أحمد المسلماني لـ «الشرق الأوسط»: أتوقع خوض {الإخوان} الانتخابات قوائم أو أفرادا

مستشار الرئيس المصري أوضح أن تطلع الناس إلى السيسي رئيسا طبيعي لأنهم يبحثون في الأوقات الاستثنائية عن «صفات قائد»

أحمد المسلماني لـ «الشرق الأوسط»: أتوقع خوض {الإخوان} الانتخابات قوائم أو أفرادا
TT

أحمد المسلماني لـ «الشرق الأوسط»: أتوقع خوض {الإخوان} الانتخابات قوائم أو أفرادا

أحمد المسلماني لـ «الشرق الأوسط»: أتوقع خوض {الإخوان} الانتخابات قوائم أو أفرادا

ارتبط أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، بالمطبخ الرئاسي منذ بداية تشكيلة الحكم الانتقالي بعد 30 يونيو (حزيران)، وما تبعها من عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ولعب أدوارا مهمة في المطبخ الصغير في قصر الاتحادية، الذي يشبه حكومة حرب في مرحلة لم تنته بعد، وكانت أزماتها - خاصة في الشهور الأولى - يومية، وتحتاج إلى قرارات صعبة، بعد أن رفضت جماعة الإخوان المسلمين الإقرار بأنها فقدت فرصتها في الحكم بعد المظاهرات التي خرجت في 30 يونيو (حزيران).
ومارس المسلماني، خريج الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1992، والذي اشتهر سابقا ببرنامج تلفزيوني حواري كان له تأثيره الجماهيري قبل 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أدوارا سياسية بتكليف من الرئيس المنصور، كان أولها الحوار مع الإخوان المسلمين قبل فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، في محاولة لإقناعهم بالاشتراك في الحكم الانتقالي، قبل أن ينقطع الحوار ويصل إلى طريق مسدود.
ويبدي المسلماني تفاؤلا بالمستقبل بعد إنجاز الاستفتاء على الدستور، والذي ستظهر نتيجته الرسمية اليوم، وسط توقعات بنسبة قبول تتجاوز التسعين في المائة، ومشاركة تفوق بكثير الاستفتاء السابق على دستور 2012 الذي كان سبب أساسيا في الغضبة الشعبية على حكم «الإخوان».
ويرى المسلماني في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة أن الأسوأ أصبح من الماضي، وأن إقبال المواطنين على الاستفتاء نجاح كبير. وأكد أن المائة يوم المقبلة هي «مائة يوم حاسمة» في ما يتعلق بخريطة المرشحين للرئاسة، وأيضا خريطة الأحزاب التي تدفع بمرشحيها للانتخابات البرلمانية، معربا عن أمله في أن تأتي القيادة الجديدة قوية.
وعن ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، للرئاسة، قال المسلماني «أعتقد أن هناك فرصة كبيرة، وهذا منطقي، لأن الدول في أوقات الأزمات أو الصعود الكبير تحتاج إلى مواصفات قائد أكثر من مواصفات رئيس»، على غرار نموذجي شارل ديغول في فرنسا وأيزنهاور في الولايات المتحدة.
وإلى نص الحوار..

* كيف ترى التصويت على الدستور ونسب المشاركة، والمقارنة مع الاستفتاءات السابقة؟
- الاستفتاء على الدستور الجديد بدأ بخبر سيئ وآخر جيد. السيئ هو الحادث الإرهابي أمام إحدى محاكم الجيزة في منطقة إمبابة، ووقع مبكرا في نحو الساعة السابعة، وقامت به جماعة الإخوان كضربة استباقية تهدف إلى محاولة تحجيم القبول على الاستفتاء. ورغم معرفة المواطنين بالحادث، فإنهم لم يعطوه أهمية، وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، وبكثافة عالية، وهذا أعده نجاحا كبيرا جدا. والخبر الجيد هو وصول مؤشر البورصة إلى أعلى مستوى له منذ عام 2010 مع فتح لجان الاستفتاء، وبالتالي فالخبر الجيد يعطي أملا للمستقبل، وتجاوز الخبر السيئ يعطي النتيجة نفسها.
