهمة صعبة لتشكيل حكومة ائتلافية، قادرة على نيل ثقة البرلمان التونسي، وضمان الأغلبية المطلقة، المقدرة بـ109 أصوات من إجمالي 217 مقعدا برلمانيا.
وبشأن القوى السياسية، التي قد تتحالف معها حركة النهضة، قال محمد بن سالم، قيادي الحركة، في تصريح لوسائل الإعلام أمس: «لن نتحالف مع الفاسدين والفساد، وسنتحالف مع قوى الثورة، القادرة على تكوين أغلبية، والقوى الوسطية المعروفة بالثورية وليس لها عداء، والتي تقبل أن تكوّن أغلبية مريحة في البرلمان».
وأضاف بن سالم بخصوص شروط محمد عبو، زعيم حزب التيار الديمقراطي، حول منح حزبه حقائب الداخلية والعدل كشرط للمشاركة في الحكومة المقبلة: «نحن لا نمانع في تولي شخصية مستقلة رئاسة الحكومة. المهم هو أن تحظى الشخصية المرشحة بقبول جميع القوى المتحالفة، وأن تكون شخصية ذات كفاءة».
أما بخصوص تعامل حركة النهضة مع الحزب «الدستوري الحر»، الذي تقوده عبير موسي، القيادية السابقة في حزب التجمع المنحل، فقد أوضح بن سالم أنه حزبه «سيتعامل مع هذا الحزب بكل ديمقراطية ولن نقصي أحدا، لأن النهضة رفضت في السابق قانون الإقصاء السياسي»، مؤكدا أن حركته «ستتعامل معه بشكل ديمقراطي» على حد تعبيره.
وإثر الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، طرحت أمس 3 سيناريوهات قوية لتشكيل حكومة تتزعمها حركة النهضة، تضم عددا من الأحزاب والائتلافات السياسية، التي قد تقبل الدخول مع النهضة في الحكومة. ومن بين هذه السيناريوهات المحتملة إمكانية أن تتحالف حركة النهضة مع «ائتلاف الكرامة»، الذي يتزعمه سيف الدين مخلوف، وحزب التيار الديمقراطي بزعامة محمد عبو، وحركة «تحيا تونس»، بزعامة يوسف الشاهد، وهذا الائتلاف يمنح الحكومة، إذا تشكل، أكثر من 110 أصوات.
كما يمكن لـ«النهضة» أن تتحالف مع حركة «تحيا تونس» و«حزب التيار الديمقراطي» و«الحزب الدستوري الحر»، الذي تتزعمه عبير موسي، وفي هذه الحالة يمكن أيضا ضمان الأغلبية التي تمنح الثقة للحكومة.
أما السيناريو الثالث المطروح، والذي يضمن لحركة النهضة الأغلبية المطلقة بكل تأكيد، فيتطلب أن تتحالف من خلاله مع حركة تحيا تونس، وحزب قلب تونس. لكن هناك أيضا حسب بعض المراقبين، سيناريوهات أخرى تطرح على النهضة لتشكيل الحكومة، ومن بينها التحالف مع «حركة تحيا تونس»، و«حركة الشعب» (حزب قومي) و«حزب التيار الديمقراطي»، أو التحالف مع عدد أكبر من الأحزاب والأطراف السياسية المتنوعة، مثل تحالفها الممكن مع «ائتلاف الكرامة»، و«حزب الرحمة»، وهو حزب إسلامي فاز بنحو أربعة مقاعد برلمانية، بالإضافة إلى «حزب التيار الديمقراطي» وبعض المستقلين، وبهذا الشكل تكون حركة النهضة قادرة على تشكيل حكومة، وتفادي الفشل في تكوين حكومة ائتلافية، وتجنب الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة. ووفق مصادر مقربة من حركة النهضة، فإنه من المنتظر أن تقدم الحركة أحد قياداتها لرئاسة الحكومة المقبلة، ومن بين الأسماء المطروحة زياد العذاري، الأمين العام للحزب الذي يشغل حاليا وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي.
كما ذكرت مصادر متطابقة أن مشاورات أولية أطلقتها حركة النهضة مع يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية، من أجل خلق تقارب سياسي بين الطرفين، وإمكانية الاستفادة من خبرته التي اكتسبها خلال السنوات الماضية في إدارة السلطة.
وكان «حركة الشعب» (حزب قومي)، وحزب «التيار الديمقراطي» قد اقترحا شخصية سياسية محايدة لرئاسة الحكومة المقبلة، وتدور معظم التخمينات حول الصافي سعيد، الذي ترشح للسباق الرئاسي وحصل على نسبة 7.1 في المائة من أصوات الناخبين. لكنه فشل في تخطي الدور الأول.
من جهة ثانية، وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية التي ستجري الأحد المقبل، قرر القضاء التونسي مساء أمس إطلاق سراح المرشح للرئاسة نبيل القروي، حسبما أفاد محاميه كمال بن مسعود.
وأكد بن مسعود لوكالة الصحافة الفرنسية أن «محكمة النقض تخلت عن قرار غرفة الاتهام» الذي أوقف القروي بموجبه أواخر أغسطس (آب) الماضي.
والقروي رجل أعمال وقطب إعلام أُوقف في 23 من أغسطس الماضي، وأودع الحبس الاحتياطي بشبهة تبييض أموال، لكنّه نال 15.58 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 15 من سبتمبر (أيلول) الماضي، مما أهّله لخوض الدورة الثانية الحاسمة. ورفضت السلطات التماسات عدّة قدّمها القروي لإطلاق سراحه.
وقال محاميه نزيه صويعي إنه تم تقديم التماس للمحكمة الإدارية، يستند إلى عدم احترام تكافؤ الفرص بين القروي ومنافسه قيس سعيّد، الذي حل أوّلا في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وأعلن حزبه «قلب تونس» أنه تمّت مراسلة «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» بتاريخ 30 من سبتمبر الماضي لمطالبتها بتمكين القروي من «التنقل لجميع الولايات (24 ولاية) أثناء الحملة، وإجراء حوارات مباشرة مع وسائل الإعلام».
وأفاد البيان بأن القروي «متمسك بحقّه في خوض الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019»، وأن «الإشاعات حول انسحابه من السباق الرئاسي لا أساس لها من الصحة».
وحلّ حزبه الذي تأسس قبل ستة أشهر ثانيا في الانتخابات التشريعية الأحد الماضي، بحسب عدة استطلاعات، علما بأن النتائج الرسمية ستصدر مساء الأربعاء.
وسابقا دعت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات وسياسيون تونسيون ومراقبون دوليون إلى تمكين القروي من خوض حملته بشكل متكافئ. فيما قادت زوجته سلوى السماوي الحملة الانتخابية نيابة عن زوجها، كما تتولى قناة «نسمة» الدعاية رغم اعتراض سلطات مراقبة الإعلام المرئي والمسموع.
وأثار توقيت القروي عشية انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية، والإجراءات القضائية التي اتّخذت بحقه، شكوكا حيال استغلال القضاء لغايات سياسية.