الاقتصاد السعودي... البرهان المسنود

تجاهل «المعيار» الاقتصادي لصالح «التكهن» السياسي في التصنيف الائتماني

اقتصاد السعودية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 بمؤشرات مالية صعودية (تصوير: أحمد فتحي)
اقتصاد السعودية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 بمؤشرات مالية صعودية (تصوير: أحمد فتحي)
TT

الاقتصاد السعودي... البرهان المسنود

اقتصاد السعودية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 بمؤشرات مالية صعودية (تصوير: أحمد فتحي)
اقتصاد السعودية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 بمؤشرات مالية صعودية (تصوير: أحمد فتحي)

لم تكن مطالبة وزارة المالية السعودية، الأسبوع الماضي، لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، بإعادة النظر في تقييمها للاقتصاد الوطني الذي خفضت فيه التصنيف درجة واحدة من (A+) إلى (A)، من باب استجداء عذر التقييم، أو غض النظر عن إبداء التصنيف، بل كانت مطالبة مبنية على واقع المعيارية ولغة المؤشرات الاقتصادية وحسابات المخاطر المحيطة.
البراهين توضح أن اقتصاد السعودية مسنود بمؤشرات قياسية تعتمد عليها منظمات الاقتصاد العالمي، كصندوق النقد الدولي، لقياس صحة وحيوية الاقتصادات، لذا جاء تحفظ وزارة المالية على التصنيف، في ظل أن مجاميع المؤشرات الاقتصادية المعمول بها في حالات التقييم، وكذلك ما يدعمها من حزم الإصلاح، ومسارات تنفيذ المشروعات، ونمو القطاعات غير النفطية، ووجود رؤية اقتصادية واضحة ترسم خريطة طريق تدفع إلى السير نحو رفع المؤشرات، وابتكار السياسات المحفزة والداعمة لنمو الاقتصاد، ذا وجاهة واعتبار.

أقوال الوكالة
أصدرت وكالة «فيتش»، في خضم تأثيرات وقع الهجوم على معامل النفط شرق المملكة وسط سبتمبر (أيلول) الماضي، تصنيف السعودية، بتراجعه درجة واحدة، مبدية استنادها إلى جوانب ربما لا تصنف بالمعيارية، بل معتمدة على عوامل المخاطر، وهو أحد أبرز العوامل الرئيسية المعنية بها وكالات التصنيف، حيث تبدي أولوية المخاطر في معايير التقييم.
وتشير الوكالة إلى أن الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة والصواريخ على البنية التحتية للنفط في السعودية أسفرت عن تعليق مؤقت لأكثر من نصف إنتاج النفط في البلاد، كما تلفت إلى أنه رغم استعادة إنتاج النفط بالكامل بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنها تعتقد - على حد تعبيرها - أن هناك خطراً يتمثل بحدوث المزيد من الهجمات على السعودية، الأمر الذي قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية.
واقتصادياً، ترى أن العجز المالي المستمر في السعودية عامل مساهم في خفض التصنيف الائتماني، متوقعة أن تسجل حسابات المالية السعودية خلال 2019 عجزاً مالياً قدره 6.7 في المائة من حجم الناتج الإجمالي للبلاد، مقابل عجز مالي قدره 5.9 في المائة في 2018. وفي التفاصيل حول مصدر الدخل، ترى أن السعودية تواجه ضغوط تراجع أسعار النفط والإنتاج، خصوصاً مع توقع أن متوسط سعر برميل النفط (خام برنت) سيكون بواقع 65 دولاراً، مقابل 71 دولاراً في عام 2018، بجانب توقعها أن ينخفض متوسط إنتاج المملكة هذا العام إلى 9.7 مليون برميل يومياً، من 10.3 مليون برميل في العام الماضي. هكذا، تنتهي رؤية «فيتش» لتقييم اقتصاد المملكة، فماذا تقول المؤشرات الاقتصادية السعودية، في خضم الحديث الجيوسياسي الذي استندت إليه «فيتش»؟

