هدوء حذر في بغداد بعد أسبوع من الاحتجاجات الدامية

السفير البريطاني دعا الحكومة العراقية إلى حماية المتظاهرين

العاصمة العراقية كما بدت صباح اليوم (إ.ب.أ)
العاصمة العراقية كما بدت صباح اليوم (إ.ب.أ)
TT

هدوء حذر في بغداد بعد أسبوع من الاحتجاجات الدامية

العاصمة العراقية كما بدت صباح اليوم (إ.ب.أ)
العاصمة العراقية كما بدت صباح اليوم (إ.ب.أ)

استيقظت بغداد، اليوم (الثلاثاء)، على هدوء حذر بعد أسبوع من الاحتجاجات التي شابتها أعمال عنف أسفرت عن مقتل أكثر من مائة شخص، بحسب تعداد رسمي، وغداة دعوة رئيس الجمهورية برهم صالح إلى الحوار ووقف التصعيد.
ودعا برهم صالح مساء أمس، بغصة، «أبناء الوطن الواحد» إلى وضع حد لما سماه «الفتنة»، بعيد إقرار القوات الأمنية بـ«استخدام مفرط» للقوة في مدينة الصدر شرق بغداد، التي شهدت ليل الأحد أعمال فوضى.
وبحسب حصيلة رسمية، قتل أكثر من مائة شخص، غالبيتهم من المتظاهرين وجرح أكثر من 6 آلاف آخرين، منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول من الشهر الحالي في بغداد ومدن جنوبية للمطالبة باستقالة الحكومة المتهمة بالفساد.
وقال صالح في كلمة متلفزة متوجهاً إلى الشعب، إن «المتربصينَ والمجرمينَ الذين واجهوا المتظاهرين والقوى الأمنية بالرصاصِ الحي (...) هم أعداءُ هذا الوطن، وهم أعداءُ الشعب».
وإذ أشار إلى ضرورة اتخاذ «إجراءاتٍ (...) مواجهة هذا النوعِ من الاحتجاجاتِ ومنعِ الاندفاعِ إلى استخدامِ القوة المفرطة»، دعا الرئيس العراقي إلى «حوار بين أبناء الوطن الواحد ومنع الأجنبي من التدخل» في بلد لطالما سعى إلى تحقيق التوازن بين حليفتيه المتعاديتين؛ الولايات المتحدة وإيران.
وأكد صالح أن «لا شرعية لأي عملية سياسية أو نظامٍ سياسي لا يعملُ على تحقيقِ متطلباتِ» الشعب.
وقبله، قدم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي سلسلة مقترحات لتدابير اجتماعية سعياً لامتصاص غضب المتظاهرين الذين أكدوا أن «لا شيء لديهم ليخسروه»، في بلد غني بالنفط ويعيش أكثر من خمس سكانه تحت خط الفقر.
من جانبه، دعا السفير البريطاني في بغداد جون ويلكس، اليوم، الحكومة العراقية إلى حماية المتظاهرين من خلال قوات الأمن الوطني. وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي على «تويتر»: «لا حاجة لنظريات المؤامرة. إن المطالب الأساسية للمتظاهرين باتت تنتظر منذ زمن طويل كما أنها مطالب مشروعة. على العراق أن يحمي العراقيين من خلال قوات الأمن الوطني».
وأعلن البرلمان مجدداً عن جلسة ظهر اليوم، بعد فشل عقد اجتماع أول، السبت، لعدم اكتمال النصاب.
وكانت كتلة رجل الدين مقتدى الصدر، الأكبر في البرلمان، قاطعت، مع نواب آخرين، جلسة السبت.
وبعد ليلة من الفوضى في مدينة الصدر حيث قتل 13 شخصاً في الصدامات بين المحتجين وقوات الأمن، بحسب مصادر طبية، أقرّت القوات العراقية بـ«استخدام مفرط للقوة وخارج قواعد الاشتباك المحددة». وقالت في بيان إنّها «بدأت إجراءات محاسبة الضباط والآمرين والمراتب الذين ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة».
وفي تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كان ممكناً سماع أصوات إطلاق رصاص متواصل، وأحياناً بالسلاح الثقيل، في مدينة الصدر، حيث تواجه القوات الأمنية ووسائل الإعلام صعوبات في الوصول إليها. وتعدّ هذه المنطقة معقلاً لأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي دعا الجمعة إلى استقالة الحكومة.
ومن الممكن الكشف عن صور أخرى قريباً، مع بدء شبكة الإنترنت التي قطعت تدريجياً في بغداد وجنوب العراق منذ مساء الأربعاء، بالعودة بشكل متقطع. ولكن ليس ممكناً بعد الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي انطلقت منها الدعوة إلى التظاهر.
وكانت السلطات العراقية، التي تتعرض لانتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان، أكدت أنها تتقيد «بالمعايير الدولية»، متهمة «مندسين» و«قناصين مجهولين» بإطلاق النار على المتظاهرين والقوات الأمنية على حد سواء.
وقالت منظمة العفو الدولية إنّ اعتراف «القوات الأمنية باستخدام القوة المفرطة هو خطوة أولى يجب أن تترجم على أرض الواقع بهدف كبح تصرفات القوات الأمنية والجيش». وقالت إنّ الخطوة التالية يجب أن تتمثّل بـ«المحاسبة».
من جهتها، طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالحفاظ على سبل وصول المسعفين إلى الجرحى.
وتعليقاً على التطورات في العراق، رأى المرشد الإيراني علي خامنئي، أن «الأعداء يسعون للتفرقة بينهما (إيران والعراق)، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر».
وتأتي الاحتجاجات في العراق تزامناً مع توجه آلاف «المشّاية» العراقيين والإيرانيين خصوصاً إلى مدينة كربلاء (110 كلم جنوب بغداد)، لإحياء أربعينية الإمام الحسين، كبرى المناسبات الدينية لدى المسلمين الشيعة التي تصادف بعد أيام قليلة.
وأمس أيضاً، ضاعف رئيس الوزراء اتصالاته الدبلوماسية مناقشاً التطورات الأخيرة هاتفياً مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والتقى في بغداد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وبحث معه اتفاقيات مشتركة بين البلدين.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.