مصر تنعش الاستثمار العقاري بشبكة طرق جديدة

في محاولة لاجتذاب المستثمرين إلى المدن الجديدة التي يتم إنشاؤها حالياً في عدد من المناطق، دشنت مصر محاور ومشروعات طرق جديدة، للربط بين المدن القديمة على شريط النيل الضيق، بالمدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتربط العاصمة القديمة بباقي المحافظات والمدن الجديدة، لتسهيل حركة المواطنين، وتنقلهم من وإلى تلك المدن؛ مما يتيح للحكومة المصرية تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادي، من خلال رؤية تنموية، تدفع المصريين للخروج من وادي النيل الضيق، عبر شرايين وطرق تنموية جديدة تكفل سهولة وسرعة التنقل للبشر والبضائع، مستكملة مشروعات قديمة، لكن بخطى أكثر سرعة وثباتاً.
وعلى مدار الشهور والأسابيع الماضية افتتحت الحكومة المصرية عدداً من مشروعات الطرق الجديدة، التي تربط القاهرة بالمدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي، إضافة إلى مجموعة من المحاور والطرق الأخرى التي تربط الصعيد بالدلتا لتسهيل حركة النقل والسياحة، وتقليل زمن الرحلة، وهو ما يعتبره الخبراء نوعاً من التنمية التي تستهدف الإنسان في الأساس.
«أي تنمية حقيقية تستهدف رفع مستوى معيشة الإنسان أو المواطن، لا بد أن تعتمد على بنية أساسية جيدة، والطرق أحد عناصرها المهمة»، بحسب الدكتور عبد الحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروعات الطرق وخلق شرايين ربط جديدة بين المدن تعني إمكانية تعمير مناطق غير مأهولة، وخلق فرص استثمارية لم تكن موجودة»، مشيراً إلى أن «هذه المشروعات تساعد في خروج المصريين خارج الوادي الضيق الذي عاشوا فيه طوال السنوات السابقة، والبدء في البحث عن مناطق وأراضٍ جديدة للاستثمار العقاري أو الزراعي أو الاقتصادي، مما يعني توزيعاً أفضل للسكان».
ويعيش المصريون على 6 في المائة من مساحة مصر، وهم من الشعوب الزراعية المرتبطة بالأرض؛ وهو ما جعل محاولات إخراجهم من وادي النيل على مدار السنوات الماضية، صعبة، لكن زيد يرى أنه «وإن كان ارتباط المصري بمقر إقامته من السمات المميزة له، إلا أنه يمكن تغييرها، وبخاصة مع الأجيال الجديدة، أجيال ثورة المعلومات الذين لم يعودوا مرتبطين بالأرض بصورة كبيرة، بل على العكس دائماً ما يفتشون عن فرص للهجرة».
والاعتماد على الطرق لخلق مساحات جديدة ودفع الناس للخروج من المدن التقليدية، سياسة اتبعها الكثير من حكام مصر، في العصور السابقة، فعند تولي محمد علي باشا حكم مصر عام 1805، فكر في الخروج خارج القاهرة، رغبة في التجديد، فبنى قصره في أقرب قرية للعاصمة، وهي قرية شبرا الخيمة، ولتسهيل الوصول إلى القصر، أنشأ طريقاً كبيرة تصل بين العاصمة وبين قصره الجديد، لتصبح شبرا الخيمة فيما بعد امتداداً للقاهرة، فيما يعرف الآن بالقاهرة الكبرى.
ولم يكن الأمر قاصراً على الحكام، فالتفكير في الطرق للربط بين المدن، وتشجيع الناس على الذهاب لمناطق جديدة، وتحقيق التنمية، كان حاضراً في ذهن البارون إمبان مؤسس حي مصر الجديدة، فكان أول ما أنشأه ترام مصر الجديدة، الذي يربط العاصمة بالحي الجديد المزمع إنشاؤه، وبالتالي يشجع الناس على الانتقال من القاهرة إلى مصر الجديدة في زمن قليل.
ويرى زيد أن «إنشاء الطرق يعطي خيارات ومزايا أمام الشباب وفرصاً بديلة للاستثمار، وبخاصة أن الاستثمار اليوم لم يعد فردياً، فالناس لا تذهب لهذه المناطق فرادى، بل في مجموعات، وهذا يتطلب طرقاً ووسائل نقل تتيح لهم سهولة الانتقال»، مشيراً إلى أن «المشروعات الجديدة قللت من زمن الرحلة كما قللت من معاناة السفر أيضاً، وهو ما يزيد الترابط بين القاهرة والمحافظات، وبخاصة المحافظات الجنوبية، التي كان السفر منها وإليها مشقة تستدعي المبيت في كثير من الأحيان، ويشجع الناس على السكن في المدن الجديدة، وشراء عقارات بها».
وحتى يونيو (حزيران) الماضي نفذت مصر 4500 كيلومتر طرقاً جديدة ضمن المشروع القومي للطـرق بتكلفة 75 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 16.3 جنيه مصري)، و12 محوراً على النيل بتكلفة 13 مليار جنيه، وطورت 5000 كم من شبكة الطرق الحـالية بتكلفة 15 مليار جنيه، وأنشأت 250 كوبري علوياً بتكلفة 30 مليار جنيه، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة من وزارة النقل المصرية، وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر الشباب الثامن، أن «القوات المسلحة نفذت وأشرفت على مشروعات طرق بمبلغ 175 مليار جنيه».