المالية السعودية
في وقت شددت فيه على احترام تصنيف وكالات التقييم الائتماني العالمية، ترى وزارة المالية - الجهاز المعني بالميزانية - أن خفض «فيتش» غير مقنع لها، وأبدت التحفظ صراحة، بل وطالبت صراحة الوكالة بالتريث وعدم التعجل فيما طرحته من تصنيف، وأن تعيد النظر في قراءتها للوضع الاقتصادي الكلي السعودي، فلماذا؟!
بحسب بيان الوزارة الصادر تعليقاً على التصنيف، لفتت إلى عوامل تمثل معايير مهمة في التقييم، ربما لم تضعها وكالة «فيتش» في الحسبان، وهي: «متانة» الاقتصاد، باعتباراته المبنية على محركات داخلية، تتضمن الحجم الكلي والقدرة المالية والتشغيلية، وتحمل بقائه والاستمرارية لمدد زمنية؛ و«المرونة» هي الاعتبار الثاني الذي تستند إليه الوزارة، حيث يبدي الاقتصاد ميكانيكية عالية في التحولات التي ترسمها الاستراتيجيات، كما أن تداخل القطاع الخاص بالعام يدفع إلى مزيد من التكيف والملائمة تجاه استراتيجية البلاد الاقتصادية؛ وثالث الاعتبارات هو «القدرة» على مواجهة التحديات العالمية، كما أثبتته ودلت عليه أزمات العقد الأخير، وتحديداً الأزمة المالية العالمية، ورحلة الركود المستمرة حالياً، حيث صمد اقتصاد السعودية بشهادات المنظمات العالمية، في حالة شبه استثنائية.

النقد المتاح
لم تكن وزارة المالية في لحظة ممانعة من نقد المؤشرات أو المعطيات الاقتصادية التي تبديها الوكالة، بل ترحب بكل التوقعات، فها هي «ستاندرد آند بورز» تشير إلى نظرتها المستقبلية المستقرة المحافظة على وتيرة نمو اقتصادي وصفته بـ«المعتدل» لاقتصاد المملكة، مؤكدة في الوقت ذاته على التحديات الجيوسياسية، لكنها تتوقع محافظة المملكة على قوة ميزانيتها ومركزها المالي خلال العامين المقبلين، رغم ارتفاع العجز.
وفي الوقت التي ذكرت فيه «ستاندرد آند بورز» ضرورة أن تحافظ الحكومة السعودية على التوازن بين الإنفاق لتحفيز الاقتصاد وتعزيز الانضباط المالي، توقعت الوكالة ذاتها انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 0.4 في المائة هذا العام، مع تراجع إنتاج النفط، والهجمات على المنشآت النفطية، لكنها عادت لتوقع عودة النمو في الناتج الإجمالي 2.3 في المائة كمتوسط، خلال عامي 2020 و2022. وهنا، لم تتحدث وزارة المالية أو تدعو لإعادة النظر في التصنيف، رغم اعتبار جانب التوتر السياسي، وفق منطقه السليم، كما في تحليل «ستاندرد آند بورز». ولكن ماذا تقول المؤشرات الاقتصادية؟!

