ماكرون يتعهد حرباً بلا هوادة ضد الإرهاب والتطرف

تصاعد الحملة على وزير الداخلية الفرنسي... ولجنة تحقيق في جريمة مديرية الشرطة

نعوش الضحايا الأربع يلفها العلم الفرنسي وسط ساحة مديرية شرطة باريس خلال حفل تأبينهم أمس (أ.ف.ب)
نعوش الضحايا الأربع يلفها العلم الفرنسي وسط ساحة مديرية شرطة باريس خلال حفل تأبينهم أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يتعهد حرباً بلا هوادة ضد الإرهاب والتطرف

نعوش الضحايا الأربع يلفها العلم الفرنسي وسط ساحة مديرية شرطة باريس خلال حفل تأبينهم أمس (أ.ف.ب)
نعوش الضحايا الأربع يلفها العلم الفرنسي وسط ساحة مديرية شرطة باريس خلال حفل تأبينهم أمس (أ.ف.ب)

مع كل يوم يمر، تتكشف أمور جديدة بشأن العملية الإرهابية التي أوقعت 4 قتلى وعدة جرحى إضافة لمرتكبها في مقر مديرية شرطة باريس؛ وتحديداً في قسم المخابرات المكلف مواجهة التطرف والإرهاب. ومنذ أن بان تشدد الجاني وراديكاليته الإسلاموية، بفضل القرائن المادية والشهادات الحية التي توصل إليها التحقيق القضائي، اتسعت دائرة تداعيات هذه المقتلة وتحولت إلى قضية سياسية وتكاثرت التساؤلات حول كيفية حدوث عمل إرهابي داخل ما يفترض أن يكون حصناً أمنياً، وأن يكون مرتكبه موظفاً تابعاً لقسم المخابرات ومولجاً صيانة كومبيوترات القسم وذلك منذ 16 عاماً... وأكثر من ذلك، فقد عادت فرنسا سنوات إلى الوراء لتغوص مجدداً في أجواء الإرهاب ويقتنص اليمين واليمين المتطرف الفرصة للتصويب على وزير الداخلية والحكومة ورئيس الجمهورية، وللمطالبة باستقالة الأول المطلوب للإدلاء بشهادته أمام لجان في مجلسي النواب والشيوخ.
وكرمت فرنسا، أمس، بحضور رئيس الجمهورية، في باحة مديرية الشرطة، ذكرى رجال الأمن الثلاثة والموظفة الذين قتلهم ميكاييل هاربون طعناً بالسكين التي اشتراها صبيحة يوم ارتكابه جريمته الرباعية قبل أن يقتل بالرصاص في باحة المديرية. ووسط حضور رسمي كثيف وبوجود عائلات وأقارب القتلى، سجيت نعوش الأربعة التي لفت بالعلم الفرنسي وسط الساحة ومنحوا تنويه جوقة الشرف. وألقى الرئيس ماكرون كلمة غلب عليها الطابع السياسي. وكانت هذه ثاني مرة يأتي فيها إلى مقر المديرية لأنه سارع إليها يوم الخميس الماضي ومباشرة بعد المقتلة.
وفي كلمته وإزاء الانتقادات الموجهة إلى سياسته إنْ في ملف مواجهة الإرهاب، أو الهجرات، تبنى الرئيس الفرنسي لغة بالغة التشدد، واعداً بـ«شن معركة بلا هوادة ضد الإرهاب والتطرف». لكنه سارع بعدها لإيضاح أن هذه الحرب «ليست ضد الديانة الإسلامية» بل ضد «الوحش الأصولي»، داعياً الفرنسيين جميعاً إلى التعبئة لمواجهة هذا الوحش. وتعود الإشارة للإسلام إلى أن الجاني ميكاييل هاربون قد اعتنق الديانة الإسلامية منذ 10 سنوات وتبنى خطاً راديكالياً متشدداً.
وعثرت أجهزة محاربة الإرهاب التي عهدت إليها مهمة التحقيق في الجريمة ودوافعها، على مقاطع فيديو تمجد «داعش» وعملياته، كما تبين لاحقاً أن هاربون كان يتردد على مسجد في ضاحية غونيس (الواقعة شمال باريس) حيث يقيم إمام متطرف، كما أنه كان على تواصل مع أصوليين متطرفين. إضافة إلى ذلك، ذكر زملاء له للتحقيق أن الجاني عبّر عن «فرحه» بالجريمة الإرهابية التي أصابت أسرة تحرير مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة بداية عام 2015 والتي كانت نقطة الانطلاق لسلسلة من العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا وأوقعت 246 قتيلاً ومئات عدة من الجرحى.