وفي الاستفتاء الذي جرى، رفعت درجة التجريم من جنحة إلى جناية لمن يحاول التصويت مرتين، وهذا لم يحدث سابقا في تاريخ مصر. كما كان هناك مراقبون في كل مكان. فربما تكون هذه التجربة هي الأولى للقياس عليها إلى حد كبير، وفي المجمل فإن الغرب سينظر إلى نسبة المشاركة لأن له مصلحة في التشكيك، ونحن ننظر إلى نسب التأييد.
* عندما نتحدث عن الاستفتاء، هل ترى أن المصريين عندما خرجوا للتصويت في الاستفتاء، وسط المؤشرات بأنهم قالوا نعم، كان ذلك أملا في المستقبل والرغبة في الخروج من حالة الارتباك التي كانت السمة العامة بعد 25 يناير 2011؟.. وما هي رؤيتك للمرحلة المقبلة، وهل ستكون صعبة أيضا مثل ما قبل الاستفتاء؟
- أنا متفائل بالنسبة للمستقبل القريب والبسيط والبعيد، وأرى أن الأسوأ أصبح من الماضي، وفي نهاية المطاف سنكون إلى الأفضل. والخطوة المقبلة إما انتخابات رئاسية أو برلمانية، وسوف يحدد الرئيس ذلك، وتحدثت معه حديثا في هذا الأمر، وهو لم يقرر بشكل نهائي أيهما أولا. وهناك اتجاه بأن تكون الرئاسية أولا، وهذه رغبة حزب الوفد وحزب الجبهة والتيار الشعبي وقوى سياسية أخرى، وهناك من يرى إبقاء الخارطة كما هي، وهذه رؤية التحالف الشعبي وبعض الأحزاب اليسارية وحزب النور والقوى السياسية الأخرى.. أي الأمرين سيقرر الرئيس؟ هذا سيتضح خلال أيام. وأيا كان الأمر، أرى أن الإقبال على الاستفتاء مبشر جدا.
كما أرى أنه في مصر تاريخيا، وربما في العالم كله، هناك درجة شخصنة في السياسة لدى الناس، والذي يرى في السياسة أنها ليست فيها شخصنة هو في الواقع غير موضوعي، وإلا لما ركزت الانتخابات الأميركية على نجمين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهي كلها صناعة سينمائية بحتة.
وفي مصر، كانوا يقولون في الماضي نريد أن ننتخب سعد زغلول أو (مصطفى) النحاس أو جمال عبد الناصر، وهذا يعني أن الأسماء كانت حاضرة دائما. والعائلات السياسية في النظم الديمقراطية العريقة، مثل عائلة كيندي، وعائلة بوش - والآن هناك تفكير في بوش الثالث - وهناك عائلات نهرو وغاندي في الهند، أو عائلات نواز شريف وبي نظير (بوتو) في باكستان.. وبالتالي فالعائلة السياسية والشخصنة موجودة.
والناس اليوم في مصر ربما ينظرون إلى شخص الفريق السيسي من هذا المنظور، فهم يرون أن هناك ثورة ورمزا لها هو الفريق السيسي، وبالتالي ربما هذا يحمسهم أكثر بأن يكون لديهم خيار واضح بشأن المستقبل. وتحدثت مع الفريق السيسي منذ أيام، وحسبما فهمت منه فهو لم يحسم أمره بعد، وقد يترشح أو لا يترشح للرئاسة. وإذا ترشح الفريق السيسي للرئاسة فاعتقد أن فرصه ستكون كبيرة، لأن الاتجاه كبير ناحية الفريق السيسي، وهذا منطقي لأن البلاد في أوقات الأزمات أو الصعود الكبير أو الهبوط الكبير تتطلع إلى مواصفات «قائد» أكثر من مواصفات «رئيس». وهذا نموذج شارل ديغول في فرنسا وأيزنهاور في أميركا، والكثيرون يتطلعون إلى الفريق السيسي رئيسا، إذا ترشح وفاز.
والبعض يقول إنه يواجه تحديات خارجية، والبعض يقول إن هذه التحديات ستقل، وأنا في تقديري أن التحديات قائمة وهو في منصب الرئيس، وقائمة وهو في منصب وزير الدفاع، وقائمة وهو خارج السلطة؛ لأنها تحديات تخص الدولة المصرية وليس فقط شخص الفريق السيسي. وميزة أن تكون السلطة لها شعبية ولها تأييد حقيقي أنها تقوي المناعة السياسية للدولة المصرية في مواجهة الخارج والداخل أو الأعوان المحليين للخارج. فكرة الزعيم والقائد المنتخب ديمقراطيا - وهو أكبر من أن يكون رئيسا بطريق الصناديق - والذي عنده ما يسمى في علم السياسة «الكاريزما»، تعطي قوة كبيرة جدا للشعب أن يؤازره، خاصة في مرحلة تقشف محتملة، فمن سيتحمل مرحلة التقشف.. وسيتحمل فاتورة تنمية حقيقية؟.. كل هذا يحتاج إلى أن يكون الشعب مؤمنا بالقيادة لكي يتحمل القادم.
وما فعلته جماعة الإخوان هو عكس ما كان ينبغي أن يحدث.. فإدارتهم لم تكن علمية أو أمينة على البلاد، وكل ما كان يهمهم الأصوات. وإذا كان الرئيس القادم كل ما يهمه هو التصفيق والأصوات فإن التصفيق سيغرق هذا الوطن، واستجداء الأصوات سيغرق الوطن أيضا. وأتمنى أن تكون لدينا قيادة لا تلتفت للتصفيق ولا للأصوات، وربما لا تلتفت أصلا للنجاح مرة ثانية، وأن يأتي كـ«جراح»، بمعنى أن يكون أمينا في إجراء ما يلزم لهذا الوطن. أما إذا نظر مثل الرئيس السابق محمد مرسي إلى مغازلة كل الأشخاص، بمن فيها كما قال مرة «الحفاظ على سلامة المخطوفين والخاطفين»؛ إذا وصلنا إلى تملق حتى المجرمين والإرهابيين والذين يخالفون القانون في الشوارع والطرقات والمباني.. فإن التملق سيقتل المستقبل، واستجداء وعبادة الصناديق كلها أمور تقتل المستقبل، وأتمنى أن تكون هناك قيادة أقوى من الصناديق.
* في تقديرك، متى سيتخذ الرئيس منصور قرارا بأي الاستحقاقات يسبق الآخر (الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)، وكيف ستكون مسألة المرشحين للرئاسة؟
- أظن سوف يحسم أمر أيهما أولا قريبا، بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، لأنه لا يوجد وقت كثير، فكل هذا ينبغي أن يطبق في ظرف خمسة أشهر تقريبا، أي 150 يوما، ليكون لدينا رئيس وبرلمان. وانتخابات البرلمان والرئاسة، أيا كان الترتيب، في كل الأحوال نتحدث عن أن الفارق بينهما سيكون شهرين وبضعة أيام.. عموما المائة يوم المقبلة هي المائة يوم الحاسمة، في ما يتعلق بخريطة المرشحين للرئاسة وأيضا خريطة الأحزاب التي ستدفع بمرشحيها للانتخابات البرلمانية، وبالتالي دخلنا بالفعل معركة المائة يوم الحاسمة بالنسبة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
* هل يمكن القول إن المؤشرات يمكن أن تظهر خلال أسبوع؟
- ليست لدي معلومات حول التوقيت الذي سيعلن فيه الرئيس، وإذا قال الرئيس إن الانتخابات الرئاسية أولا فهذا معناه أنه في غضون عشرة أيام، أو أسبوعين على الأكثر، يكون الفريق السيسي قد حسم موقفه. وإذا كانت الانتخابات البرلمانية أولا سيكون أمامنا ثلاثة أشهر للفريق السيسي لكي يحسم موقفه.
* ما هي اعتبارات الرئيس في اتخاذ القرار؟
- الرئيس لديه طلبات من هذا الاتجاه، وطلبات من الاتجاه الآخر. وعندما جلس الرئيس أربع جلسات مع القوى المختلفة، كان أغلب الاتجاه للانتخابات الرئاسية أولا. لكن هذه اللقاءات كانت استرشادية، لأنه جرى اختيار الشخصيات بطريقة منتقاة وليست لهم أسس تمثيلية، وبالتالي رأيهم غير ملزم للرئيس، إنما اتضح أن القوى السياسية التي كانت موجودة من مثقفين ومبدعين وأدباء وشباب وعمال وفلاحين وقادة أحزاب سياسية من كل الاتجاهات، كان المزاج العام لديها يميل للرئاسة أولا.
* هناك من يرى أن الوضع المثالي أن تكون البرلمانية أولا وبعدها الرئاسية..
- هذا له منطق والآخر له منطق. المطالبة بالرئيس أولا تقوم على أن الرئيس هو رأس الدولة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى وضوح في شكل الدولة المصرية وتراتبيتها في الداخل بالنسبة إلى الخارج. أيضا هناك حجة قوية جدا بأن «ثورة 30 يونيو» قامت على بند أساسي محدد جدا، هو انتخابات مبكرة.. وبالتالي حين تقدم الانتخابات الرئاسية فأنت تستجيب لمطالب ثورة يونيو. والأمر الثالث أن الإحساس الداخلي بشأن الاستثمار والاقتصاد والسياحة والأمن يتعلق بالرئيس أكثر من البرلمان، وأنه حدث في السابق أن كان هناك برلمان قبل الرئيس ولم يؤد (ذلك الوضع) إلى استقرار.
العيب الذي يوجه هو أنه سيكون هناك فراغ تشريعي، يمكن الرئيس القادم أن تكون عنده سلطة تشريعية أثناء الفترة ما بين تسلمه لمهامه إلى حين تسلم البرلمان لمهامه. وهذه الفترة قد تصل إلى أكثر من شهرين، لكنها حجة ليست وجيهة جدا، لا سيما أن الرئيس عدلي منصور كانت معه منذ ثورة 30 يونيو السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ولم يجر استغلال السلطة التشريعية على نحو غير سليم، ولم يطعن أو يتخوف أحد، فلا مبرر للخوف من وجود السلطة التشريعية مع الرئيس المقبل لمدة شهرين.
وكثيرون الآن يريدون الانتخابات الرئاسية أولا، لكن القرار النهائي لدى الرئيس، وهو ربما لا يشرح لماذا اتخذ هذا القرار بالمعنى التفصيلي، لكنه مؤتمن على اتخاذ القرار الأنسب للأمن القومي المصري والمصلحة العامة.
* جزء مما يقال عن مقدمات اختطاف «الإخوان» لما بعد 25 يناير هو ارتباك القوى السياسية والشباب، وأن القوة الوحيدة التي كانت جاهزة هي «الإخوان»، ولهذا حدث ما حدث. هل ترى القوى المدنية الأخرى قادرة على خوض الانتخابات وتنظيم نفسها خلال المرحلة الراهنة بما يؤهلها لكسب صناديق الاقتراع، أم يمكن أن يتكرر الوضع نفسه مرة أخرى؟
- هذا سؤال مركب، أولا أعتقد أن الأحزاب السياسية ليست بالقوة المطلوبة، وهذا هو ما دفع البعض للدعوة لإجراء الانتخابات بالقائمة الفردية حتى تقوى الأحزاب السياسية. الأحزاب تقول إنها تريد القائمة حتى تقوى. والنقطة التالية في الموضوع أن جماعة الإخوان وجودهم تراجع بشكل كبير جدا في الشارع، وحتى لو أن التيار المدني ليس بالقوة الكافية تنظيميا، فإن الفكرة المدنية أصبح لديها القوة الكافية، وبالتالي الذي سينجح الفكرة وليس التنظيم.. سيصوت المصريون للفكرة المدنية وضد الفكرة المقابلة، أكثر مما سيصوتون لقوة هذه التنظيمات.
والنقطة الأخرى هي إلى أي مدى سيكون لجماعة الإخوان ظهور في الانتخابات المقبلة. وفي تقديري هم سيدخلون هذه الانتخابات؛ لكن دخولهم قد يكون مع حزب معروف، والبعض يتحدث عن دخولهم مع أحزاب صغيرة، وقد يشارك الصف الرابع وليس الخامس منهم، أو يدخلون بأشخاص غير معروفين مع بعض الأحزاب بصورة فردية.
لكن تقديري كباحث في العلوم السياسية أن «الإخوان» سوف يخوضون الانتخابات القادمة في حالة القوائم أو الفردي ويتحالفون مع بعض الأحزاب الرسمية الموجودة في البلاد، وربما تتمكن المؤسسات السياسية من معرفة ذلك أو لا، لكنهم سوف يشاركون. وإذا ظهرت كتلة قوية فسوف يعلنون عن ذلك باسم جديد، لأن القانون يجرم الجماعة. إنما لو حدثت خسارة فادحة لهم فهم لن يعلنوا عن ذلك، لكنهم سوف يحاولون أن يكون هناك تمثيل لفكر الجماعة داخل مجلس الشعب.
* هل هناك فرصة سياسية للتسوية مع «الإخوان» لتخفيف الاحتقان؟
- بعد قانون الإرهاب (عد الجماعة تنظيما إرهابيا) لم يعد ممكنا أي تسوية مع هذا المصطلح «جماعة الإخوان المسلمين»، لأن هذه الجماعة بحكم القانون هي جماعة إرهابية، وبالتالي أصبح التفاوض السياسي وما إلى ذلك مستحيلا من الناحية القانونية والسياسية.
وأنا شهدت قصة هذه المفاوضات منذ البداية، وكنت أحد الذين يتفاوضون مع الإخوان بعد 30 يونيو مباشرة، وكانت الرئاسة مطلعة على حديثي معهم. هم قبلوا الدخول في الحكومة، وكنا نتحدث عن حجم تمثيل الوزراء الإخوان في حكومة 30 يونيو، قبل أن يجري تكليف الدكتور حازم الببلاوي، وأثناء تكليفه كانت هناك مفاوضات.
إنما منذ أحداث الحرس الجمهوري، وحتى حادث المنصورة (تفجير مبنى الأمن) وما بعد ذلك، هذه كانت محطات فيصلية في مسار الجماعة، أدت في النهاية إلى أنه لم تكن هناك أي آفاق للحوار، وبعد حادث المنصورة وإعلان الجماعة «جماعة إرهابية» لم يعد ذلك ممكنا قانونيا. إنما أتمنى أن يحدث تطور بأن يكون مكتب إرشاد الإخوان في 2013 مثلما حدث مع (رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين) أربكان في تركيا، الذي خرج من التاريخ فيه، وجاء بعده (رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب) أردوغان.. وأقصد أردوغان السابق وليس الحالي بمواقفه. هذا سيحدث إذا نجح بعض أفراد الجماعة في أن يسقطوا هذا الاسم ويخرجوا باسم جديد؛ لأنه اسم أصبح التعاون معه صعب جدا. والمسألة ليست الاسم فقط، فيجب أن يعكس الاسم الجديد تسامحا واعتدالا ووسطية، مثلما كانت جماعة الإخوان في السابق، وأن تجري إهالة الثرى على التيار المتطرف الذي أدخلها في هذا النفق المظلم. إذا نجحت الجماعة في الانقلاب على نفسها، والانقلاب على الذين أغرقوها في هذه الصدامات، فيمكن أن يكون هناك تطور في المستقبل. فصيغة الإسلام الحضاري والإسلام السياسي المعتدل هي الصيغة الأنسب لأن تكون شريكة في الحوار مع السلطة القادمة في البلاد، إنما لم يعد ممكنا بحكم القانون إجراء أي حوارات معهم (بصورتهم القائمة).
* هل تشعر بأن هناك تيارا قادرا وسط جماعة الإخوان على عمل مثل هذه الصيغة؟
- في اللحظة الحالية يوجد أفراد كثيرون فيهم أمل أن يسقطوا الصورة التاريخية للجماعة، وأن يشكلوا تيارا إسلاميا معتدلا جديدا، ويكون جزءا من حياة الديمقراطية.. ولا يمد يده لتنظيم القاعدة، وإنما يمد يده للتيار المدني.. لكن هؤلاء الأفراد الكثر ليسوا بالقوة الكافية لعمل ذلك خلال عام 2014، وأن يقوموا بذلك أو يسقطوا الجزء العلوي للجماعة، إنما ذلك وارد مع الوقت، وهذه حركة التاريخ الطبيعية، لا أعتقد أن الجماعة ستستمر بصيغتها القديمة، وأعتقد أنه قريبا جدا سوف ندخل إلى مرحلة ما بعد الإخوان.
* هل تعتزم زيارة حلايب وشلاتين الأسبوع المقبل، وما هي الأسباب؟
- بداية، منصبي مستحدث في الرئاسة المصرية وغير مسبوق، وربما هذا أثار لغطا في البداية حيث إنني قمت بدور ليس دوري، وواجهت هجوما في هذا الإطار. والنقطة الأولى في ذلك، قبل أن أجيب عن زيارتي لحلايب وشلاتين، أن هذا المنصب غير مسبوق، بمعنى أن المنصب في عهد الملك فاروق كان يسمى السكرتير الصحافي لجلالة الملك، وكان وقتها الأستاذ كريم ثابت، وفي عهد الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك كان هناك السكرتير الصحافي لرئيس الجمهورية، وآخر من تولى هذا المنصب هو الأستاذ محمد عبد المنعم. ومن بعده لم يعد هذا المنصب قائما، واستبدل باسم المستشار الإعلامي للرئيس، وليس السكرتير الإعلامي لرئاسة الجمهورية، ومن ثم لم توجد مهام سابقة لهذا المنصب يقاس عليها حتى يقال إنني أتعدى على ملفات أخرى.
* قمت بمهام سياسية بتكليف من الرئيس في مهام كثيرة جدا؟
- صحيح قمت بمهام كثيرة جدا، لماذا؟ لأننا نتعامل على أنه منصب مستحدث ولا توجد مرجعية له حتى يقاس عليها، والأمر الثاني يتعلق بإدارة الرئيس عدلي منصور، وهو أنني أعمل مع زملائي المستشارين كفريق واحد؛ والرئيس هو الذي يقرر من يفعل ماذا. وبناء على ذلك قمت ببعض المهام الأساسية خلال فترة وجودي بالاتحادية (القصر الرئاسي)، وكانت المهمة الأولى هي الحوار مع جماعة الإخوان، ثم انقطع الحوار، وكانت المهمة الثانية جولة القوى السياسية التي قمت بها مع القوى السياسية والحزبية والشخصيات السياسية الأبرز في البلاد، فالتقيت مع عمرو موسى وحمدين صباحي كل على حدة. والمهمة الثالثة قمت بزيارة للملكة للعربية السعودية، وكانت أول زيارة لمسؤول مصري في النظام الجديد. ثم مهام أخرى داخلية، كانت آخرها زيارة الدكتور مجدي يعقوب في مركزه لجراحة القلب بأسوان. ومن ضمن تلك المهام هناك زيارة لحلايب وشلاتين، تأتي بناء على رغبة السكان في حلايب وشلاتين وزعماء القبائل ورموز العائلات والقوى الشبابية.
وسبق أن التقت مجموعات من حلايب وشلاتين بالرئيس في الاتحادية، وطلبوا منه زيارتهم، وبناء عليه أوفدني الرئيس لهذه المهمة. وهناك مطالب للسكان، بعضها قديم وبعضها حديث، وتسعى الحكومة لتلبيتها، وبعضها ربما يكون في المستقبل. ولهذا سوف ألتقي معهم وأستمع إلى مطالبهم، وسوف أرفع تقريرا إلى الرئيس للتعرف على مطالب منطقة حلايب وشلاتين.
* بالنسبة للعلاقات العربية هناك دول تقف مع مصر مثل السعودية والإمارات والكويت العلاقات معها قوية، وبعض الأطراف العربية الأخرى هناك حالة احتقان معها مثل قطر، وفي أحيان تونس، هل هناك أي محاولة لحل هذه المشاكل؟
- شكل الخريطة العربية حاليا فيه «3+1»، فالمملكة العربية السعودية على رأسها، ودولة الإمارات ودولة الكويت مع مصر، والدعم العظيم الذي قدمته المملكة وخادم الحرمين الشريفين ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والأدوار السعودية في الحقيقة كان بالنسبة لنا أساسيا في دعم الدولة المصرية بعد 30 يونيو. وكذلك الدعم الإماراتي كان أساسيا أيضا، وكذلك الدعم الكويتي.
وهذا يشكل مربعا جديدا - مع مصر - لشكل العلاقة إذا جاز التوصيف، وما بين هذا المربع وقطر توجد مسافات متفاوتة، والعلاقة مع تونس تذهب وتعود، والعلاقات مع ليبيا قوية رغم وجود بعض التيارات الإسلامية الموالية للإخوان وتأثيرها ليس كبيرا وتحاول التأثير. لكن العلاقة مع الدولة الليبية الآن نحاول أن تكون أكثر قوة في المستقبل. أما العلاقة مع الجزائر فهي قوية جدا، ووزير الخارجية قام بزيارة الجزائر أخيرا. وكذلك العلاقة مع المغرب، ومع باقي الدول العربية العلاقة طبيعية.
ونحن تمنينا أن تكون قطر جزءا من الصف الخليجي أولا، ومن الصف العربي ثانيا، ومن الصف الإسلامي ثالثا. واندهشت لأن قطر أول دولة أصدرت بيانا يشيد بـ30 يونيو، وأول دولة - وربما تكون الوحيدة - التي أشادت في بيان رسمي للخارجية القطرية بالقوات المسلحة المصرية وبالفريق السيسي تحديدا.
كما تلقينا اتصالات من قطر في الأيام الأولى لثورة يونيو، من الشيخ تميم، واتصالات من قطريين آخرين في الحكومة القطرية، وتصورنا أن هذا سيكون بداية مرحلة جديدة.. لكن للأسف الأمور لم تمض في هذا الإطار، وقطر أصبحت تدعم الثورة المضادة في مصر، وأصبح الأداء القطري موضع استياء شعبي قبل أن يكون رسميا. إنما نحن نحرص على إعطاء الفرصة لآخر مدى، والسيد الرئيس قال إن «صبرنا أوشك على النفاد تجاه قطر». وحتى اللحظة، مصر تعطي الفرصة تلو الأخرى، لكن كما قال الفريق السيسي فإن مصر «لن تنسى من وقف معها، ولن تنسى من وقف ضدها». وسوف يكون هناك في وقت ما موقف، وأنا آمل ألا نصل إلى نقطة اللاعودة، وآمل أن قطر - لا سيما بعد الاستحقاقات السياسية القادمة - ستكون عندها فرصة لأن تعود للصف الخليجي ثم إلى الصف العربي.