المؤشرات تتحدث
يتضح أن دعوة وزارة المالية لإعادة النظر يقوم على براهين مسنودة بمؤشرات اقتصادية متماسكة، وفقاً نتائج بيانات ميزانية 2019 المحققة، وكذلك المعطيات التي تقوم عليها، حيث نجد أن الوزارة تقف على مبادرات داعمة للنشاط الاقتصادي، وتحفيز القطاع الخاص، والتقدم في تنفيذ المشروعات الاستثمارية الكبرى، بما يدعم الطلب الكلي في الاقتصاد.
ورفعت المملكة الإنفاق، بشقيه التشغيلي والرأسمالي، خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 6.3 في المائة، كما أن إجمالي الإيرادات المسجلة نمت 15 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى، وارتفعت إيرادات الدولة من القطاع غير النفطي خلال النصف الأول من العام بنسبة 14.4 في المائة، وسط تحسن النشاط الاقتصادي، واستمرار تنفيذ الإصلاحات والمبادرات الرامية لتنمية الإيرادات وتنويع مصادرها.
وتشير النتائج المالية خلال النصف الأول للعام المالي الحالي إلى أن حجم عجز الميزانية بلغ 5.7 مليار ريال (1.5 مليار دولار)، مقابل 41.7 مليار ريال في الفترة المماثلة من العام السابق (2018)، مما يعطي إشارة واضحة إلى استمرار العمل على ضبط أداء المالية العامة.
وتعتمد سياسة وزارة المالية الحفاظ على الاستدامة المالية، والارتقاء بجودة إدارة المالية العامة، لا سيما ما يرتبط برفع كفاءة الإنفاق، وتعزيز مبادئ الإفصاح المالي والشفافية، بالإضافة إلى الانضمام إلى معيار نشر البيانات الخاص بصندوق النقد الدولي.
وعن الأوضاع النقدية، زاد حجم التسهيلات الائتمانية التي قدمتها البنوك وشركات التمويل خلال الأشهر الستة الأولى من العام 11.6 في المائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، كما تحسن الأداء المصرفي للفترة ذاتها بمجموع موجودات بلغت 2.4 تريليون ريال، مرتفعاً 3 في المائة. وبحسب تصريحات لوزير المالية، الشهر الماضي، يتوقع أن ينمو الناتج غير النفطي إلى 3 في المائة بنهاية العام، في وقت لا يزال فيه الطلب مرتفعاً على إصدارات الدين الحكومي، محلياً ودولياً، بأكثر من 4 أضعاف، مما يعطي إشارة واضحة إلى ثقة المستثمرين المرتفعة بالاقتصاد السعودي.
ووفق ما سبق، يكون مناط وزارة المالية لمطالبة «فيتش» بالتريث، وإعادة النظر في التقييم، هو جانب آخر يبتعد عن المؤشرات الاقتصادية، ربما يكون تغليب البعد السياسي وتوترات المنطقة بشكل يهيمن فيه على المعيار الاقتصادي في الخروج بالتصنيف.

الشهادات المستقلة
الشهور القليلة الماضية كانت حبلى بحزم شهادات وتقييم بمواصفات ومعايير علمية من جهات عدة. كان أحدها ما استشهدت به وزارة المالية لتصنيف الائتمان الصادر عن «موديز» التي أكدت تصنيف المملكة الائتماني عند مستوياتها السابقة الإيجابية. وفي الاتجاه الائتماني ذاته، كشفت «ستاندرد آند بورز» قبل أسبوع عن تصنيفها للاقتصاد السعودي، وتأكيد التصنيف بنظرة مستقبلية «مستقرة»، مع توقعها تعافي إنتاج النفط السعودي في أعقاب الهجمات على منشآت «أرامكو».
وفي الإصدار الأخير عن اقتصاد المملكة، يشيد صندوق النقد الدولي بـ«رؤية 2030»، لا سيما مسارات الإصلاحات الاقتصادية الجارية، مشيراً إلى أن المملكة بدأت تجني ثمارها، خصوصاً فيما يتعلق بتنويع الاستثمارات، وتنمية الاحتياطات المالية الكبيرة، مما يساعد على امتصاص التداعيات السلبية لانخفاض أسعار النفط، والنمو العالمي البطيء. وأشاد الصندوق بالجهود الجارية من قبل المملكة في المجالات كافة، وانضمامها مؤخراً لعضوية مجموعة العمل المالي (FATF)، مؤكداً أن آفاق الاقتصاد السعودي «إيجابية».
وفي سياق آخر، حققت السعودية بنهاية يوليو (تموز) الماضي أكبر تقدم بين الدول الأكثر تنافسية في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2019، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان السويسرية، وجاءت في المرتبة الـ26، متقدمة 13 مرتبة عن العام الماضي، كما احتلت المرتبة السابعة من بين مجموعة دول العشرين (G20)، متفوقة على اقتصادات متقدمة وناشئة في العالم، مثل كوريا الجنوبية واليابان وفرنسا والبرازيل.
وبوصف «الحوكمة» و«الكفاءة» معايير ضرورية في التقييم الائتماني، يفصح الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الأخير، الذي يقيس تنافسية 63 دولة على مستوى العالم، عن تحسن ترتيب المملكة في 3 محاور، هي: محور الكفاءة الحكومية حيث قفزت من المرتبة الـ30 إلى المرتبة الـ18، ومحور كفاءة الأعمال حيث صعدت من المرتبة الـ45 إلى المرتبة الـ25، ومحور البنية التحتية التي رقت من المرتبة الـ44 إلى المرتبة الـ38.
وعربياً، يلفت تقرير مناخ الاستثمار بالدول العربية لعام 2019، الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، إلى تصدر المملكة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة، بفارق عن أقرب الدول المغرية بالاستثمار.