ومما جاء في كلمة ماكرون، متوجهاً إلى رجال الشرطة المجتمعين للاستماع له: «إن زملاءكم قد سقطوا تحت ضربات متطرف يحمل الموت في طياته، وعلينا محاربته». وإزاء التساؤلات المتكاثرة حول العملية، وعد ماكرون بـ«جلاء (جميع جوانب) العملية وتوفير الإجابات عن الأسئلة كافة وتحديد المسؤوليات وتمكين القضاء من ممارسة عمله».
ثمة تخوفات لدى المحققين من أن يكون ميكاييل هاربون قد استفاد من طبيعة عمله التي تتيح له الاطلاع على محتويات كومبيوترات قسم المخابرات لينقل المعلومات لأطراف أخرى، خصوصاً أنها قد وجدت لوائح بأسماء عدد من رجال الأمن العاملين لصالح المخابرات الداخلية مع أرقام هواتفهم وعناوينهم الخاصة. كذلك يسعى المحققون للتحري عن وجود أشخاص ربما قدموا مساعدات مادية أو لوجيستية للجاني. وقد اعترف وزير الداخلية كريستوف كاستانير بوجود «خلل» في عمل الأجهزة الأمنية بالنظر إلى أن دلائل التشدد والراديكالية قد ظهرت على سلوكيات هاربون بعكس ما أكده كاستانير في أولى تصريحاته عن الحادثة. ويجهد الأخير في تبرير ما تراه المعارضة خطاً فادحاً؛ لا بل «فضيحة دولة». وسبق لزملاء لهاربون أن تحدثوا عن سلوكيات أثارت ريبتهم؛ ومنها، إلى جانب «تشفّيه» لعملية «شارلي إيبدو»، أنه كان تخلى عن ثيابه العادية وأخذ يرتدي ثياباً تقليدية «جلباباً» عند ذهابه إلى المسجد، كما أنه راح يرفض مصافحة النساء اللاتي يعملن معه، علماً بأنه يعرفهن منذ سنوات.
في شهاداته المتلاحقة، سعى كاستانير لتوفير إجابات «مقنعة» عن تساؤلات النواب والسياسيين والرأي العام. وحتى اليوم، ما زال وزير الداخلية الذي تتركز عليه الانتقادات يحظى بثقة رئيسي الجمهورية والحكومة. وهذه هي المرة الثالثة التي يكون فيها هدفاً لمعارضيه بعد الانتقادات العنيفة التي استهدفته بصدد إدارته السيئة لملف «السترات الصفراء»، ثم في موضوع غرق شاب في نهر لوار الذي ينساب في مدينة نانت (غرب فرنسا) الصيف الماضي بسبب تفريق رجال الأمن احتفالاً موسيقياً شبابياً في ساعة متأخرة.
وأمس، أعلن رئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) ريشار فران قبوله طلب المعارضة اليمينية تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في ملابسات اعتداء مديرية الشرطة، مما يعني أن هذه المسألة ومعها مسائل الإرهاب، ستبقى قيد النقاش لأسابيع طويلة. وثمة من يرى أن المعارضة اليمينية أو اليسارية تريد تسخيرها للتصويب على الحكومة.
وكان إدوارد فيليب، رئيس الوزراء، قد طلب القيام بتحقيقين لمراجعة أساليب استكشاف علامات الراديكالية والتطرف الديني في أجهزة الشرطة والدولة وإلزامية الإعلان عنها مخافة أن تتكرر مأساة الأسبوع الماضي. وكان ماكرون قد عبر عن دهشته بعد الحادثة إزاء تمكن هاربون من الحصول على تصريح أمني يتيح له الاطلاع على أسرار أمنية، عادّاً ذلك أمراً «لا يمكن تصوره وقبوله»، ومن أن يتمكن الأخير من تنفيذ هجومه «في المكان الذي نقوم فيه بملاحقة الإرهابيين والمجرمين».



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.