تعزيزات لتركيا و«قسد» على الحدود السورية

تحليق متواصل لطائرات التحالف في سماء منطقة تل أبيض

مظاهرة كردية في رأس العين بمحافظة الحسكة أمس ضد التهديد التركي بالتدخل (أ.ف.ب)
مظاهرة كردية في رأس العين بمحافظة الحسكة أمس ضد التهديد التركي بالتدخل (أ.ف.ب)
TT

تعزيزات لتركيا و«قسد» على الحدود السورية

مظاهرة كردية في رأس العين بمحافظة الحسكة أمس ضد التهديد التركي بالتدخل (أ.ف.ب)
مظاهرة كردية في رأس العين بمحافظة الحسكة أمس ضد التهديد التركي بالتدخل (أ.ف.ب)

دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية جديدة إلى وحداتها المتمركزة على الحدود السورية في ولاية شانلي أورفا المتاخمة لمنطقة شرق الفرات، فيما رصد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تحليقاً متواصلاً لطائرات التحالف الدولي منذ مساء السبت الماضي في سماء منطقة تل أبيض بالقرب من الحدود مع تركيا، وسط تصاعد تصريحات المسؤولين؛ وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، عن عملية عسكرية واسعة في المنطقة بسبب «المماطلة الأميركية» في تنفيذ خطوات إقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا.
وفي المقابل، بدأت «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، المدعومة أميركياً والتي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية غالبية قوامها، تعزيز تدابيرها العسكرية بعد أن أعلنت أنها ستحول أي هجوم عسكري تركي إلى حرب شاملة في رد على تصريح لإردوغان، أول من أمس، قال فيه إنه أعطى الأوامر لإطلاق عملية جوية وبرية وشيكة في شرق الفرات.
ووصلت 9 شاحنات محملة بعربات مدرعة وحافلة محملة بعسكريين أتراك إلى قضاء أكتشا قلعة التابع لولاية شانلي أورفا في مواجهة مدينة تل أبيض السورية ليل السبت - الأحد.
ورصد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تحليقاً متواصلاً لطائرات التحالف الدولي منذ مساء السبت وحتى أمس، في سماء منطقة تل أبيض بالقرب من الحدود مع تركيا، فيما عززت «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، التي تطالب تركيا بإخراجها من شرق الفرات، أمس، إجراءاتها العسكرية في شمال شرقي سوريا، استعداداً للتصدي لأي عملية عسكرية تركية في المنطقة. وتحدثت وسائل إعلام كردية عن استنفار كبير لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية على طول الحدود السورية - التركية.
وقال إردوغان، أول من أمس، إن بلاده باتت جاهزة لتنفيذ العملية العسكرية شرق الفرات في سوريا، وإن موعد العملية بات قريباً؛ «قد تكون اليوم أو غداً»، وإن تركيا «ملت من الوعود والمماطلة من قبل الولايات المتحدة، وسوف نقدم على هذه العملية ونقضي على وجود (المنظمات الإرهابية) على حدودنا»، في إشارة إلى «الوحدات» الكردية التي تعدّها تركيا «تنظيماً إرهابياً».
ونقلت وسائل إعلام عن مصادر في المعارضة السورية أن القوات التي ستشارك في العملية العسكرية في شرق الفرات أغلبها من الجيش التركي مع مشاركة محدودة لفصائل المعارضة، خصوصاً التي تلقت تدريبات عسكرية من القوات التركية، وترافق الجيش التركي وتحركاته داخل مناطق شرق الفرات.
وأشارت المصادر إلى أن عسكريين أتراكاً عقدوا اجتماعات سرية مكثفة مع قادة فصائل عسكرية ووجهاء من مدن تل أبيض ورأس العين ودير الزور ممن يقيمون في ولاية شانلي أورفا بهدف التنسيق للعملية العسكرية.
في السياق ذاته، حذرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) من قيام تركيا بعملية عسكرية في شرق الفرات دون التنسيق مع الولايات المتحدة، في وقت دعت فيه الإدارة الذاتية الكردية المجتمع الدولي إلى التدخل لمنع أنقرة من شن هجوم على مناطق سيطرتهم.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، شون روبرتسون، مساء أول من أمس السبت، إن أي عملية عسكرية غير منسقة من قبل تركيا ستكون «مصدر قلق بالغ، لأنها ستقوض مصلحتنا المشتركة المتمثلة في المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريا، والهزيمة المستمرة لـ(داعش)». وأضاف أن واشنطن تعمل عن كثب مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في تركيا من أجل تنفيذ سريع للآلية الأمنية، في الوقت المحدد أو قبله، مؤكداَ أنهم سوف يستمرون في تنفيذ الخطة في مراحل محددة وبطريقة منسقة وتعاونية.
وتوصلت أنقرة وواشنطن، في 7 أغسطس (آب) الماضي، إلى اتفاق يقضي بإنشاء «مركز عمليات مشتركة» في تركيا، لتنسيق إنشاء وإدارة المنطقة الآمنة، شمال شرقي سوريا، وتم من خلال المركز تسيير 3 دوريات برية إلى جانب 6 طلعات جوية مشتركة في شرق الفرات.
وتسعى تركيا لتحقيق سيطرة الحكومة المؤقتة على السلطة بمحافظة إدلب في شمال غربي سوريا، وتلافي ضغوط روسيا عليها لإنهاء وجود الجماعات المتشددة، وفي مقدمتها «جبهة النصرة»، هناك، بموجب اتفاق سوتشي الموقع بين الجانبين في 17 سبتمبر (أيلول) 2018.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة قد أعلنت اندماج «الجبهة الوطنية للتحرير» في «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من تركيا، في إجراء يهدف إلى حل «هيئة تحرير الشام» التي تشكل «جبهة النصرة» أكبر مكوناتها. وقال رئيس الحكومة السورية المؤقتة، التي تتخذ من جنوب تركيا مقراً لها، عبد الرحمن مصطفى خلال مؤتمر صحافي في شانلي أورفا، أول من أمس السبت، إنه تم توحيد «الجبهة الوطنية للتحرير» و«الجيش الوطني السوري» تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التي تريد لها تركيا أن تتسلم زمام الأمور في سوريا بعد انتهاء الأزمة.
وأوضح أن الجيش الوطني سيضم 7 فيالق تتألف من 80 ألف مقاتل. وتعد هذه العملية أكبر اندماج لقوات من المعارضة السورية حيث يضم لواء «الجبهة الوطنية للتحرير» نحو 25 ألف مقاتل، حسبما أعلن في عام 2018.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن تشكيل الجيش الوطني العسكري الموالي والمدعوم من تركيا، عمد إلى ضم فصائل عدة عاملة في حلب وإدلب وحماة واللاذقية «لتصبح منضوية في تشكيل واحد تحت مظلة واحدة، هي وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة».
وأضاف أن عملية الاندماج جاءت بطلب مباشر من الحكومة التركية، ومن المخطط أن تتحول «الجبهة الوطنية للتحرير» إلى فيالق «4» و«5» و«6» و«7» لتنضم إلى الفيالق الثلاثة الأولى العاملة، ضمن منطقتي عمليتي «غصن الزيتون» و«درع الفرات» اللتين نفذتهما تركيا بين 2016 و2018 في ريف حلب. وتعمل تركيا على دمج قوات المعارضة السورية تحت سقف «الجيش الوطني السوري» منذ أوائل 2018 في مناطق عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» من المقاتلين الناشطين في إطار فصائل «الجيش السوري الحر».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.