مصر تنعش الاستثمار العقاري بشبكة طرق جديدة

أكثر من 4500 كيلومتر تربط المدن القديمة بالجديدة

مصر أنشأت طرقاً كثيرة خلال السنوات الماضية
مصر أنشأت طرقاً كثيرة خلال السنوات الماضية
TT

مصر تنعش الاستثمار العقاري بشبكة طرق جديدة

مصر أنشأت طرقاً كثيرة خلال السنوات الماضية
مصر أنشأت طرقاً كثيرة خلال السنوات الماضية

في محاولة لاجتذاب المستثمرين إلى المدن الجديدة التي يتم إنشاؤها حالياً في عدد من المناطق، دشنت مصر محاور ومشروعات طرق جديدة، للربط بين المدن القديمة على شريط النيل الضيق، بالمدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتربط العاصمة القديمة بباقي المحافظات والمدن الجديدة، لتسهيل حركة المواطنين، وتنقلهم من وإلى تلك المدن؛ مما يتيح للحكومة المصرية تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادي، من خلال رؤية تنموية، تدفع المصريين للخروج من وادي النيل الضيق، عبر شرايين وطرق تنموية جديدة تكفل سهولة وسرعة التنقل للبشر والبضائع، مستكملة مشروعات قديمة، لكن بخطى أكثر سرعة وثباتاً.
وعلى مدار الشهور والأسابيع الماضية افتتحت الحكومة المصرية عدداً من مشروعات الطرق الجديدة، التي تربط القاهرة بالمدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي، إضافة إلى مجموعة من المحاور والطرق الأخرى التي تربط الصعيد بالدلتا لتسهيل حركة النقل والسياحة، وتقليل زمن الرحلة، وهو ما يعتبره الخبراء نوعاً من التنمية التي تستهدف الإنسان في الأساس.
«أي تنمية حقيقية تستهدف رفع مستوى معيشة الإنسان أو المواطن، لا بد أن تعتمد على بنية أساسية جيدة، والطرق أحد عناصرها المهمة»، بحسب الدكتور عبد الحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروعات الطرق وخلق شرايين ربط جديدة بين المدن تعني إمكانية تعمير مناطق غير مأهولة، وخلق فرص استثمارية لم تكن موجودة»، مشيراً إلى أن «هذه المشروعات تساعد في خروج المصريين خارج الوادي الضيق الذي عاشوا فيه طوال السنوات السابقة، والبدء في البحث عن مناطق وأراضٍ جديدة للاستثمار العقاري أو الزراعي أو الاقتصادي، مما يعني توزيعاً أفضل للسكان».
ويعيش المصريون على 6 في المائة من مساحة مصر، وهم من الشعوب الزراعية المرتبطة بالأرض؛ وهو ما جعل محاولات إخراجهم من وادي النيل على مدار السنوات الماضية، صعبة، لكن زيد يرى أنه «وإن كان ارتباط المصري بمقر إقامته من السمات المميزة له، إلا أنه يمكن تغييرها، وبخاصة مع الأجيال الجديدة، أجيال ثورة المعلومات الذين لم يعودوا مرتبطين بالأرض بصورة كبيرة، بل على العكس دائماً ما يفتشون عن فرص للهجرة».
والاعتماد على الطرق لخلق مساحات جديدة ودفع الناس للخروج من المدن التقليدية، سياسة اتبعها الكثير من حكام مصر، في العصور السابقة، فعند تولي محمد علي باشا حكم مصر عام 1805، فكر في الخروج خارج القاهرة، رغبة في التجديد، فبنى قصره في أقرب قرية للعاصمة، وهي قرية شبرا الخيمة، ولتسهيل الوصول إلى القصر، أنشأ طريقاً كبيرة تصل بين العاصمة وبين قصره الجديد، لتصبح شبرا الخيمة فيما بعد امتداداً للقاهرة، فيما يعرف الآن بالقاهرة الكبرى.
