أمام صندوقٍ زجاجي يضم داخله مجموعة من القطع التراثية النادرة، بعضها معدني والآخر ورقي، تسمرت الشابة تسنيم البيك لدقائق طويلة، تتأمل العبارات المخطوطة عليها. يأخذها التفكير تارة لعمق التراث الفلسطيني الضارب بجذوره في الأرض والتاريخ، وأخرى لمحاولات سرقته التي تتعمد إسرائيل تنفيذها بين وقتٍ وآخر من خلال مؤسساتها المختلفة.
تتنقل الشابة، بعد جولة التفكير تلك، بين جوانب المعرض التراثي الذي يُعقد على مدار يومين في قاعة رشاد الشوا، وسط مدينة غزة، ويُنفذ من قِبل رابطة هواة العملات والطوابع - فلسطين، بالتعاون مع بلدية غزة، ويُعرض ضمنه المئات من القطع الأثرية النقدية والطوابع البريدية التي جد في جمعها خلال السنوات الماضية أعضاء الرابطة، في محاولة منهم لإحياء التراث الفلسطيني على طريقتهم الخاصة.
ويحتفل الشعب الفلسطيني سنوياً، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بـ«يوم التراث الفلسطيني»، من خلال عقد مجموعة من الفعاليات، تمتد على طول محافظات الوطن، وتهدف للحفاظ عليه من النسيان والضياع، خصوصاً في ظل ما يتعرض له من حملات سرقة «شعواء» تقوم بها مؤسسات إسرائيلية.
المهندس عماد صيام، مدير عام الشؤون الثقافية في بلدية غزة، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا المعرض يقام بالتزامن مع عدد من الأنشطة الثقافية والفنية التي تنفذها البلدية إحياءً لذكرى يوم التراث الفلسطيني، مشيراً إلى أن جميع المقتنيات الأثرية التي يشملها المكان ذات قيمة عالية ثمينة، كما أنها تعكس فترات الحكم المختلف التي عاشها الشعب الفلسطيني، بدءاً من العهد العثماني، مروراً بعهد الانتداب البريطاني، انتهاءً بفترة الاحتلال الإسرائيلي.
ويلاحظ الزائرون احتواء عدد من الزوايا على قطع تراثية وطوابع خاصة بعدد من دول المنطقة العربية. وعن هذا، يذكر صيام أن رسالة المعرض عالمية هادفة لتأريخ حياة الشعوب، ولإيضاح العلاقة الوطيدة بينها وبين الشعب الفلسطيني التي امتدت لتصل إلى كل تفاصيل العيش، مبيناً أن كل مقتنى أثري يحكي قصة خاصة، ويعبر عن حيوات الشعوب من كل الجوانب، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.
والمعرض الذي أمه حشد كبير من الشخصيات الرسمية والمواطنين عانى منظموه من قيود الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ نحو 12 عاماً. ويشرح محمد الزرد، منسق الرابطة، لـ«الشرق الأوسط» كيف أن عدد المشاركين في هذا المعرض بلغ 12 مشتركاً، وكان المفترض أن يتضاعف لو أن الظروف المادية والحقوقية أفضل، منبهاً لأن تشكيل مجموعة الهواة بدأ قبل نحو 4 سنوات، من خلال مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويلفت إلى أن الأمر تطور معهم، ووصل لعقد الاجتماعات الشخصية بعد ذلك. ومن ثم، سعوا لنشر التراث من خلال المشاركة في عدد من الفعاليات المحلية، وأخيراً بلغوا مرحلة مميزة تمثلت في عقد معارض خاصة بهم، مضيفاً أن «عدد أعضاء المجموعة في هذا الوقت يقترب من الـ35 شخصاً، ينشطون كلهم في جمع القطع الأثرية والعملات القديمة والطوابع البريدية منذ سنوات طويلة، قد تصل إلى 40 عاماً عند بعضهم».
ويعود أصل حكاية «يوم التراث» للمؤرخ الفلسطيني نمر سرحان، حين بدأ بالتفكير بالأمر منذ سنة 1966، وأعد في ذلك العام برنامجاً لإذاعة صوت فلسطين، بهدف تسليط الضوء على القرى الفلسطينية المحتلة، من خلال إبراز معالمها وتراثها، بما يحتويه من أغانٍ وأهازيج وعادات وتقاليد ومأكولات شعبية. وفي عام 1977، بدأ المؤرخ حكاية أخرى مع إصدار «موسوعة الفلكلور الفلسطيني». وحينها، رأى ضرورة اعتماد يوم خاص بالتراث الوطني. وحظيت الفكرة آنذاك بدعم من الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وتقرر تحديد الأول من يوليو (تموز) من كل عام يوماً للاحتفال بالتراث.
وفي مرحلة ما بعد قدوم السلطة الفلسطينية، قرر مجلس الوزراء في سنة 1999 اعتماد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) يوماً للتراث الوطني.
فعاليات للحفاظ على التراث الفلسطيني من النسيان والضياع
عرض مقتنيات أثرية تعكس فترات الحكم المختلفة التي عاشها الشعب
فعاليات للحفاظ على التراث الفلسطيني من النسيان والضياع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة