الفوز بيانصيب المساكن أسلوب جديد في سوق نيويورك لمحدودي الدخل

عندما انتقلت ريبيكا ميراندا وابنتها آمبر فالنتين إلى شقة جديدة تماماً في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي كانت تلك هي المرة الأولى التي يفعلان فيها ذلك، فقد عاشت ميراندا البالغة من العمر 45 عاماً في منزل مكون من ثلاث غرف نوم في حي موريسانيا في برونكس منذ كانت في السنة الأولى من عمرها، وترعرعت بناتها الأربع في المنزل نفسه. كذلك عاشت ابنتها الصغرى آمبر ذات الثمانية عشر عاماً في المنزل نفسه طوال حياتها.
بالتأكيد لم يكن ذلك بدافع حبهم للمكان القديم، فقد كانت الشقة التي شيدت ضمن مشروع «فوريست هاوسيسز» التابع لهيئة إسكان مدينة نيويورك في حالة مزرية، وكثيراً ما كانت ريبيكا، التي تعمل في خدمة الطوارئ، تعود من عملها في ساعات غير اعتيادية لتجد غرباء يتجولون داخل المبنى. تقول ريبيكا: «كنت أعود إلى المنزل وأجد أشخاصا لا يسكنون في الحي في مدخل البناية»، كما أنها لم تكن راضية عن حالة البناية. وتضيف قائلة: «كانت أعمال الصيانة مستمرة ومتواصلة من بينها عمليات لإصلاح تسريب السطح وتقشر الطلاء، لقد سئمت من كل هذا. كنت أشعر بإحراج كبير من دعوة أي شخص إلى منزلي بسبب الحاجة إلى عمل إصلاحات كثيرة في المطبخ والحمام».
وكان والدا ريبيكا قد غادرا المنزل قبل سنوات بعد شراء شقة قريبة منها، وكذلك انتقل أشقاؤها إلى أحياء ومدن أخرى. مع ذلك لم تشعر ريبيكا يوماً بالرغبة في المخاطرة وترك المنزل. في مثل تلك المشروعات، يكون الإيجار مرتبطا بالدخل، لذا إذا أصبحت ساعات عملها أقل أو فقدت وظيفتها فلن تخسر منزلها.
بدا حذرها صائباً ودرباً من الحصافة عندما أشهر «اتحاد خدمات توجيه التوظيف»، وهو جهة اجتماعية غير هادفة للربح، كانت تعمل فيه مساعدة برامج منذ سنوات، إفلاسه عام 2015 وفقدت وظيفتها بالفعل. وفي ذلك الوقت غادرت ابنتان من بناتها المنزل، لكنّ آمبر وشقيقتها اللتين كانتا تدرسان للحصول على درجة الماجستير في العمل الاجتماعي كانتا لا تزالان تعيشان معها.
وتقول ريبيكا: «كنت خائفة بشدة من المخاطرة بجني قدر أقل من المال وعدم التمكن من دفع الإيجار. لم أرغب في المغامرة». مع ذلك منذ بضع سنوات وجد صديق لها شقة بإيجار معقول من خلال يانصيب المساكن، وهو ما حثّها على القيام بذلك أيضاً. وتوضح قائلة: «بدأت المشاركة في كل مسابقة يانصيب في برونكس»، حيث لم تكن ترغب في العمل بعيداً عن مركز دعم الطوارئ بالقرب من بلهام باي. تم التواصل معها بشأن عدة وحدات سكنية، لكن لم ينجح الأمر لأن ساعات العمل الإضافية جعلت دخلها أعلى من المستوى المحدد المطلوب.
أخيراً تلقت مكالمة بشأن شقة مكونة من غرفتي نوم في سانت أوغسطين تيراس، وهي بناية جديدة من 12 طابقاً توجد محل الكنيسة الكاثوليكية القديمة في شارع 167 إيست ستريت. وبالفعل انتقلت هي وآمبر، الطالبة في كلية منهاتن المجتمعية، خلال الخريف الماضي، وتدفع 1066 دولاراً شهرياً.
وتعد النوافذ والمساحات المشتركة الكبيرة في الشقق من أهم مميزات البناية، التي قامت بتصميمها شركة «مانغنسون أركتيكتشر آند بلانينغ»، لأتباع الجمعيات الخيرية الكاثوليكية. وقامت الشركة بعمل نوافذ من الأرض حتى السقف في ردهات المصاعد المتسعة في كل طابق حتى لا تقتصر الإطلالات الجميلة على الشقق الأعلى سعراً. وتقول ريبيكا: «تلفت النوافذ نظري بمجرد دخولي إلى البناية، فهي ضخمة إلى حد يتيح لك الجلوس على عتبة النافذة، والتطلع إلى الأمطار وهي تهطل. يا له من مشهد رائع».
وتقع البناية أعلى تل صخري، وتحيط بها حديقة جميلة. تقول ريبيكا: «المشهد من أعلى مذهل. حين تخرج من المصعد ترى النوافذ في كل الجهات. في الرابع من يوليو (تموز) صعدنا إلى الطابق الأعلى لمشاهدة الألعاب النارية». تعبر كل من ريبيكا وآمبر عن دهشتهما من الهدوء الذي يسود شقتهما الجديدة التي تقع في الطابق الأول. تقول ريبيكا: «لقد كنا نظن أن السكن في الطابق الأول مزعج ويصيب بالجنون، لكن المكان هنا هادئ للغاية حتى في أكثر الأيام صخباً من العام». ربما يكون العيب الوحيد هو الأرضيات الخشبية الصلبة الجديدة، حيث لم تدرك المرأتان، اللتان لم تسكنا من قبل في بناية جديدة، أن الأرضيات الخشبية تحتاج إلى وقت كي تصبح في وضع طبيعي مستقر. وتقول ريبيكا: «نسمع صوتاً فجأة يشعرك بأن هناك من يسير ليلاً في غرفة المعيشة، وهذا يخيفنا كثيراً». وتقول آمبر: «أشعر بسعادة غامرة وأمان هنا. لا تفصلنا سوى خمس بنايات عن المكان الذي كنا نقيم فيه في السابق، لكن هناك ما يميز السكن في المشروعات حتى لو كانت في المنطقة نفسها».
بطبيعة الحال ليس من السهل نقل مكان السكن بعد الإقامة في المنزل نفسه لمدة 43 عاماً. تقول ريبيكا: «تخلصت من أشياء كثيرة»، مشيرة إلى أنها تخلصت من نحو نصف حاجياتها، ومزقت الكثير من الأوراق. وتضيف قائلة: «كان نقل السكن مثل العسل المر، حيث أفتقد ذكرياتي مع فتياتي الصغيرات وهنّ يكبرن أمام ناظري، والأفلام التي كنا نشاهدها سوياً في الظلام. لا أصدق أننا نعيش هنا الآن. لقد اعتادنا اللقاء كثيراً حين كنا نقيم بالقرب من بعضنا البعض، لكنهن سيأتين لتناول العشاء معنا بالتأكيد».
* خدمة «نيويورك تايمز»