اجتماع إسرائيلي طارئ لبحث الأخطار الإيرانية الجديدة

وسط تخوف من أن يكون الأمر تنفيساً لأزمة نتنياهو السياسية

TT

اجتماع إسرائيلي طارئ لبحث الأخطار الإيرانية الجديدة

وسط تقديرات متباينة في الحلبة السياسية والأمنية في تل أبيب، وتساؤلات إن كان هناك خطر إيراني جديد، أم أنها محاولة تنفيس لأزمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وفشله في تشكيل حكومة جديدة، عقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) في الحكومة الإسرائيلية، أمس الأحد، جلسة للبحث في «تهديد أمني متعاظم يواجه إسرائيل».
ومع أن الأبحاث كانت سرية، كالعادة، من دون تفاصيل إعلامية، إلا أن تسريبات رافقتها أكدت أن موضوعها يتعلق بما اعتبره نتنياهو في الأيام الأخيرة «تصعيداً خطيراً للنشاط الإيراني في المنطقة». وحسب مصادر سياسية وأمنية مطلعة، فإن «الأوضاع في العراق تدل على أن إيران مصرة على تحويله إلى قاعدة انطلاق عربية للهيمنة على العالم العربي من جهة، وضرب إسرائيل من جهة ثانية». وحسب مصدر في مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء، فإن «الضربات الإسرائيلية للقواعد الإيرانية في سوريا والعراق لم تحقق أهدافها، كما يبدو، وطهران مصرة على المضي في مشروعها الجارف للهيمنة على العراق وسوريا ولبنان، وإقامة ممر بري لها حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط».
ويضيف المصدر أن «الحرس الثوري الإيراني، رأس الحربة في مد نفوذ حكم (الآيات)، بات يعاني من اهتزاز هيبته بسبب الضربات التي يتلقاها، خصوصاً محاولة اغتيال قاسم سليماني، قائد قوات (فيلق القدس) في هذا الحرس، وينوي تنفيذ عمليات انتقام ضد إسرائيل».
وتدور نقاشات علنية في تل أبيب حول الموضوع، إذ إن هناك من يعتبر تجدد التصريحات الإسرائيلية في الموضوع ودعوة «الكابنيت» إلى الاجتماع، لأول مرة منذ شهرين، هو محاولة من نتنياهو للخروج من أزمته الحزبية. وتساءل أحد نواب المعارضة من ذوي الماضي الأمني: «الخطر الإيراني معروف وقائم طول الوقت، قبل أيام وقبل أسابيع وقبل أشهر. فلماذا لم يدع (الكابنيت) في الأسبوع الماضي مثلاً، عندما تم تكليفه بتشكيل الحكومة؟ أنا أعتقد أن نتنياهو يلقي بالون اختبار آخر ويثير زوبعة غير واقعية عن خطر هجوم إيراني بغرض تشكيل ضغط جماهيري على بيني غانتس (رئيس حزب الجنرالات: كحول لفان)، حتى يكسر عناده ويقبل بالانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو. فالرجل لا يستطيع العيش خارج مياه رئاسة الحكومة، خصوصاً في فترة البحث لتقديم لائحة اتهام ضده في قضايا الفساد».
ويحظى نتنياهو بدعم في هذا الموقف من خصمه الشديد، رئيس حزب «اليهود الروس» (يسرائيل بيتينو)، أفيغدور ليبرمان، الذي قال أول من أمس، السبت، إنّ «إسرائيل تعيش حالة طوارئ قوميّة على ضوء التحديات الاقتصادية والتهديدات الأمنية في الجنوب والشمال وأماكن بعيدة أكثر. ولذلك يجب على غانتس ونتنياهو أن ينزلا عن الشجرة ويقيما حكومة وحدة».
ولفت النظر إلى أن كبير المعلقين السياسيين في صحيفة «معريب» والكاتب في موقع «المونيتور»، بن كسبيت، وهو المعروف بعدائه الشديد لنتنياهو، كتب أمس، أن هناك أخطاراً إيرانية محدقة فعلاً، والمسألة هذه المرة ليست لعبة من ألاعيب نتنياهو. وقال: «إسرائيل تعد نفسها بجد لإمكانيّة انهيار (المعركة بين الحربين) التي تشنّها ضد التموضع الإيراني في سوريا والعراق، وأن تتحوّل إلى حرب حقيقية ومكشوفة، على كل الجبهات، التي تغطّي جزءاً كبيراً من الشرق الأوسط»، وأضاف أنه «ربما هذا سبب تلميح نتنياهو والرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، للحاجة إلى إضافة مليارات الشواقل لميزانيّة الأمن، على وجه السرعة».
ويكتب بن كسبيت قائلاً: «رغم أن نتنياهو حوّل التهديد الإيراني إلى رافعة سياسيّة حزبية له منذ أكثر من عقد، إلا أن هناك احتمالاً أن تكون التهديدات هذه المرّة حقيقيّة. فمن الملاحظ أن هناك قلقاً يسود في القيادة الأمنية الإسرائيلية أيضاً من انهيار سريع على الجبهة الإيرانيّة. فقد أعلنت إيران بمبادرتها عن إحباط محاولة لاغتيال قائد (فيلق القدس)، قاسم سليماني، في نهاية الأسبوع، ومن الواضح أن إعلاناً كهذا يفترض أن يقود الطرفين إلى معركة مكشوفة. فإذا كانت إسرائيل حاولت اغتياله فعلاً يكون الأمر مفهوماً. ولكن حتى لو كانت محاولة اغتيال سليماني من وحي الخيال، فإن الإعلان عنها يضع الطرفين في مواجهة بعضهما البعض، ويصبح ما يفصل بين نشوب حرب وبين استمرار الهدوء هو شعرة».
وينقل كسبيت تقديرات رجالات أمن تحدث إليهم، أنه «وفقاً لكل الإشارات، فإن الإيرانيين قرّروا الردّ بقوّة على الضربات الكثيرة التي نسبت لإسرائيل ضد أهداف إيرانيّة أو لميلشيات موالية في سوريا والعراق. فقد باتت حساباتهم مع إسرائيل تطفح مع الزمن، بعد عشرات الهجمات التي تلّقتها إيران في المنطقة، وهناك من يفحص اليوم في تل أبيب إن كانت طهران تعد مفاجأة لإسرائيل في بحر الشهر الحالي، كما لمح رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، درور شالوم، خلال لقاء مع صحيفة (يسرائيل هيوم)، في الأسبوع قبل الماضي، إذ قال: إيران قد تشنّ هجوماً على إسرائيل بصواريخ (كروز) من الأراضي العراقيّة، التي يخزّن فيها الإيرانيّون بنى تحتية لصواريخ وقذائف قادرة على الوصول إلى إسرائيل». وحسب تقديرات مصدر أمني إسرائيلي كبير، فإن الرد الإيراني هذه المرّة لن يكون ضعيفاً عبر إطلاق نار قذائف تطلق من بعيد، وتسقط عادة في الجانب السوري من هضبة الجولان. الإيرانيّون أثبتوا مؤخراً أنهم يعرفون كيف يوجعون، وهم قادرون على اختراق الدفاعات الجويّة والتسبب بضرر كبير».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».