العامل الجيوسياسي
وإذا كانت تأكيدات السعودية على المؤشرات الاقتصادية مسنودة إلى أرض صلبة من النتائج الرسمية المتحققة حتى النصف الأول من العام، وتوقعات إيجابية للفترة المقبلة، فلماذا خفضت «فيتش» تصنيف اقتصاد المملكة؟ الجواب لا يمكن الجزم به عبر معيار المؤشرات الاقتصادية، ولكن بتغليب المعيار الجيوسياسي، واعتباره عامل الخطر المهيمن على التصنيف، حتى لو كان في خانة التوقعات والتكهنات، إذ تؤكد الوكالة «أنه رغم استعادة إنتاج النفط بالكامل، فإننا نعتقد أن هناك خطر حدوث المزيد من الهجمات... الأمر الذي قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية».
وعلى ضوء اعتقاد الوكالة بحدوث هجمات إضافية، يأتي على نقيض ذلك ما تراه مؤسسات تصنيف أخرى، حيث أعطت تصورات واضحة، مؤكدة في سياق تحليلها للموقف أن نظرتها المستقبلية مستقرة، بما في ذلك اعتبار التحديات الجيوسياسية، كما قالت «ستاندرد آند بورز» نهاية الشهر المنصرم. ولكن ماذا عن الجهود التي قامت بها «أرامكو» السعودية في تعاملها مع حادثة العدوان على آبار النفط في بقيق وخريص؟
على أرض الواقع، تمكنت المملكة من استعادة الطاقة الإنتاجية، والوصول إلى 11.3 مليون برميل يومياً، خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ولا يزال التعهد بأن تبلغ الطاقة الإنتاجية 12 مليون برميل يومياً مع نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فيما ستبلغ الإمدادات الفعلية خلال الشهر الجاري 9.8 مليون برميل يومياً؛ كل ذلك والتعهد قائم بأن تحافظ المملكة على الوفاء بتعهداتها الكاملة إزاء أسواق الطاقة العالمية.

الرؤية العامة
وعلى ضوء ما سبق، تكون رؤية وزارة المالية، ومطالبتها «فيتش» بعدم التعجل في تخفيض التصنيف، كامنة في أن التصنيف المتراجع لا يعبر عن دلالات استجابة المملكة، والسرعة الفائقة للتعامل مع حدث خطير كالهجمات على معامل نفطية حيوية، واستعادة عمليات إمداد النفط إلى أسواق العالم، وزيادة ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأسواق العالمية واستيفاء العقود.
الفصل بين تكهنات وكالة «فيتش» وواقع حال اقتصاد السعودية هو ما قاله بوضوح وزير المالية الجدعان عن تأثير الهجمات العدوانية على معامل النفط: «المؤشرات المالية والاقتصادية السعودية لن تتأثر بالهجمات الإرهابية الخاصة بأرامكو».


مقالات ذات صلة

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

الاقتصاد وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة).

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)

قطاعا البنوك والطاقة يعززان السوق السعودية... ومؤشرها إلى مزيد من الارتفاع

أسهمت النتائج المالية الإيجابية والأرباح التي حققها قطاع البنوك وشركات عاملة بقطاع الطاقة في صعود مؤشر الأسهم السعودية وتحقيقه مكاسب مجزية.

محمد المطيري (الرياض)
عالم الاعمال المائدة المستديرة في الرياض (تصوير: مشعل القدير)

مائدة مستديرة في الرياض تشدد على ضرورة «بناء أنظمة طاقة نظيفة ومرنة»

شدد مختصون بالطاقة النظيفة على ضرورة تنويع مصادر الإمداد وتعزيز قدرات التصنيع المحلية لضمان أمن الطاقة على المدى الطويل وتقليل نقاط الضعف.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الاقتصاد عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
الاقتصاد تتولى الهيئة الملكية لمدينة الرياض تنفيذ عدد من المشاريع الضخمة بالعاصمة السعودية (الهيئة)

«بارسونز» الأميركية تفوز بعقد قيمته 53 مليون دولار لبرنامج الطرق في الرياض

فازت شركة «بارسونز» الأميركية بعقد لإدارة تطوير شبكة الطرق بالرياض، في وقت تستعد العاصمة السعودية لاستضافة «إكسبو 2030» وكأس العالم لكرة القدم 2034.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.