الانتخابات التونسية لم تفرز قوة مهيمنة... والحكومة في انتظار تبلور التحالفات

تراجُع الأحزاب التقليدية في البرلمان الجديد... و«النهضة» تبقى في الصدارة

من عمليات فرز أصوات المقترعين في العاصمة التونسية أمس (أ.ب)
من عمليات فرز أصوات المقترعين في العاصمة التونسية أمس (أ.ب)
TT

الانتخابات التونسية لم تفرز قوة مهيمنة... والحكومة في انتظار تبلور التحالفات

من عمليات فرز أصوات المقترعين في العاصمة التونسية أمس (أ.ب)
من عمليات فرز أصوات المقترعين في العاصمة التونسية أمس (أ.ب)

في انتظار إعلان النتائج الأولية الرسمية للانتخابات البرلمانية التي أُجريت في تونس، أول من أمس (الأحد)، خيّم الصمت المطبق على عدد من الأحزاب السياسية التي باتت مهددة بالاضمحلال الكامل نتيجة فشلها في حجز أي مقعد في البرلمان الجديد. وسجّل هذا الاقتراع التشريعي الذي يسبق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأحد المقبل، ظهور قوى سياسية جديدة قد تكون مؤثرة في المشهدين البرلماني والسياسي في البلاد. ولكن في ظل غياب قوة أساسية تهيمن على البرلمان الجديد، فإن التوقعات تفيد بأن مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة ستأخذ وقتاً وربما ستكون معقدة قبل تبلور تحالفات نيابية تضمن نيلها الثقة.
وقبل إعلان النتائج الأولية الرسمية غداً (الأربعاء)، بقي التنافس على أشده حول زعامة المشهد البرلماني، بين حركة «النهضة» الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي، من جهة، وحزب «قلب تونس» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي المسجون نبيل القروي. كما أظهر اقتراع الأحد أن أحزاباً أخرى باتت خارج الحسابات السياسية وعلى رأسها حزب «النداء» الذي أسسه الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي. ولم يحصل «النداء» إلا على مقعد برلماني وحيد بعدما كانت حصته 86 مقعداً في انتخابات 2014. كذلك فشل تحالف «الجبهة الشعبية» اليساري الذي يتزعمه حمة الهمامي، في الفوز بأي مقعد برلماني، علماً بأنه احتل المرتبة الرابعة بـ15 مقعداً في برلمان 2014.
ومنحت غالبيةُ عمليات سبر الآراء حركةَ «النهضة» المرتبة الأولى في انتخابات الأحد بـ40 مقعداً برلمانياً، بعدما كان هذا الحزب الإسلامي قد حصل على 69 مقعداً برلمانياً في انتخابات 2014. وحل حزب «قلب تونس» الذي يشارك للمرة الأولى في الانتخابات، في المرتبة الثانية بـ33 مقعداً برلمانياً. وتتطلب عملية تشكيل الحكومة المقبلة 109 مقاعد برلمانية لنيل الثقة، ما يدعو إلى البحث عن تحالفات سياسية «اضطرارية» لتفادي الفشل في تكوين الحكومة وإمكانية التوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة سابقة لأوانها.
وكان راشد الغنوشي، زعيم «النهضة»، قد أشار في مؤتمر صحافي عقب الإعلان عن فوز حزبه في انتخابات الأحد، إلى حاجتهم إلى شركاء سياسيين لتشكيل الحكومة المقبلة. وأوضح أن التحديات التي تواجه تونس لا يمكن أن يواجهها حزب سياسي وحده، مؤكداً ضرورة مواصلة «سياسة الشراكة» مع بقية الأطراف السياسية على أساس برنامج مشترك لـ«مقاومة الفساد والفقر»، على حد تعبيره.
وفي الإطار ذاته، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن عماد الخميري القيادي في «النهضة» والمتحدث باسمها، أن الحركة ستعمل على التفاوض مع الأحزاب والمستقلين القريبين منها من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة تستجيب لطلبات التونسيين في العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد. وقال: «ننتظر النتائج النهائية لهيئة الانتخابات والتي ستحدد ملامح البرلمان وتركيبته». وتابع: «نعتبر النتيجة تجديد ثقة في حركة النهضة وتقديراً لجهودها بعد الثورة في حماية قيم الثورة والانتقال الديمقراطي». وتابع: «سنجلس مع كل الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة التي تلتقي معنا، للعمل على الاستجابة لطلبات التونسيين في العدالة الاجتماعية خصوصاً مكافحة الفساد».
وأشارت وكالة «رويترز» إلى أنه إذا أكدت النتائج الرسمية تصدر «النهضة» المشهد البرلماني فسيكون أمام هذا الحزب شهران لتشكيل حكومة ائتلافية. وبعدها يمكن لرئيس البلاد الجديد أن يطلب من سياسي يختاره هو محاولة تشكيل حكومة. وإذا أخفق ذلك أيضاً بعد شهرين فسيعود التونسيون إلى صناديق الاقتراع مجدداً.
