مصر تتطلع لدور أميركي في مفاوضات «سد النهضة» بعد «انسداد» المباحثات

القاهرة اتهمت إثيوبيا بـ«التشدد» و«الردة» عما سبق... وأديس أبابا ترفض وسيطاً دولياً

TT

مصر تتطلع لدور أميركي في مفاوضات «سد النهضة» بعد «انسداد» المباحثات

في الوقت الذي أعلنت فيه القاهرة، أمس، أن «مفاوضات سد النهضة قد وصلت إلى طريق مسدودة نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي»، أعربت الرئاسة المصرية عن تطلعها إلى «دور أميركي» في المباحثات الممتدة منذ سنوات، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى دور دولي، وأن القاهرة مستمرة في «اتخاذ ما يلزم سياسياً لحماية حقوقنا».
وجاء موقف مصر في ختام مباحثات خاضتها مع السودان وإثيوبيا، في الخرطوم، على مستوى وزراء المياه في الدول الثلاث. وقالت القاهرة إن ممثلي أديس أبابا في اجتماع الخرطوم «رفضوا كل الأطروحات التي تراعي مصالح مصر المائية، وتتجنب إحداث ضرر جسيم».
وفور إعلان القاهرة توصل المفاوضات إلى طريق «مسدودة»، دخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خط التفاعل مع مستجدات المفاوضات، وقال إنه تابع «عن كثب نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء الري، الذي لم ينتج عنه أي تطور إيجابي»، متعهداً بأن «الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق». وأضاف السيسي مطمئناً مواطنيه، في تدوينة عبر حسابه الرسمي الموثق على موقع «فيسبوك»: «سيظل النيل الخالد يجري بقوة رابطاً الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا».
وتخشى مصر من أن يؤدي السد الإثيوبي إلى الإضرار بحصتها من مياه النيل، التي تقدر بـ«55.5 مليار متر مكعب»، والتي تعتمد عليها بنسبة أكثر من 90 في المائة في الشرب والزراعة والصناعة.
وبحسب «الري المصرية»، فإن «إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت (الأسبوع الماضي) في الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها في الفترة من 30 سبتمبر (أيلول)، وحتى أمس، مقترحاً جديداً، يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل».
وقبل أسبوعين، تبادلت مصر وإثيوبيا، أخيراً، تصعيداً كلامياً نادراً بشأن تعثر المفاوضات، فطالبت القاهرة بوضع حد لمفاوضات تجري منذ نحو 8 سنوات حول «سد النهضة» من دون التوصل إلى نتيجة، فيما رفضت أديس أبابا مقترحات مصرية بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، منتقدة ما عدّته «يتعارض مع سيادتها».
وقالت مصر، أمس، إن إثيوبيا «رفضت مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في الخرطوم 23 مارس (آذار) 2015. كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة».
وأوضحت أنه «على ضوء وصول المفاوضات إلى طريق مسدودة، فقد طالبت مصر بتفعيل المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ، بالمطالبة بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاث وتقريب وجهات النظر والمساعدة في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث دون الافتئات على مصالح أي منها».
وذكر متحدث الرئاسة المصري أن مصر «تتطلع لقيام الولايات المتحدة بدور فعال في هذا الصدد، خصوصاً على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدودة بعد مرور أكثر من 4 سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في 2015، وهي المفاوضات التي لم تفضِ إلى تحقيق أي تقدم ملموس، ما يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال لتجاوز التعثر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يقوم على احترام مبادئ القانون الدولي الحاكمة لإدارة واستخدام الأنهار الدولية، التي تتيح للدول الاستفادة من مواردها المائية دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى».
وسبق لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن أثار قضية «سد النهضة» وتطوراتها مع نظرائه من 4 دول، بينها روسيا، ضمن اجتماعات ثنائية منفصلة في نيويورك، على هامش أعمال «الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة» الشهر الماضي.
وكشف وزير الري والموارد المائية، ياسر عباس، في مؤتمر صحافي، أن دولة إثيوبيا تقدمت بعرض لملء بحيرة سد النهضة لفترة زمنية محددة تتراوح بين 4 و7 سنوات، مضيفاً أن الاجتماعات ناقشت كل الأجندة التي تشمل عرض المقترحات البحثية للدول الثلاث. وأقر عباس بوجود خلافات يجب التواصل في حلها، مشيراً إلى أن الاجتماعات ناقشت مقترح الوسيط الدولي، بيد أنه رجح مقدرة اللجنة البحثية على حسم الملفات العالقة، مشيراً إلى ما سماه تقدماً كبيراً في أعمال اللجنة البحثية المشتركة، برغم بعض الخلافات. وأوضح أن الأطراف اتفقت على استمرار التشاور بين وزراء الري الثلاثة في تحديد الخطوات التالية، بما فيها الاجتماع المقبل.
وقال وزير الموارد والري الإثيوبي سلشي بيكليي في مؤتمر صحافي عقده في سفارة بلاده عقب نهاية الاجتماع أمس، إن المفاوضات التي جرت بين وزراء الري للدول الثلاث لم تصل إلى طريق مسدودة. وأوضح أن مصر تقدمت بمقترح خلال الاجتماعات طالبت فيه بــ40 مليار متر مكعب في السنة، في حين أن مخزون إثيوبيا 20 مليار متر مكعب، مضيفاً أن الوفد المصري رفض مقترحاً من السودان بـ35 مليار متر مكعب.
وقطع الوزير الإثيوبي برفض بلاده أي وساطة من أي جهة، وقال: «التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة حتى الوصول إلى اتفاق». وتابع: «الخبراء من الدول الثلاث تقدموا بمقترحات، وهذا يعني أن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدودة». وقال وزير الري الإثيوبي إن اللجنة البحثية الفنية المشتركة للدول الثلاث ناقشت خلال الاجتماعات الملء الأول لبحيرة السد، فيما أكد وزير الري السوداني أن الأطراف اتفقت على كثير من النقاط الخلافية، وتداولت للمرة الأولى أرقام وجداول الملء الأول لبحيرة سد النهضة، معدّاً ذلك إنجازاً كبيراً. وأضاف: «التفاوض وعمل اللجنة البحثية الخماسية، سيستمر حتى الوصول إلى حل لكل الخلافات».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.