* وماذا عن تركيا؟
- في عهد مبارك لم تكن هناك أي أزمة مع أردوغان. وأنا لا أعرف كيف لأردوغان البراغماتي، الذي نجح نجاحا كبيرا في إدارة شؤون بلاده في معظم السنوات الأولى ثم كان عمليا وبراغماتيا إلى أبعد الحدود مع إدارة مبارك والإدارات اللاحقة.. لا أعرف ما الذي دفعه ليكون أيديولوجيا إلى هذا الحد.. وكيف لشخص يدرك مقام وقيمة الدولة المصرية أن يتعامل معها هكذا. لا أعرف كيف حدث تحول من سياسي كان يعمل لتنمية بلاده بقوة إلى أن يصبح الآن عبئا عليها، وأصبحت الحريات هناك في مأزق، وأصبحت المظاهرات مستمرة والإطار الأخلاقي للنظام كله محل خطر ومراجعة. وأخشى أن يكون سقوط أردوغان هو سقوطا شاملا، لكن أخطر شيء هو تحول زعيم لدولة مهمة ورئيسة في الشرق الأوسط إلى خصم للشعوب العربية قبل أن يكون خصما لبعض الأنظمة العربية.
* في الذاكرة المصرية، بماذا يُحتفل من الثورات، ولدينا 30 يونيو و25 يناير و23 يوليو (تموز) من قبل.. وكل الدول لديها عيد وطني تحتفل به؟
- رأيي الشخصي لا نحتفل بالثلاث، وإنما الاحتفال يكون باستقلال مصر عن بريطانيا في تاريخ 28 فبراير (شباط). وفي العالم كله يجري الاحتفال بعيد الاستقلال، وليس بتغيير الأنظمة السياسية. وحتى قبل ثورة يناير كان لدي اجتهاد بأنه لا ينبغي أن يكون 23 يوليو هو اليوم الوطني لمصر، مع أنني مؤمن بأن يوم 23 يوليو كان يوما عظيما في تاريخ مصر، وأؤيد ما جاء بعد ذلك.
* عندما نعود إلى أحداث 25 يناير 2011، وتطورات بعض الدول العربية ونتائجها، هل أصبحت هناك عملية إعادة تفكير في الربيع العربي؟
- تقديري مبدئيا أن وصف «الربيع العربي» غير علمي، وأقصد أنه وصف دعائي لأن كل نموذج يختلف عن الآخر، وكل تجربة مختلفة عن غيرها في الدول مرت بأحداث تغيير. إنما جرى التعميم الغربي لفكرة الربيع العربي استنادا لفكرة ربيع براغ (شرق أوروبا).
والأمر الثاني أن الغرب هلل للربيع العربي، ولا أعتقد أنه يريد تقدم العالم العربي، لكنه أراد تسويق شيء ما. ولا أعرف ماذا وراء هذه الدعاية الضخمة للربيع العربي، وإنما الفكر الغربي بدأ ينحصر في هذا الإطار ويروج لفكرة أخرى كارثية، وهي حرب الثلاثين عاما. والذي أقصده أننا أخطأنا حين قلنا الربيع العربي، وتعجلنا في الوصف طبقا لتعبيرهم، والآن يجري الترويج لفكرة حرب الـ30 عاما، على غرار ما حدث في أوروبا بين عامي 1618 و1648، والتي انتهت بصلح، وكانت حربا مذهبية بين البروتستانت والكاثوليك، ومات فيها سبعة ملايين من دولة مثل ألمانيا تعدادها 20 مليونا، وهي كارثة. وبالتالي هم يبشرون بأنه لا خلاص للعالم العربي في المدى القريب، وأن القادم حروب مذهبية بين سنة وشيعة، وحروب قبلية، وحرب داخلية في المنطقة. وأرى في ذلك إشارة سيئة عمدية، وأرى أنها لن تحدث لأنها مفرطة في السواد في ما يخص العالم العربي.
وبالعودة إلى ثورة يناير، أرى أنها ثورة عظيمة ومجيدة، أبرز مظاهرها تنظيف الميادين، وكانت جمعة قندهار أو جمعة القرضاوي (التي تجمع فيها الإسلاميون في ميدان التحرير وخطب فيهم خلالها الشيخ يوسف القرضاوي) بداية للثورة المضادة المنظمة من الخارج.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.