وبشأن ردود الفعل الصادرة عن عدد من الأحزاب السياسية التي كانت تحظى بنصيب وافر للفوز في الانتخابات البرلمانية غير أن نتائجها كانت دون المأمول، قال محمد علي التومي القيادي في «حزب البديل» التونسي الحائز على ثلاثة مقاعد برلمانية لـ«الشرق الأوسط»، إن مشاركة حزبه الذي يتزعمه مهدي جمعة، رئيس الحكومة السابق، لا تعد مشاركة سيئة، معتبراً أن حداثة تشكيل الحزب تبرر مثل هذه النتيجة في مشاركة انتخابية هي الأولى له. وأضاف أن تقديم الانتخابات الرئاسية (بدورتها الأولى) على الانتخابات البرلمانية أضر بالنتائج الانتخابية التي سجلها «البديل». ومعلوم أن زعيم هذا الحزب، مهدي جمعة، كان مرشحاً في الانتخابات الرئاسية لكنه فشل في المرور إلى الدورة الثانية المحصورة بين المرشح المستقل قيس سعيّد، وزعيم «قلب تونس» نبيل القروي المسجون بتهم تهرب ضريبي وتبييض أموال، وهي تهم دأب على نفيها.
واعترف التومي بإمكان أن يكون «البديل» قد ارتكب أخطاء في إيصال رؤيته إلى الناخبين، مؤكداً أن برنامج الحزب لن يتغيّر كونه ليس مرتبطاً بهذا الاستحقاق الانتخابي فحسب. وفيما يتعلق بصعود حزب «قلب تونس» إلى صدارة المشهد السياسي، قال التومي إن هذا الحزب دخل الحياة السياسية بقوة، وبالإمكان اعتباره «نداء تونس جديداً»، في إشارة إلى أن هذا الحزب يتبنى نفس الأفكار الحداثية لـ«النداء» ويمكن أن يكون نسخة جديدة منه. لكن التومي تساءل إن كانت الأيام المقبلة ستشهد صفقة سياسية جديدة يتم إبرامها مع حركة «النهضة» التي قال إنها أظهرت أنها «حزب مستقر» رغم خسارة 30 مقعداً برلمانياً.
وفي السياق ذاته، شهد حزب «النداء» الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي الراحل، هزيمة مدوية، إذ حصل على مقعد برلماني وحيد فيما كان متصدراً المشهد البرلماني بحيازته 86 مقعداً في انتخابات برلمان 2014. وفي هذا السياق، قال المنجي الحرباوي، المتحدث باسم «النداء»: «نأسف لهذه النتيجة ونعترف بالهزيمة». واعتبر أن هذه النتيجة ليست النهاية «بل بداية جديدة» ستقود إلى تقييم موضوعي حول الأسباب والمسببات التي أدت إلى الهزيمة. وعبّر عن اعتذاره للناخبين وانتقد العملية الانتخابية برمتها، معدداً خروقات شابتها، حسب رأيه.
وأشارت وكالة الأنباء الألمانية، من جهتها، إلى أن نتائج انتخابات الأحد كشفت عن صعود قوى جديدة ستكون مؤثرة في مفاوضات التحالف الحكومي أو في المعارضة، مثل «الحزب الدستوري الحر» الذي يمثل واجهة النظام القديم قبل الثورة، و«ائتلاف الكرامة» اليميني المحافظ، إلى جانب أحزاب الوسط مثل «تحيا تونس» لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، و«التيار الديمقراطي»، و«حركة الشعب». وتتراوح حصة كل حزب من هذه الأحزاب بما بين 14 و18 مقعداً في البرلمان.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية، من جهتها، إلى أن «الحزب الدستوري الحر» لمؤسسته عبير موسي التي ترفع لواء الدفاع عن نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، نجح في تكوين قاعدة مكّنت زعيمته من نيل 4% من الأصوات في الدورة الرئاسية الأولى. وقالت عبير موسي عقب ظهور نتائج الاستطلاعات ليلة الأحد: «الدساترة (أنصار الحزب الدستوري) دخلوا التاريخ من الباب الكبير ولأوّل مرة بعد ثورة 2011، مجلس نواب الشعب، بحزب يحمل اسمهم وتاريخهم». وأضافت: «لن أدخل في توافق مع الإخوان (نسبة إلى إسلاميي حركة النهضة) وسنبقى في المعارضة».
في غضون ذلك، تتواصل في تونس حملة الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد المقبل، والتي أفرزت مرشّحَين غير متوقّعَين، هما أستاذ القانون الدستوري المستقلّ قيس سعيّد (18,4%) ونبيل القروي (15,5%) الذي تخوض زوجته حملته بالوكالة.
وإثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، في 25 يوليو (تموز) الفائت، غيّرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات موعد الانتخابات الرئاسية إلى 15 سبتمبر (أيلول) الفائت، وينص الدستور التونسي على أن يتسلم الرئيس الجديد مهامه هذا الشهر.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».