ولم يكن الأمر قاصراً على الحكام، فالتفكير في الطرق للربط بين المدن، وتشجيع الناس على الذهاب لمناطق جديدة، وتحقيق التنمية، كان حاضراً في ذهن البارون إمبان مؤسس حي مصر الجديدة، فكان أول ما أنشأه ترام مصر الجديدة، الذي يربط العاصمة بالحي الجديد المزمع إنشاؤه، وبالتالي يشجع الناس على الانتقال من القاهرة إلى مصر الجديدة في زمن قليل.
ويرى زيد أن «إنشاء الطرق يعطي خيارات ومزايا أمام الشباب وفرصاً بديلة للاستثمار، وبخاصة أن الاستثمار اليوم لم يعد فردياً، فالناس لا تذهب لهذه المناطق فرادى، بل في مجموعات، وهذا يتطلب طرقاً ووسائل نقل تتيح لهم سهولة الانتقال»، مشيراً إلى أن «المشروعات الجديدة قللت من زمن الرحلة كما قللت من معاناة السفر أيضاً، وهو ما يزيد الترابط بين القاهرة والمحافظات، وبخاصة المحافظات الجنوبية، التي كان السفر منها وإليها مشقة تستدعي المبيت في كثير من الأحيان، ويشجع الناس على السكن في المدن الجديدة، وشراء عقارات بها».
وحتى يونيو (حزيران) الماضي نفذت مصر 4500 كيلومتر طرقاً جديدة ضمن المشروع القومي للطـرق بتكلفة 75 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 16.3 جنيه مصري)، و12 محوراً على النيل بتكلفة 13 مليار جنيه، وطورت 5000 كم من شبكة الطرق الحـالية بتكلفة 15 مليار جنيه، وأنشأت 250 كوبري علوياً بتكلفة 30 مليار جنيه، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة من وزارة النقل المصرية، وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر الشباب الثامن، أن «القوات المسلحة نفذت وأشرفت على مشروعات طرق بمبلغ 175 مليار جنيه».
الدكتور علاء فهمي، وزير النقل الأسبق، يرى أن «الطرق ليست مكسباً في حد ذاتها، بل فيما تحمله من معنى»، موضحاً أن «المشروعات التي يتم تنفيذها هي عبارة عن شبكة للربط المحوري بين النقاط الرئيسية ومراكز الصناعة والتجارة، عبر ربط أجزاء القاهرة الكبرى، التي تشمل 6 أكتوبر (تشرين الأول)، والقاهرة الجديدة، وربط الدلتا بالصعيد عبر الطريق الدائرية الإقليمية؛ مما يسهل الحركة ويخفف الضغط على الطرق داخل القاهرة الكبرى»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» «أنه «تم الانتهاء من الطريق الدائرية بطول 100 كم، والدائرية الإقليمية بطول 400 كم، وبينهم الدائرية الوسطى».
ولهذه المشروعات عائدات مباشرة وغير مباشرة، تتيح إنشاء مناطق لوجيستية، وتخلق شبكة لنقل البضائع على جميع المستويات، ويقول فهمي إن «هذه المشروعات شجعت على إنشاء مناطق لوجيستية شرق وغرب القاهرة، وموانئ جافة»، مشيراً إلى أنه «من بين العائدات غير المباشرة التي لا يراها الناس، توفير البنزين، فالطرق الجديدة منفذة على أعلى مستوى وتضم 5 و6 حارات مما يقلل الزحام، وبالتالي يقلل استهلاك البنزين، ويقلل عدد الساعات المهدرة في الرحلات من وإلى العمل؛ وهو ما يساهم في توفير الموارد الاقتصادية».
وضمت مشروعات الطرق الأخيرة محاور لتنمية الصعيد، عن طريق تطوير طريق الصعيد الغربية، ومحاور لتنمية ما يسمى بـ«المثلث الذهبي» على ساحل البحر الأحمر عبر طريق (سفاجا - قنا - سوهاج)، والمقرر امتدادها لأسيوط، ومرسى علم، لخدمة صناعة التعدين والنقل والسياحة أيضاً.