الدكتور علاء فهمي، وزير النقل الأسبق، يرى أن «الطرق ليست مكسباً في حد ذاتها، بل فيما تحمله من معنى»، موضحاً أن «المشروعات التي يتم تنفيذها هي عبارة عن شبكة للربط المحوري بين النقاط الرئيسية ومراكز الصناعة والتجارة، عبر ربط أجزاء القاهرة الكبرى، التي تشمل 6 أكتوبر (تشرين الأول)، والقاهرة الجديدة، وربط الدلتا بالصعيد عبر الطريق الدائرية الإقليمية؛ مما يسهل الحركة ويخفف الضغط على الطرق داخل القاهرة الكبرى»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» «أنه «تم الانتهاء من الطريق الدائرية بطول 100 كم، والدائرية الإقليمية بطول 400 كم، وبينهم الدائرية الوسطى».
ولهذه المشروعات عائدات مباشرة وغير مباشرة، تتيح إنشاء مناطق لوجيستية، وتخلق شبكة لنقل البضائع على جميع المستويات، ويقول فهمي إن «هذه المشروعات شجعت على إنشاء مناطق لوجيستية شرق وغرب القاهرة، وموانئ جافة»، مشيراً إلى أنه «من بين العائدات غير المباشرة التي لا يراها الناس، توفير البنزين، فالطرق الجديدة منفذة على أعلى مستوى وتضم 5 و6 حارات مما يقلل الزحام، وبالتالي يقلل استهلاك البنزين، ويقلل عدد الساعات المهدرة في الرحلات من وإلى العمل؛ وهو ما يساهم في توفير الموارد الاقتصادية».
وضمت مشروعات الطرق الأخيرة محاور لتنمية الصعيد، عن طريق تطوير طريق الصعيد الغربية، ومحاور لتنمية ما يسمى بـ«المثلث الذهبي» على ساحل البحر الأحمر عبر طريق (سفاجا - قنا - سوهاج)، والمقرر امتدادها لأسيوط، ومرسى علم، لخدمة صناعة التعدين والنقل والسياحة أيضاً.
وتعد المشروعات التي يتم تنفيذها حالياً جزءاً من برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسي الانتخابي الذي أعلنه عام 2014، وكانت جزءاً من مشروعات الشبكة القومية للطرق، ضمن برنامج الرئيس الأسبق حسني مبارك الانتخابي في انتخابات عام 2005، وقد بدأ تنفيذها في عهده، بافتتاح محوري المريوطية، وصفط اللبن، وبدء تطوير طريق مصر - الإسكندرية الصحراوية، لكن معدل التنفيذ كان بطيئاً مقارنة بما يتم حالياً.
ويقول فهمي، إن «المشروعات الحالية هي استكمال لمشروعات الشبكة القومية للطرق، لكن بشكل أسرع، حيث ظهرت معالم المحاور المرورية، وبدأ الناس يستشعرون فوائدها عليهم».
الدكتور طارق وفيق، أستاذ التخطيط بجامعة القاهرة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروعات الطرق الحالية هي جزء من المخطط الاستراتيجي وخطة التنمية العمرانية لمصر، التي وضعت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك»، مشيراً إلى أن «الطرق تؤهل للتنمية، إذا تم إنشاؤها في التوقيت والمكان الملائمين»، مشيراً إلى أن «الطرق بصفة عامة سواء كانت قومية أو إقليمية أو شبه إقليمية، هي إضافة طالما طالبنا بها، لكن لا بد من وضع الأولويات في الاعتبار، وحساب جدوى الطريق، وحجم العوائد المرجوة منها، فمثلاً طريق (الصعيد - البحر الأحمر) الحر، الذي أنشئ عام 2007، ما زال حجم الأحمال عليه أقل من المتوقع».
وتواصل الحكومة المصرية تنفيذ مشروعات الطرق حالياً؛ إذ يجري العمل في المرحلة الثالثة من المشروع القومي للطرق، والتي تضم 7 طرق بطول 1100 كم، وتكلفة 12 مليار جينه، ومن المقرر البدء في تنفيذ 3 طرق بإجمالي 162 كم وتكلفة 2.7 مليار جنيه، كما يجري تنفيذ 8 محاور على النيل بتكلفة إجمالية 12.350 مليار جنيه، وتطوير شبكة الطرق بين المحافظات بطول 2100 كم، وتكلفة 18.6 مليار جنيه، وتنفيذ 20 كوبري علوياً بتكلفة 3.5 مليار جنيه أعلى السكة الحديد وعند تقاطعات الطرق الرئيسية، بحسب وزارة النقل.
ولا يقتصر الأمر على ربط المحافظات المصرية، بل يمتد لربط مصر بدول القارة الأفريقية، من خلال إنشاء طريق بري للربط بين مصر وتشاد، وإنشاء محور القاهرة - كيب تاون؛ بهدف زيادة التنمية الاقتصادية، ويعتبر السيسي قطاع النقل أحد القطاعات المهمة التي يوليها أهمية منذ اليوم الأول في حكمه، بحسب تصريحاته في مؤتمر الشباب الثامن، والتي أكد فيها أن «القطاع يحتاج إلى المليارات من أجل تحديثه وتطويره وصيانته»، واعداً بالانتهاء من «شبكة الطرق العام المقبل، مع تطوير المترو والسكة الحديد».
واستطاعت مشروعات الطرق الأخيرة تحسين ترتيب مصر في التصنيف العالمي لجودة الطرق، لتقفز من المركز الـ118 إلى المركز الـ75 على مستوى على العالم، وفقاً لتصنيف عام 2018، ويعتبر ما نفذته مصر في السنوات الخمس الأخيرة في إطار مشروع الطرق إنجازا، حيث زادت مساحة الطرق بنسبة 20 في المائة تقريباً، عما كان موجوداً في السابق؛ فوفقاً للإحصائيات الرسمية، فإن مصر كانت تمتلك 23 ألف كم من الطرق، تمت زيادتها الآن إلى ما يقرب من الـ28 كم، ومن المنتظر أن تصل إلى 30 كم العام المقبل.