مصر تؤكد التزامها بالحفاظ على حصتها من مياه نهر النيل

إثيوبيا اعتبرت أن مقترح القاهرة بشأن سد النهضة «يتجاوز الخط الأحمر»

سد النهضة الإثيوبي (رويترز)
سد النهضة الإثيوبي (رويترز)
TT

مصر تؤكد التزامها بالحفاظ على حصتها من مياه نهر النيل

سد النهضة الإثيوبي (رويترز)
سد النهضة الإثيوبي (رويترز)

أكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأربعاء)، أن الدولة المصرية بكافة مؤسستها ملتزمة بالحفاظ على حصة مصر في مياه نهر النيل، قائلاً: «نحن كدولة منذ أن بدأت إثيوبيا في تنفيذ مشروع سد النهضة، بدأنا في التحرك في كافة الطرق المختلفة، وعملنا على تنفيذ كثير من المشروعات الخاصة بالحفاظ على الموارد المائية؛ لأننا نعلم أن مواردنا المائية ثابتة، في حين أن الزيادة السكانية تفرض علينا العمل على الحفاظ على تلك الموارد».
وأضاف مدبولي خلال جلسة لمجلس النواب المصري حول «سد النهضة» أن «الدولة بذلت كثيراً من الجهود من أجل الاستفادة من كل قطرة مياه، كما أن حجم المشروعات التي تم تنفيذها للحفاظ على المياه كبير؛ حيث بدأت وزارة الإسكان في إنشاء ورفع كفاءة كل محطات معالجة الصرف الصحي، وتحويلها إلى معالجة ثنائية وثلاثية بتكاليف 30 مليار جنيه، وسننهي هذه المشروعات قبل نهاية العام المالي الحالي، لنصل لتطوير نحو 60 محطة أغلبها في الصعيد».
وتابع رئيس الوزراء المصري: «شرعنا في تنفيذ حجم هائل من مشروعات محطات تحلية مياه البحر، والتي كانت تنتج نحو 80 ألف متر مكعب قبل 3 سنوات، وأصبحت اليوم تنتج 800 ألف متر مكعب يومياً؛ بالإضافة إلى مشروعات معالجة مياه مصرف بحر البقر، وهو من أكبر المشروعات في العالم، والذي ينتج نحو 5.‏5 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي، ومعالجة مياه مصرف المحسمة، والذي ينتج مليون متر مكعب يومياً».
وقال مدبولي: «إننا نجري ونسابق الزمن لتوفير احتياجاتنا من المياه، ليس من أجل الأجيال الحالية فقط؛ لكن من أجل المستقبل أيضاً، فنحن كدولة لدينا مشروعات مستقبلية، وحريصون على وصول المياه لكل المواطنين المصريين حالياً وللمستقبل».
من جانبه، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إن ملف مياه النيل وسد النهضة يأتي في صدارة اهتمامات الدولة المصرية، مشدداً على أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
وأكد شكري، خلال كلمته أمام مجلس النواب، أن مصر تعمل على حماية مصالحها وحقوقها في مياه النيل على مر العصور، قائلاً: «إننا انخرطنا في قضية سد النهضة عقب اتجاه إثيوبيا إلى بناء السد في عام 2011». وأضاف أن إثيوبيا خالفت اتفاقية الأمم المتحدة لحماية مياه الأنهار عام 1997، لافتاً إلى أن المواد من 11 إلى 19 من الاتفاق نصت على إلزام الدول أصحاب المشروعات على الأنهار بالتفاوض مع دول المصب، قبل إنشاء مثل هذه المشروعات.
وأوضح شكري أن القيادة السياسية كانت لديها رؤية واضحة منذ 2014 بشأن قضية «سد النهضة»؛ حيث تم الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا على توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في 23 مارس (آذار) 2015، والذي مثل إنجازاً حقيقياً يمثل إلزاماً على إثيوبيا تجاه دولتي المصب، ويحقق مصالح متبادلة لكافة الأطراف.
وشدد وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، في كلمته أمام النواب، على أهمية التوصل لآلية التنسيق في ملء السد والتشغيل؛ لا سيما في فترات الجفاف ومراحل الملء لتوليد الكهرباء؛ بحيث لا تؤثر بشكل جسيم على حصص مياه دول المصب، ولو بمتر مكعب واحد، قائلاً: «طلبنا وسيطاً دولياً للتدخل في عملية التفاوض مع إثيوبيا والسودان». وأضاف: «إن مصر تتعاون مع دول حوض النيل، وكذلك في ربط الدول الأفريقية الحبيسة بالبحر المتوسط من أجل التنمية وتقليل مستويات الفقر، وتنشيط التجارة والسياحة، وزيادة المشروعات المشتركة الفنية مع دول حوض النيل».
في المقابل، وصفت السلطات الإثيوبية اليوم المقترح المصري الأخير بشأن سد النهضة، بأنه «يعبر الخط الأحمر». ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزارة المياه والري والطاقة، أن «اقتراح مصر الجديد بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، أصبح نقطة خلاف بين البلدين».
وقالت الوزارة، في مناقشة نظمها مكتب المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة لدعم سد النهضة، إن اقتراح مصر «يُعتبر عبوراً للخط الأحمر الذي رسمته إثيوبيا».
وخلال المناقشة، أطلع تيفيرا بين، مستشار شؤون الأنهار الحدودية بوزارة المياه والري والطاقة، المشاركين على سلسلة المحادثات الثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر. وقال إن مصر اقترحت إطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق مزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر، كما أنها دعت لإشراك طرف رابع في المناقشات بين الدول الثلاث.
وذكرت الوكالة أن إثيوبيا تؤكد رفض المقترح، وتشدد على أن «بناء السد هو مسألة بقاء وسيادة وطنية».
وكانت وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية قد قالت مؤخراً إن «إثيوبيا مقتنعة بضرورة استمرار المشاورة الفنية؛ حيث إنها توفر الخيار الوحيد لحل الخلافات بين الدول الثلاث، فيما يتعلق بملء وتشغيل السد».
وأعلنت وزارة الموارد المائية المصرية، السبت الماضي، وصول المفاوضات لـ«طريق مسدود نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي، ورفضه كافة المقترحات التي تراعي مصالح مصر المائية».
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تصريح متزامن، إن بلاده ستواصل «اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية حقوقها المائية»، مشدداً على أن «الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل».
وتبني أديس أبابا السد الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، منذ عام 2011، بهدف أن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا، من خلال توليد أكثر من 6000 ميغاواط. ووفقاً للمخطط سيتم الانتهاء من المشروع عام 2023.
وتخشى القاهرة أن تؤدي فترة ملء بحيرة السد إلى الإضرار بحصتها من مياه النيل، والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، وتعتمد عليها بنسبة تتجاوز 95 في المائة لتأمين حاجاتها المائية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