قال مراقبون إن النظام الإيراني يسعى من وراء بث رسائل تدعو للسلام وقبول الحوار مع السعودية لإعطاء انطباع حسن من خلال ما يدعيه متحدثون عن النظام من وزراء وعسكريين، إلى «تهدئة السعودية»، فيما أخذت رسائل التهدئة شكلاً متوازياً مع التصعيد في المنطقة، بينما أخذ منهج إطلاقها عبر الحوثيين، ومن باب الأزمة اليمنية.
وأعطت التصريحات التي يطلقها ممثلو النظام الإيراني انطباعا بأن محاولات المساومة المستمرة لم تعد تجدي كثيرا للمجتمع الدولي، كما هو الحال مع وزير الخارجية جواد ظريف، بالإضافة للمتحدث الرسمي باسم لرئاسة الإيرانية، لكون فضائح الجرائم الإيرانية في اليمن أكبر من أن يستطيع نظام طهران تغطيتها.
ووضعت الأزمة الإنسانية الطاحنة، إيران في موضع اتهام كبير أمام المجتمع الدولي، بسبب دعمها المستمر للجماعات الإرهابية في اليمن، وهو ما دعا وزير الخارجية ظريف، إلى أن يسارع بالظهور في مقابلة تلفزيونية حاول عبرها بث رسائل تفيد التهدئة، وفي المقابل حاول متحدث النظام إيهام العالم بوصول رسائل سعودية تتطلب التفاوض.
بينما في العاصمة الرياض، وضع صانعو القرار في السعودية النقاط على الحروف فيما يتعلق بمواصلة المملكة دعم اليمن حكومة وشعبا، وتفنيد بعض الأكاذيب الإيرانية التي أطلقت مؤخراً على لسان ممثليها، التي تزعم التهدئة.
وفي تعليق على ما ذكره وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلة عرضتها شبكة «سي إن إن» الأميركية حول استهداف «أرامكو» ومسؤولية الحوثيين عن ذلك، قال الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، ضمن سلسلة تغريدات على حسابه في «تويتر»: «حديث النظام الإيراني عن تهدئة في اليمن، وربطها بمحاولة الخروج مما يواجهه من أزمات، هو استغلال ومتاجرة رخيصة باليمن وشعبه بعد أن أشعل النظام الإيراني الأزمة في اليمن واستمر في تأجيجها».
من جهته، شدد عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عبر حسابه في «تويتر»، على أن «آخر ما يريده النظام المارق في إيران هو التهدئة والسلام في اليمن، فهو الذي يزود أتباعه بالأسلحة والصواريخ التي تستهدف أبناء اليمن وأمن المملكة ودول المنطقة، كجزء من نهج هذا النظام التوسعي الساعي لفرض سيطرته على الدول العربية عبر الميليشيات التابعة له».
- الضغوط ضد طهران
محللون سياسيون أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يصدر من تصريحات متناقضة للنظام الإيراني مؤخرا يدل على حالة الارتباك التي يعشيها نظام الملالي حاليا، إثر اتساع رقعة الانتقاد الدولي للجرائم التي يمولها النظام في المنطقة ولا سيما في اليمن، ومحاولة في الوقت نفسه لإطالة أمد الأزمة اليمنية. مؤكدين أن تريث السعودية في مواجهة السياسة الإيرانية، تعد حكمة من الرياض لتجنيب المنطقة شرور وقيام حروب جديدة.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور إمام غريب الباحث المصري في الشؤون السياسية في الشرق الأوسط أن إيران «وقعت مؤخرا في إشكالية كبيرة من خلال التناقض في التصريحات، ما بين رسائل تهدئة يمكن تسميتها أنها كلمة حق يراد بها باطل، وفي الوقت ذاته ترسل رسائل اعتراف بتقديم الحرس الثوري دعما للحوثيين»، موضحاً أن دافع طهران من التهدئة، مداراة ما تعرضت له من تعرية من جهات عدة، منها تصريحات الأمين العام للجامعة العربية عن مسؤولية إيران والحوثيين عن تردي الأوضاع في اليمن، إضافة إلى الأدلة على التورط الإيراني في هجوم أرامكو بالسعودية، ما يعني مزيدا من العقوبات الاقتصادية على إيران.
بينما أكد المحلل السياسي الأردني الدكتور تيسير المشارقة محاولة إيران كسب الوقت وإرجاء أي ضربة قد يتلقاها النظام، وأن النظام في طهران «قد يستخدم أسلوب المساومة في ظل تورطه في ملفات متعددة أرهقت أركانه»، مبينا أن الدعم الإيراني للحوثيين يعتبر من استراتيجيات الجمهورية، وهو محاولة منه لكسب الوقت وتطمين العرب، ولكن لا يحسن الاطمئنان في أي ظروف لنظام طهران.
في وقت يرى مراد الغاراتي المحلل السياسي والحقوقي اليمني، تعرض إيران الحاضنة الشعبية للحوثيين في اليمن، لضغوط كبيرة من المجتمع الدولي، فضلا عن التعامل السعودي المسؤول مع إيران وفقا للقانون الدولي والأعراف الدولية، ما جعل النظام الإيراني في وضع الغريق، ففي أوقات يبدأ بالمساومة، وفي ظروف أخرى يعرف حقيقة حجمه، فيبدأ باستعطاف المجتمع الدولي، خصوصا في ظل عدم التزام هذا النظام بالاتفاقات والقرارات الدولية.
- سياسة التريث السعودية
وفيما يتعلق بالسياسية التي تتبعها المملكة في التعامل مع الاستفزازات الإيرانية في المنطقة، يرى إمام غريب أن سياسية التريث السعودية اتسمت بالحكمة في كثير من المواقف التاريخية الناجحة، «ومع نظام طهران تظهر لنا الحكمة السعودية من خلال المساهمة مع المجتمع الدولي بالضغط الدبلوماسي، وفرض مزيد من العزلة».
ولكن تيسر المشارقة يشير إلى أن «سياسة التريث السعودية حيال العدوان الإيراني والتدخل الآيديولوجي لخدمة المشروع الفارسي الاستعماري من خلال الاستعانة بالحوثيين، ما هي إلا لدرء الحرب المحتملة في المنطقة، وفتح المجال للخطوات السلمية».
وفي المقابل، يوضح مراد الغاراتي أن «الإجراءات السعودية، تعد ممارسات لدولة مسؤولة وملتزمة كعضو فاعل ومؤثر في المجتمع الدولي يلتزم بالأعراف الدولية»، ويضيف أن السياسية السعودية تهيئ فرصة لكشف الأدلة التي تثبت تورط إيران في المنطقة وفي اليمن على وجه التحديد. مشدداً على أن ذلك يؤكد أن السعودية هي داعية سلام لا داعية حرب «كما تروج إيران»، مضيفا أن المواقف التاريخية تؤكد أن سياسة الصبر والهدوء التي تنتهجها السعودية، «لا يعني أنها ستسمح لإيران الاستمرار في غيها وعبثها باليمن وبقية المنطقة».