تدشين «استثنائي» في باريس لمعرض «العلا واحة العجائب في الجزيرة العربية»

وزير الثقافة السعودي: جوهر المنطقة يكمن في المزج بين التراث والفنون والطبيعة

وزير الثقافة السعودي يدشن المعرض في معهد العالم العربي بباريس أمس (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة السعودي يدشن المعرض في معهد العالم العربي بباريس أمس (الشرق الأوسط)
TT

تدشين «استثنائي» في باريس لمعرض «العلا واحة العجائب في الجزيرة العربية»

وزير الثقافة السعودي يدشن المعرض في معهد العالم العربي بباريس أمس (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة السعودي يدشن المعرض في معهد العالم العربي بباريس أمس (الشرق الأوسط)

قبل أن يلج الزائر إلى داخل معهد العالم العربي، حيث ينتظره معرض «العلا واحة العجائب في الجزيرة العربية»، يفاجئه ما سيراه في ساحة المعهد الواسعة: ما لا يقل عن عشرين شجرة نخيل احتلت الساحة وبهو بالغ الأناقة أقيم للمناسبة التي وصفها رئيس المعهد جاك لانغ بـ«الاستثنائية»، لأنّها تجسد بأحلى شكل، التعاون الثقافي بين السعودية وفرنسا. لكن دهشة الزائر لن تقف عند حدود المدخل لأن ما ينتظره في الداخل أي في المعرض هو المفاجأة الحقيقية.
مساء أمس، كان يوم التدشين الرسمي للمعرض الذي ستفتح أبوابه غدا أمام الجمهور. والحقيقة تقال إن المعرض ليس سوى سابقة لما تخطط له الهيئة الملكية لتطوير منطقة العلا. وقال الأمير بدر بن محمد بن عبد الله فرحان آل سعود، وزير الثقافة ورئيس الهيئة بمناسبة احتفال التدشين الذي حضره وزير الثقافة الفرنسي فرنك ريستر والكثير من المسؤولين والمعنيين بشؤون الثقافة والتراث والسياحة، إن «جوهر العلا يكمن في المزج بين التراث والفنون والطبيعة»، مضيفا أنّ افتتاح المعرض وإطلاق «الإعلان الثقافي للعلا» يمثلان «دعوة استثنائية للعالم أجمع للمحافظة على التراث الطبيعي العالمي، وإيجاد نقطة التوازن بين الطموحات والمسؤولية، وبناء لبنة جديدة من تاريخنا من أجل الأجيال القادمة».
ونوّه الأمير بدر، في كلمة بالمناسبة، بقوة التعاون بين السعودية وفرنسا، ووعد بأن تتحول منطقة العلا إلى وجهة سياحية استثنائية.
من جانبه، أشاد وزير الثقافة الفرنسي، بالشراكة الثقافية القائمة بين السعودية وفرنسا، معتبراً أن المعرض يعكس قوة التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين. وعبّر الوزير عن افتخاره بمواكبة فرنسا للسعودية في رؤيتها وتحولاتها. كذلك أكد أن بلاده تضع بتصرف السعودية أفضل معارفها وإمكانياتها.
وبدوره، يعد رئيس المعهد أنّ المعرض هو بمثابة «لحظة تاريخية» و«نتاج عمل تشاركي وتضامني بين باريس والرياض»، فضلا عن كونه «مغامرة طبيعية، تاريخية وإنسانية وعبورا في الزمن، لكنّه أيضا تعبير عن الصداقة السعودية - الفرنسية». وقال لانغ، إن «الفلسفة التي تقود جميع الفرق المشاركة في مشروع العلا الطموح ترتكز إلى قيم إنسانية وعالمية، وتستند إلى احترام بيئاتها وشعوبها». وذكر لانغ أنّ العلا على الرّغم من كونها موجودة على لائحة اليونيسكو للتراث الإنساني، فإنّها ليست معروفة على المستوى العالمي.
وفي السياق عينه، أكّد جيرار ميستراليه، الرئيس التنفيذي لـ«الوكالة الفرنسية لتطوير العلا»، التي أنشئت باتفاق رسمي إبان زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باريس في ربيع العام الماضي، أنّ المعرض والمهمة التي كلفت بها الوكالة «يندرجان في إطار (رؤية 2030) للانفتاح والتحديث» وأنّ مهمة المعرض هي أن «يتجوّل عبر العالم»، وأن يكون شاهداً لما تمثله العلا طبيعياً وتاريخياً وإنسانياً وتراثياً.