وتعد المشروعات التي يتم تنفيذها حالياً جزءاً من برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسي الانتخابي الذي أعلنه عام 2014، وكانت جزءاً من مشروعات الشبكة القومية للطرق، ضمن برنامج الرئيس الأسبق حسني مبارك الانتخابي في انتخابات عام 2005، وقد بدأ تنفيذها في عهده، بافتتاح محوري المريوطية، وصفط اللبن، وبدء تطوير طريق مصر - الإسكندرية الصحراوية، لكن معدل التنفيذ كان بطيئاً مقارنة بما يتم حالياً.
ويقول فهمي، إن «المشروعات الحالية هي استكمال لمشروعات الشبكة القومية للطرق، لكن بشكل أسرع، حيث ظهرت معالم المحاور المرورية، وبدأ الناس يستشعرون فوائدها عليهم».
الدكتور طارق وفيق، أستاذ التخطيط بجامعة القاهرة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروعات الطرق الحالية هي جزء من المخطط الاستراتيجي وخطة التنمية العمرانية لمصر، التي وضعت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك»، مشيراً إلى أن «الطرق تؤهل للتنمية، إذا تم إنشاؤها في التوقيت والمكان الملائمين»، مشيراً إلى أن «الطرق بصفة عامة سواء كانت قومية أو إقليمية أو شبه إقليمية، هي إضافة طالما طالبنا بها، لكن لا بد من وضع الأولويات في الاعتبار، وحساب جدوى الطريق، وحجم العوائد المرجوة منها، فمثلاً طريق (الصعيد - البحر الأحمر) الحر، الذي أنشئ عام 2007، ما زال حجم الأحمال عليه أقل من المتوقع».
وتواصل الحكومة المصرية تنفيذ مشروعات الطرق حالياً؛ إذ يجري العمل في المرحلة الثالثة من المشروع القومي للطرق، والتي تضم 7 طرق بطول 1100 كم، وتكلفة 12 مليار جينه، ومن المقرر البدء في تنفيذ 3 طرق بإجمالي 162 كم وتكلفة 2.7 مليار جنيه، كما يجري تنفيذ 8 محاور على النيل بتكلفة إجمالية 12.350 مليار جنيه، وتطوير شبكة الطرق بين المحافظات بطول 2100 كم، وتكلفة 18.6 مليار جنيه، وتنفيذ 20 كوبري علوياً بتكلفة 3.5 مليار جنيه أعلى السكة الحديد وعند تقاطعات الطرق الرئيسية، بحسب وزارة النقل.
ولا يقتصر الأمر على ربط المحافظات المصرية، بل يمتد لربط مصر بدول القارة الأفريقية، من خلال إنشاء طريق بري للربط بين مصر وتشاد، وإنشاء محور القاهرة - كيب تاون؛ بهدف زيادة التنمية الاقتصادية، ويعتبر السيسي قطاع النقل أحد القطاعات المهمة التي يوليها أهمية منذ اليوم الأول في حكمه، بحسب تصريحاته في مؤتمر الشباب الثامن، والتي أكد فيها أن «القطاع يحتاج إلى المليارات من أجل تحديثه وتطويره وصيانته»، واعداً بالانتهاء من «شبكة الطرق العام المقبل، مع تطوير المترو والسكة الحديد».
واستطاعت مشروعات الطرق الأخيرة تحسين ترتيب مصر في التصنيف العالمي لجودة الطرق، لتقفز من المركز الـ118 إلى المركز الـ75 على مستوى على العالم، وفقاً لتصنيف عام 2018، ويعتبر ما نفذته مصر في السنوات الخمس الأخيرة في إطار مشروع الطرق إنجازا، حيث زادت مساحة الطرق بنسبة 20 في المائة تقريباً، عما كان موجوداً في السابق؛ فوفقاً للإحصائيات الرسمية، فإن مصر كانت تمتلك 23 ألف كم من الطرق، تمت زيادتها الآن إلى ما يقرب من الـ28 كم، ومن المنتظر أن تصل إلى 30 كم العام المقبل.


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».