وفي ندوة بعد ظهر أمس، التي جمعت مسؤولين سعوديين وفرنسيين ومعنيين بتطوير موقع العلا، عرضت المشاريع الطموحة التي يراد لها أن تحول العلا إلى وجهة سياحية استثنائية عبر العالم. وقُيّد كل ذلك في «الإعلان (مانيفستو) الثقافي للعلا» الذي ينص على مشاريع طموحة للغاية، وأحد عناوينها المحافظة على الموقع الطبيعي والبيئة وإشراك ساكني المنطقة في المهمة الطموحة. ولعل بعض عناوين المشاريع الكبيرة التي يراد لها أن تجعل من العلا «متحفا مفتوحا» وإطلاق مجموعة معاهد فنية وإنشاء قرية الفنانين، وهي المحافظة على الفنون المحلية وعلى ثقافة الحصان العربي الأصيل التي تعكس بعضا من الطموحات التي تعمل اللجنة الملكية على تحقيقها.
لعل المفاجأة الأكبر لزائر المعرض أنّه كان يجهل وجود هذا الكنز التراثي الحضاري الطبيعي القادر على مضاهاة أي مثيل له في العالم. وحرص مخططو ومنظمو ومنفذو المعرض على أن المزج بنجاح بين الغنى والجمال الطبيعيين لمنطقة العلا، وبين ما تختزنه من تراث عمراني ثقافي هو نتيجة تراكمات تاريخية بدأت قبل 7 آلاف عام. وهذا المزج يبدأ منذ خطوات الزائر الأولى داخل المعرض، حيث تكون في استقباله صور وأفلام فيديو قصيرة عن واحة العلا باخضرارها الخلاب التي لا ينتظر أي منا وجودها في هذا الداخل الصحراوي الحار. وبعد صور الواحة تأتي صور من المحيط: الرمال المتغيرة، المرتفعات الجبلية متعددة الألوان والأشكال، والمنحوتات الصخرية الطبيعية التي أبدعتها الطبيعة بفعل الرياح والشمس والزمن... كل ذلك يشكل دعوة للسفر والاطلاع لأنه يثير الحشرية والشهية والرغبة في الاكتشاف. وكل ذلك موجود في الطابق الأول من المعهد.
يكفي أن ينتقل الزائر إلى الطابق الثاني حتى يترك الطبيعة ويدخل في قلب التاريخ: هنا المملكة الدادانية، وهناك المملكة اللحيانية وهذه الآثار تعكس المستويين الحضاري والفني. كما توجد منحوتات من الصخر الرملي لأشخاص يظن أنها من ملوك ذاك الزمان تلفت النظر بأحجامها الضخمة. ولكن رغم هذه الأحجام، فإن هناك دقة في النقش والنحت. وتبين قراءة هذه الآثار عن اعتناء بالتفاصيل، كما يقول المستشار الثقافي للجنة الملكية ومرشد المعرض الدكتور عبد الرحمن السحيباني، الأمر الذي يدل على المستوى الذي وصلت إليه هذه الفنون. كذلك فإن العثور على ما لا يقل عن 3000 تمثال ومنحوتة صغيرة عائدة للملكة اللحيانية يدل بدوره على وجود مدرسة لهذه الفنون.
بعد الدادان واللحيان، يدخل الزائر في المملكة النبطية.
وقد وصل النبطيون إلى العلا والحجر في القرن الأول قبل الميلاد، وحملوا معهم ثقافتهم وتقاليدهم ومنها حفر المدافن في الصخور.
ويحتوي موقع العلا على العشرات منها وصلت إلينا بعد أن اجتازت آلاف السنوات في حالة جيدة. وتساعد مقاطع فيديو أُنتجت خصيصا لهذه المناسبة، الزائر على فهم التقاليد النبطية في دفن الموتى واصطحابهم إلى مقامهم الأخير، وما يوضع في نعوشهم، وكيف كانوا يلفون بالنسيج والجلود...
يقول معجب الزهراني، مدير معهد العالم العربي إنّ الجزيرة العربية «كنز مخبأ» والمعرض «يشكل تحفيزا للكشف عن أسراره ومخزوناته وتراثه»، وإن ما سيتم إنجازه في هذا السياق سيعد بلا شك إضافات للمعارف الإنسانية.
لا يتوقف المعرض عند النبطيين إذ إنه يعبر باتجاه وصول الرومان إلى المنطقة وما تركوه من آثار ثم إلى العهد الإسلامي. وبعد أن كانت العلا محطة للقوافل في ترحالها من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب، أصبحت مع العهد الإسلامي والعهود العربية محطة رئيسية للحجيج في انتقالهم المشرق والشام إلى مكة المكرمة.
ثمة لحظة خاصة لا بد أن، تلفت انتباه الزائر العربي، تتناول ولادة الحروف العربية وكيفية تطورها من اللانبطي إلى النبطي العربي ثم إلى العربي. ويظهر مقطع فيديو كيفية هذا التطور من خلال كلمة «سلام»، حيث الحروف القليلة تنحني هنا وهناك من غير أن تفقد الصلة بصورتها الأصلية.
أمس، كان معهد العالم العربي خلية نحل. والمأمول أن يبقى كذلك للفترة التي سيستمر فيها المعرض الذي سيزور عواصم ومدنا أخرى بعد العاصمة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

فندق «شيدي الحجر» في العلا: تجربة تجمع بين الفخامة وعراقة التاريخ

عالم الاعمال فندق «شيدي الحجر» في العلا: تجربة تجمع بين الفخامة وعراقة التاريخ

فندق «شيدي الحجر» في العلا: تجربة تجمع بين الفخامة وعراقة التاريخ

افتتح فندق شيدي الحجر أبوابه في مدينة الحِجر الأثرية في السعودية المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق يمثل العرض الفني فرصة لاستكشاف العلاقة بين الحركة البشرية والطبيعة المحيطة (الشرق الأوسط)

تعزيزاً للتعاون الثقافي السعودي الفرنسي... عرض فني لأوبرا باريس الوطنية في العلا

تستضيف «فيلا الحجر» في العلا، فرقة «باليه الناشئين» لأوبرا باريس الوطنية، لتقديم عرض فني في 13 و14 ديسمبر (كانون الأول).

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق الرئيس الفرنسي خلال جولته في منطقة «الحِجر» التاريخية في العُلا (واس)

الرئيس الفرنسي يزور معالم العُلا الأثرية ومكوناتها التاريخية

زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محافظة العلا شهدت إطلاق مشروع «فيلا الحِجر»، أول مؤسسة ثقافية فرنسية - سعودية على أرض المملكة.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق الهراميس الثلاثة وُلدت خلال هذا الصيف في مركز إكثار النمر العربي التابع للعلا (واس)

ولادة 3 توائم من هراميس نادرة للنمر العربي في «مركز العلا»

وُلِدت مجموعةٌ نادرة من التوائم الثلاثية للنمر العربي المهدد بالانقراض، في ظل التحديات المتعلقة بالحفاظ على هذه الأنواع وإعادة تأهيلها في البرية.

«الشرق الأوسط» (العلا)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».